رئيس التحرير
خالد مهران

كذب أم حقيقة؟.. سر إعلان «ترامب» إيقافه لحرب بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة

دونالد ترامب والرئيس
دونالد ترامب والرئيس السيسي

جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حديثه وادعاءاته عن تدخله بشكل مباشر لتجنيب حربا عسكرية محتملة بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة.

ووجه «ترامب» اللوم على إدارات أمريكا السابقة، لتوريط الولايات المتحدة في تمويل السد وتعقيد المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان.

وأضاف: «لقد بنوا سدا في إثيوبيا يؤثر على مياه نهر النيل وأعتقد أنها مشكلة كبيرة».

تلك التصريحات أعادت أزمة سد النهضة الإثيوبي للواجهة مرة أخرى، وهي واحدة من أكثر الملفات تعقيدا على الساحة الإفريقية، لا سيما وأنها تزامنت مع احتفال إثيوبيا رسميا بافتتاح سد النهضة، وانشغال العالم بمستجدات حرب غزة واعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين المستقلة.

ودفعت تصريحات «ترامب» لطرح تساؤلات عدة حول حقيقة تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن الحرب العسكرية المحتملة بين مصر وإثيوبيا، ومدى صدق روايته في تدخله الشخصي لتجنب تلك المواجهة، وسيناريوهات احتدام الملف بين «القاهرة» وأديس أبابا ومدى احتمالية تجدد اشتعال شرارة الحرب بين البلدين، وهو ما تجيب عنه «النبأ» في السطور التالية.

نية ترامب الحقيقية

وكشف دونالد ترامب، عن نيته الحقيقة ومساعيه وراء تلك التصريحات، بأنه يستحق الفوز بجائزة «نوبل» للسلام تقديرا لجهوده في إنهاء عدد من الحروب.

وأوضح: «عملنا على وقف الحروب بين الهند وباكستان وأرمينيا وأذربيجان وكوسوفو وصربيا وإسرائيل وإيران».

وتابع: «اعتقدت أن إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا سيكون الأسهل بفضل علاقتي الجيدة بالرئيس بوتين لكن خاب ظني فيه، سنحل الموضوع بين روسيا وأوكرانيا بشكل أو بآخر».

وأضاف: «قضينا على أحلام إيران النووية من خلال تدمير اليورانيوم المخصب لديها».

واستطرد: «نسعى إلى إنهاء الحرب في غزة وتهدئة التوترات في الشرق الأوسط، كل ما نقوم به يهدف إلى تحقيق السلام، رغم إدراكنا أن الطريق لن يكون سهلًا، وقد نواجه صعوبات، لكننا ملتزمون بالمضي قدمًا».

وأشار إلى أن الولايات المتحدة استطاعت أن تحسم مواقف مشابهة في عدد من النزاعات حول العالم.

لم تكن تلك التصريحات هي الأولى من نوعها، بل سبق وهاجم ترامب سياسة أمريكا السابقة في تمويل سد النهضة، واصفا الأمر بأنه «تمويل غبي».

صب «ترامب» للبنزين

ولم يكتف «ترامب» بهذا، بل حاول تحريض مصر صراحة على التحرك عسكريا نحو السد، مؤكدا أن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة.

وألمّح إلى أن القاهرة قد تفجّر السد دفاعًا عن أمنها المائي، معقبا: «كان يجب عليهم إيقافه قبل وقت طويل من بنائه».

ويرى عدد من المراقبين والمحللين السياسيين بتلك التصريحات يحاول دونالد ترامب مراوغة القيادة السياسية المصرية وتحريضها على العمل العسكري ومواجهة إثيوبيا مستخدما نظرية «صب البنزين» لإشعال المنطقة وإغراقها في صراعات جديدة للفت الأنظار عن جرائم إسرائيل بقطاع غزة.

واستبعد الخبراء والمراقبون، وجود أي احتمالات عسكرية بين مصر وإثيوبيا سواء كانت سابقة أو حالية، مؤكدين أن «ترامب» يضرب أكثر من هدف بـ«حجر واحد»، فمنها يعزز من فكرة حصوله على جائزة نوبل للسلام، والضغط على مصر للقبول بخططه تجاه قطاع غزة «المياه مقابل غزة»، لا سيما إلى أن تلك التصريحات قد تحرك المياه الراكدة في ملف سد النهضة وتشغل الأنظار عن مستجدات الحرب في قطاع غزة.

وأكد الخبراء، أن مصر عملت خلال السنوات الماضية على تنويع أدواتها الدبلوماسية والقانونية من أجل حل قضية سد النهضة، علاوة على ضخ استثمارات ضخمة في مجال تحلية المياه، علاوة على تدعيم أمنها الغذائي، حتى لا تضطر إلى الانزلاق في مواجهة عسكرية لا تريدها.

منقذ العالم

وفي هذا الصدد، يرى الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن تصريحات ترامب ما هي إلا محاولة أخرى لتسليط الضوء على إنجازاته الوهمية وتصدير نفسه على أنه «منقذ» العالم من الصراعات والحروب.

وأكد «شراقي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن ملف سد النهضة لم يصل أبدا إلى التوتر الذي يصل إلى حرب أو مواجهة عسكرية بين مصر وإثيوبيا.

وأوضح أن مصر تعتمد بشكل أساسي على مياه نهر النيل وليس لديها أي مصدر آخر للمياه، مؤكدا أن السد يحتجز 64 مليار متر مكعب من المياه وهي كميات كبيرة كانت تتدفق بشكل طبيعي إلى مصر وهو ما يتسبب في خسارة كبيرة من حصة مصر السنوية من مياه النيل.

ورغم ذلك، استبعد «شراقي» اضطرار مصر لدخول أي مواجهات عسكرية مباشرة مع الجانب الإثيوبي، مؤكدا أن المسار التفاوضي لا يزال يحمل فرصا لعقد اتفاق يشمل مصر والسودان وإثيوبيا.

وشدد أستاذ الموارد المائية، على أن الرئيس السيسي والدبلوماسية المصرية تتمسك لآخر نفس بسياسة ضبط النفس والسعي في حل أي نزاع بالطرق السلمية التفاوضية.

تكذيب ترامب

وكذبت هيئة الإذاعة البريطانية، دونالد ترامب، مؤكدة أن الأمور بين مصر وإثيوبيا لم تصل أبدا إلى مرحلة الحرب والمواجهة العسكرية.

وأشارت الإذاعة البريطانية، أن التوترات بين مصر وإثيوبيا مستمرة منذ فترة طويلة بشأن السد إلا أن الأمر لم يصل أبدا إلى حد الصراع العسكري.

ونشر موقع «أكسيوس» الأمريكي في تقرير له، حقيقة مزاعم ترامب بوقف حرب بين مصر وإثيوبيا.

وقال الموقع، إن أغلب الصراعات التي ادعى ترامب أنه أنهاها لم تحل بشكل كامل، موضحا أن أمريكا لم تكن طرفا في توقيع أي اتفاق رسمي بين مصر وإثيوبيا.

وأكد التقرير أن ترامب يسعى للحصول على جائزة نوبل للسلام ولذلك يضع نفسه في صورة «صانع السلام» يروج لنفسه على أنه «منقذ العالم».

وأشار الموقع إلى أن البيت الأبيض يعتبر تدخل ترامب خلال فترة ولايته الأولى عام 2019، لتهدئة التصعيد الدبلوماسي بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة وقفا لحرب كانت ستندلع.

وأضاف التقرير: «لم يكن هناك حربًا ولا اتفاق سلام، لكن ترامب يزعم أنه كان سيكون هناك حرب لو لم يتدخل».

وحاولت الولايات المتحدة التوسط لاتفاق خلال فترة ترامب الأولى، لكن أثيوبيا ابتعدت عن المحادثات، ثم علق «ترامب» بعض المساعدات لإثيوبيا بسبب التقدم المحدود.

وفي هذا السياق، قال مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، إن سياسة الرئيس ترامب واضحة وتقوم على دعم السلام وتهدئة النزاعات.

وأضاف «بولس» أن سد النهضة الإثيوبي أصبح واقعًا جديدًا بعد افتتاحه قبل أيام، مشددًا على ضرورة التعامل مع هذا الملف بطريقة هادئة وسلمية بعيدًا عن أي خطوات متسرعة.

وأكد أن الحل الأمثل يكمن في المفاوضات المباشرة بين الأطراف، مشيرًا إلى استعداد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبذل كل الجهود ودعم أي مبادرات سلمية من أجل التوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة تُرضي جميع الأطراف.