أحمد بركة يكتب: "دولة التلاوة".. وصناعة جيل قرآني معاصر
في زمن تتسارع فيه وتيرة الإعلام وتتنوع فيه المنصات الترفيهية، يبرز برنامج «دولة التلاوة» كواحد من أبرز المبادرات التي تعيد الاعتبار لفنون تلاوة القرآن الكريم، وتُعيد للأذهان أمجاد المدرسة المصرية العريقة في هذا المجال، التي أنجبت عمالقة مثل الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ مصطفى إسماعيل.
فكرة رائدة.. ورسالة حضارية
جاء برنامج «دولة التلاوة» كثمرة تعاون بين وزارة الأوقاف المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ليكون أكثر من مجرد مسابقة صوتية، بل رسالة حضارية تهدف إلى تهذيب النفس، وتعزيز الارتباط بالقرآن الكريم، وإحياء فنون الترتيل والتجويد وفق المدرسة المصرية الأصيلة.
البرنامج الذي استغرق التحضير له أكثر من عامين، تم تصميمه ليضاهي أضخم برامج المسابقات العالمية من حيث الإخراج، والإنتاج، والمحتوى، مع الحفاظ على روحانية القرآن وجلاله. وقد تم اختيار المخرج محمد عاطف لإخراج العمل، والدكتور عاصم عبد القادر رئيسًا لتحريره، ليخرج البرنامج في صورة تليق بجلال القرآن الكريم وتناسب تطلعات الشباب.
أهمية البرنامج بين الشباب
يمثل «دولة التلاوة» منصة ملهمة للشباب، حيث يفتح أمامهم آفاقًا جديدة للتميز في مجال التلاوة، ويمنحهم فرصة الظهور والتألق في ساحة ما دام ارتبطت بالوقار والسمو الروحي. فمع مشاركة أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف المحافظات، يؤكد البرنامج أن القرآن لا يزال حيًا في قلوب الشباب، وأنهم يتطلعون إلى حمل راية التلاوة بإتقان وجمال.
كما أن البرنامج لا يكتفي بتقييم الأداء الصوتي، بل يُعنى بتبسيط أحكام التلاوة، وتعليم الوقف والابتداء، والبسملة، مما يجعله مدرسة متكاملة لتأهيل جيل جديد من القراء، يجمع بين الأداء الفني والوعي العلمي.
و "دولة التلاوة" ليست مجرد مسابقة أو برنامج تقليدي لحفظ القرآن، بل رؤية شاملة تسعى إلى صناعة جيل قرآني معاصر، يتذوق جمال الترتيل، ويتأمل المعاني، ويتفاعل مع القيم العليا التي يحملها كتاب الله. وهي مبادرة تجمع بين الأصالة والتجديد، وتمنح الشباب منبرًا لإبراز مواهبهم الصوتية والدعوية، وتُعيد لمدارس التلاوة المصرية رونقها وريادتها.
تكمن أهمية البرنامج في أنه يعيد إحياء النموذج المصري المتميز في فن التلاوة، الذي كان لعقود مضت منارة للعالم الإسلامي، بأصوات أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والمنشاوي، والحصري، وغيرهم. ويحفّز الجيل الجديد على التأسي بهم، والعودة إلى القرآن كمصدر إلهام وسلوك.
كما يُعد البرنامج أداة فعالة لمواجهة تيارات التشدد والجمود الديني، من خلال تقديم التلاوة في إطار جمالي راقٍ، وروحي مؤثر، يُحبب الشباب في كتاب الله بعيدًا عن التنفير أو التعقيد.