رئيس التحرير
خالد مهران

محمد كمال يكتب: عملية سفنكس الأسرار الكاملة لضرب المفاعل النووي العراقي.. الحلقة الثالثة

محمد كمال
محمد كمال

كان لسفر سميرة الأثر المباشر في تقليص المسافات بين حليم وجاك وتقربهما لبعضهما، خاصة بعد أن عرض جاك على حليم أن يكون صحبته في إتمام صفقة تجارية عبارة عن جهة ما تعرض بيع مجموعة كبيرة من الحاويات المستعملة، وهو قادر على تصديرها إلى إحدى الدول الإفريقية، والتي يتخذ أهل هذه البلدة تلك الحاويات مساكن لهم بعد صناعة الأبواب والشبابيك فيها.


لم يعترض حليم على الفكرة، خاصة أن الموعد المحدد كان يصادف عطلة آخر الأسبوع.

في اليوم المحدد لمعاينة الحاويات، مرّ جاك على حليم بسيارته الفيراري، وقطعا المسافة وجاك يقود السيارة حتى وصلا إلى المكان الموجود فيه الحاويات.
هناك التقى جاك باثنين من الرجال كان دورهم هو دور الوسيط في تخليص الصفقة، وبعد أن عاين جاك مجموعة الحاويات قبل الصفقة، جلس يتفاوض على السعر مع الوسطاء.

أثناء ذلك تلاحظ لحليم أن هناك بعض الحاويات قد ضربها الصدأ في عدة جوانب، فقرر أن يلقي بملاحظته إلى جاك.
كان الأمر مرتبًا على هذا النحو من قبل بالفعل، وتركت المسألة للصدفة فقط...
هل سيتدخل حليم بعد أن يلاحظ الصدأ أم سيلتزم الصمت ويؤثر السكينة؟

كان هناك شخص مسئول في الخلية في باريس كان دوره قاصرًا فقط على دراسة شخصية حليم وردود أفعاله، وهو من وضع هذه الخطة، وكان لديه أمل بنسبة تتجاوز التسعين في المائة أن حليم سيتدخل ويخبر جاك.
الوحيد الذي اعترض على ذلك هو رئيس الخلية الباريسية، ولكنه نزلًا على رغبة المتخصص النفسي قبل التجربة.

وقد كان.
قام حليم من جلسة المفاوضات وطلب أن يكلم جاك على انفراد.
قام جاك وقد رسم على وجهه ملامح هي خليط من التأفف والدهشة لطلب حليم أن يقطع جلسة التفاوض في هذه اللحظة، وقد كان جاك اقترب من الانتهاء منها.
لكن سرعان ما تغيرت تلك الملامح إلى ابتسامة بعد أن أخبره حليم عن ملاحظته حول الحاويات.

شكره جاك وعاد إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى مستغلًا المعلومة التي ألقى بها إليه حليم جانبًا وتفاوض من جديد على السعر.
نتجت المفاوضات بحضور حليم أن فاز جاك بالصفقة وحصل على خصم ضخم في السعر بسبب تلك الملاحظة.

أنهى جاك الاتفاق وتفاصيله، وغادر هو وحليم، وقد اكتشف حليم عند العودة أن جاك قام بحجز غرفة له في الفندق، بل إنه جهز له عشاءً فاخرًا وسامر في المطعم الخاص بالفندق.
امتنّ حليم لذلك، والتقيا في مطعم الفندق لتناول العشاء، وأثناء ذلك أخرج جاك رزمة أوراق مالية فئة الخمسين دولارًا وقام بإعطائها إلى حليم وشكره على دوره في هذه الصفقة، وقال له: هذا جزء من نصيبك، فأنت وفرت عليّ الكثير من المال.

حاول حليم التظاهر بعدم القبول، والذي لم يدم طويلًا، وقبل المبلغ من جاك.
كان هذا في حد ذاته انتصارًا كبيرًا للخلية، فبذلك أصبحت العلاقة بين جاك وحليم ليست صداقة فقط وإنما صداقة يأتي من ورائها منافع ومكاسب مادية.

كان الترتيب للخطوة التالية دقيقًا هذه المرة ويحتاج إلى قدر عالٍ من دراسة الموقف وتجهيز حليم نفسه له بالشكل المطلوب.

ما بين لقاء العودة وتلقي حليم مبلغ الألف دولار وحتى اليوم المحدد لطلب جاك من حليم اصطحابه في الصفقة الثانية لم تخلُ الليالي من لقاءات بين جاك وحليم، ولكن كانت الليلة قبل الأخيرة من نهاية الأسبوع حينما طلب جاك من حليم أن يكون صحبته في الصفقة القادمة بعدما حجز في الفندق واصطحب معه ماري كلود تلك العاهرة التي تمتلك قدرًا غير عادي من الجمال والأنوثة.

جلس الثلاثة، وكان واضحًا استمتاع حليم بوجود العاهرة، وفجأة يحضر شخص غير معروف لحليم ليسلّم جاك تلكس يطالعه ويتركه على المنضدة ويقوم مسرعًا بعد أن استأذن حليم في المغادرة لأمر هام يخص أعماله، وقال له: اقضِ ليلتك كاملة، فأنا المسئول عن الحساب.

غادر جاك الفندق بعد أن ترك التلكس على المنضدة متعمدًا أن يكون تحت يد حليم ليتمكن من قراءته، وبالفعل طالع حليم التلكس وقرأ الرسالة، ولم تمنع مغادرة جاك أن يستكمل حليم ليلته مع ماري كلود.

في المساء، وبعد أن شرب ما يكفيهما، صعدت ماري مع حليم في الجناح الذي حجزه جاك، وكانت رجال الكاتاسا من الخلية قد قامت بما يلزم من تثبيت أجهزة التصوير عالية الجودة في الأماكن المحددة بشكل احترافي لا يمكن ملاحظته.

فتحت العاهرة الباب ودخلت وخلفها حليم مبهورًا بالجمال الفرنسي المخلوط بالعطر الباريسي المثير، وقضى ليلة ظلت عالقة في ذهنه لمدة كبيرة، ولكن بالطبع بمجرد أن أنهى حليم ليلته، بل وبمجرد أن غادر الفندق، كانت رجال الكاتسا تقوم بفك وإزالة الكاميرات والحصول على فيلم تفصيلي لليلة حمراء للعالِم العراقي يمكن ابتزازه به وقت اللزوم.

في منزل جاك المنعزل الراقد على الهضبة العالية كان هناك لقاء ثابت بين رئيس الخلية وجاك لتسليمه التقرير التفصيلي بما حدث وتبليغه بالطلبات الجديدة.

كانت التقارير تُرسل إلى الموساد في تل أبيب في شكل تقريرين منفصلين، بحيث إنه لو وصلت إحدى هذه التقارير ليد البعض لا يستطيع تفسير أو فهم مضمونها دون التقرير الثاني.
فكان التقرير الأول يقول مثلًا: (لقد تقابلت... انظر لاحقًا)، وهكذا كانت التقارير المرسلة لا تُرسل كاملة ولا تُرسل متتالية مع بعضها، وكل تقرير يحمل رقمًا سريًا يتصل برقم التقرير المكمل له.

أثناء فترة غياب سميرة عن باريس غيّر حليم روتين حياته تمامًا، فكان كثيرًا ما يتناول الطعام في المطاعم، والتنزه في الشوارع، ومشاهدة الأفلام السينمائية.

بعد يومين من الليلة الحمراء التي قضاها حليم مع العاهرة، اتصل جاك بحليم يطلب منه أن يأخذا كوبًا من القهوة سويًا.
لبّى حليم الطلب عن طيب خاطر، ولكن أزعجته ملامح جاك التي بان عليها القلق والحيرة، فسأله حليم عن سبب ذلك.

بعد الألف دولار وليلة العاهرة فإن ذوبان الثلج فيما بين حليم وجاك هو النتيجة الحتمية في هذه العلاقة، فأصبح حليم مطمئنًا تمامًا لعلاقته بجاك، وهنا أجابه جاك أن لديه صفقة جديدة ويشعر أنه تورط فيها لأنه كتب العقد مع الشركة الألمانية بالفعل.

بدا على حليم شيء من الانزعاج لصديقه، ولكنه طلب منه شيئًا من التفاصيل عله يستطيع مساعدته.
أخبره جاك أنه استطاع الحصول على عقد عمل من الشركة الألمانية بخصوص أنابيب للهواء المضغوط لشحن مواد راديوأكتيف للاستعمال الطبي.

وأخبره أن تلك الصفقة فيها كثير من المال، ولكن ينقصه التقنية التكنيكية، فلا خبرة له في هذا المجال، خاصة وأنهم حددوا له موعدًا مع خبير إنجليزي لفحص هذه الأنابيب، ولكن أعرب جاك عن قلقه من جانب هذا الرجل الإنجليزي بخلاف أنه يطلب مبلغًا باهظًا، واستنكر جاك وجوده في الصفقة بالشكل المفروض عليه، ويعبر عن استشعاره القلق من جانبه بأنه يبدو عليه أن هناك اتفاقًا ما بينه وبين الشركة الألمانية.

ابتسم حليم وقال لجاك:
– لربما يمكنني مساعدتك في ذلك.
شكره جاك وأجابه: لكن أنا أحتاج إلى من هو متخصص،
أنا أحتاج إلى خبير أثق به لفحص هذه الأنابيب.

أطلق بعدها حليم الطلقة التي كان ينتظرها جاك والفريق كاملًا وقال:
– أنا خبير في ذلك.

رسم جاك ملامح الدهشة على وجهه وقال:
– كيف ذلك؟!!! لقد ظننتك تلميذًا جئت تتلقى العلم كما قلت لي.

كانت الطلقة الثانية أشد من سابقتها الأولى، فأجاب حليم بسلامة نية مفرطة:
– لقد وجب عليّ أن أقول ذلك، إنما في الحقيقة أنا عالم عراقي أرسلت في مهمة لمشروع خاص،
أنا متأكد أنني باستطاعتي مساعدتك في ذلك.