من فيديوهات عابرة إلى قضايا كبرى..
كيف تحولت السوشيال ميديا إلى عين ترصد الجريمة والداخلية تلاحقها؟

باتت مواقع التواصل الاجتماعى خلال السنوات الأخيرة مرآة تعكس جانبًا من الجرائم والمخالفات التى تقع فى الشارع المصرى، فمن خلالها تنتشر المقاطع المصورة التى توثق حوادث عنف، أو مشاهد لجرائم سرقة أو اعتداء، أو حتى تصرفات غير مسئولة تهدد حياة المواطنين.
ومع تزايد اعتماد الجمهور على هذه المقاطع كمصدر رئيسى للمعلومات، تولت وزارة الداخلية مهمة ملاحقة ما يُبث عبر تلك المنصات، من خلال الفحص والتحقق وكشف الملابسات أمام الرأى العام، بما يضمن إظهار الحقيقة كاملة وقطع الطريق على الشائعات.
القليوبية: ترويج مخدرات بملايين الجنيهات يسقط عبر مقطع قصير
فى القليوبية، تداول مقطع فيديو يظهر فيه شخصان يروجان للمواد المخدرة، وهو ما أثار حالة من الجدل حول هوية المتورطين. وبالفحص السريع تمكن قطاع مكافحة المخدرات والأسلحة والذخائر غير المرخصة من تحديد وضبط المتهمين، اللذين تبين أنهما مقيمان بدائرة قسم شرطة الساحل بالقاهرة.
عملية الضبط أسفرت عن العثور بحوزتهما على خمسة كيلو جرامات من مخدر الهيدرو، وكجم من البودر "الحشيش الاصطناعى"، إضافة إلى كميات من الحشيش والأقراص المخدرة وسلاحين أبيضين، لتصل القيمة التقديرية للمضبوطات إلى ما يقارب ثلاثة ملايين جنيه، وهو ما يعكس خطورة نشاطهما الإجرامى الذى انكشف بفضل تداول مقطع لا تتجاوز مدته دقائق.
الإسكندرية – ثان الرمل: كلاب وسلاح أبيض يحولان مشادة إلى جريمة
وبينما انشغل البعض بمقطع آخر من الإسكندرية، أظهر شابين أحدهما يحمل سلاحًا أبيض وبرفقتهما كلبان يعتديان على مواطن فى الشارع، كانت الأجهزة الأمنية قد بدأت بالفعل التحقيق فى الواقعة. تبين بالفحص أن الحادث وقع بدائرة قسم شرطة ثان الرمل يوم 12 أغسطس الجارى، وأن المجنى عليه أصيب بجرح قطعى فى اليد بالإضافة إلى "عقر كلب"، بعدما نشبت مشادة كلامية بينه وبين المتهمين بسبب نباح الكلاب، تطورت إلى اعتداء مباشر بسلاح أبيض وإطلاق الكلبين نحوه. ورغم عدم وجود بلاغ رسمى قبل انتشار الفيديو، إلا أن سرعة التحرك الأمنى أفضت إلى تحديد وضبط الجناة.
محرم بك: "توك توك" عكس الاتجاه ينتهى بالضبط والتحفظ
لم يتوقف الأمر عند جرائم الاعتداء أو الاتجار، بل امتد إلى مخالفات مرورية جسيمة، كما ظهر فى مقطع متداول لقائد "توك توك" يسير عكس الاتجاه بمنطقة محرم بك، معرضًا نفسه والآخرين للخطر. التحقيقات قادت إلى ضبط السائق، الذى تبين أن له معلومات جنائية، وبمواجهته اعترف بأنه لجأ إلى تلك المخالفة بهدف اختصار الطريق، غير أن الداخلية اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة وتم التحفظ على المركبة.
سيدي جابر: عصي خشبية تشعل مشاجرة بين مالك محل وبائع متجول
وفى مشهد آخر من شوارع الإسكندرية، تداول رواد مواقع التواصل فيديو لمشاجرة بعصى خشبية بين شخصين بدائرة قسم شرطة سيدى جابر. وبالتحرى اتضح أن طرفها الأول مالك محل، بينما الطرف الثانى بائع متجول جاء من دمنهور بالبحيرة، وأن الخلاف نشب بسبب اعتراض الأول على قيام الثانى بافتراش الطريق أمام متجره، ليتطور الموقف إلى اشتباك بالأيدى والعصى الخشبية. الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبط الطرفين ومعهما أدوات المشاجرة، وأقرا بارتكاب الواقعة.
المنتزة أول: استعراض بالميكروباصات فى زفة يتحول إلى محضر رسمى
ولم تخلُ الساحة أيضًا من مشاهد استعراضية، إذ ظهر فى أحد المقاطع ثلاثة سائقى سيارات ميكروباص يؤدون حركات خطرة بدائرة قسم شرطة أول المنتزة، معطلين حركة المرور ومعرضين حياة المارة للخطر.
وبالفحص تبين أن الأمر كان جزءًا من احتفال بزفاف أحد أصدقائهم، غير أن ذلك لم يشفع لهم، إذ تم ضبط السائقين الثلاثة والتحفظ على سياراتهم، واعترفوا بارتكابهم الواقعة.
الجيزة: سارق الأحذية فى قبضة الأمن بعد فضح صورته على السوشيال
أما فى الجيزة، فقد انتشر منشور مصحوب بفيديو يتحدث عن قيام شخص بسرقة أحذية المصلين من داخل مسجد.
وبالبحث تبين أن مرتكب الواقعة عاطل مقيم بدائرة قسم شرطة حدائق القبة بالقاهرة وله معلومات جنائية سابقة، حيث اعترف بسرقة الأحذية وبيعها لعاطل آخر مقيم بالجيزة.
تم ضبط الأخير وبحوزته المسروقات، لتغلق الداخلية ملف الواقعة التى أثارت استياء واسعًا بين المواطنين.
الداخلية بين ملاحقة الميدان ورصد الفضاء الإلكترونى
هذه الوقائع مجتمعة تعكس مشهدًا متكررًا بات يفرض نفسه يومًا بعد يوم: مقطع فيديو قصير ينتشر على منصات التواصل، يتلقفه الجمهور بقدر من الفضول وربما الغضب، وفى غضون ساعات تخرج وزارة الداخلية ببيان رسمى يكشف تفاصيل الحادث، ويحدد الأطراف المتورطة، ويعلن عن نتائج التحريات والإجراءات القانونية.
وبذلك لا تقتصر الجهود الأمنية على الميدان التقليدى وحده، بل تمتد إلى الفضاء الإلكترونى حيث تتشكل الروايات وتُبنى الانطباعات.
ورغم أن هذه المقاطع قد تكون أحيانًا مثيرة للشائعات أو المبالغة، فإنها فى أحيان أخرى تكشف عن جرائم خطيرة لم يكن من السهل الوصول إلى مرتكبيها لولا تداولها.
وهكذا تظل مواقع التواصل سلاحًا ذا حدين: مصدرًا للفوضى والمعلومات غير الدقيقة، لكنها فى الوقت نفسه قناة تسهم فى كشف الحقيقة إذا ما جرى التعامل معها بمهنية وتحقيق وتحليل.
وبين هذا وذاك، يظل الدور الأهم هو ما تقوم به أجهزة الداخلية من سرعة التحرك، وربط ما يتداول عبر الإنترنت بالتحريات على أرض الواقع، لإثبات أن القانون حاضر وأن أى جريمة، مهما بدت عابرة أو بسيطة فى مقطع فيديو، ستجد من يحاسب مرتكبها.