رئيس التحرير
خالد مهران

مدير عام تحرير «الأهرام» سابقاً يواصل حديثه لـ«النبأ» عن أزمات الملف الصحفي بمصر

الكاتب عبد الله عبد السلام: تغيير «القيادات» لن يحل أزمات المؤسسات القومية.. وأؤيد تشكيل «لجنة» تفتح حوارًا مع السلطة عن «الحريات الصحفية» (2 - 2)

الكاتب الصحفي عبد
الكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام

على الرغم من إجراء هذا «الحوار» قبل يومين كاملين من لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية، فإنَّ كثيرًا من أجزاء الحوار الذي نُشر الجزء الأول منه أمس، تتماس مع الدعوة التي أطلقها الرئيس السيسي بضرورة إجراء إصلاحاتٍ في الملف الإعلامي والصحفي، داعيًا إلى احتضان الإعلام لكل الآراء، وتدريب الكوادر الصحفية، والاعتماد على الكفاءات، ومواكبة التطورات العالمية في صناعة الإعلام، وترسيخ مبدأ الرأي والرأي الآخر باعتباره جزءًا أساسيًا من العمل الإعلامي.

وفي الجزء الثاني من الحوار، يتحدث الكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام، مدير عام تحرير صحيفة «الأهرام» سابقًا، عن رأيه في دعوةٍ ظهرت منذ أسابيع في الوسط الصحفي تتعلقُ بضرورة تشكيل «لجنةٍ» تضم في عضويتها النقيب السابق ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات وأخرين من الأسماء الصحفية لمساعدة مجلس النقابة في إنجاز بعض الملفات. 

موضحًا أنَّ تلك «اللجنة» قد تكون «همزة الوصل» بين النقابة والوسط الصحفي عمومًا والسلطة، لنقل ما تراه مهمًا لإصلاح الملف الصحفي. 

كما تحدث «عبد السلام» عن ضرورة عودة «هامش الحريات» والاعتماد على الكفاءات حتى تكون الصحافة المصرية «تنافسيةً»، وقادرةً على تحقيق «حضورٍ وتأثيرٍ» فيما يخص تناول القضايا السياسية العالمية، فضلًا عن تغيير المناخ الصحفي فيما يخص «الحريات» لإحداث تطورٍ وتنافسيةٍ في المؤسسات الصحفية القومية.

وفي حديثه أيضًا، وضع الكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام تصورًا لرؤيته حول المواقع الإليكترونية الصالحة للحصول على ترخيص بالعمل الرسمي من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة المهندس خالد عبد العزيز، مرجعًا أهمية العمل بتلك الرؤية لمواجهة «الانفلات» في تدشين مواقع ومنصات خبرية لا هوية لها ولا تحقق تأثيرًا أو حضورًا صحفيًا، محذرًا من أنَّ تلك «المنصات الإليكترونية» قد تسبب في أزمةٍ للملف الصحفي مستقبلًا، وإلى نص الحوار بالتفصيل.

هل تؤيد الاستعانة بـ«لجنة» من مشاهير وكبار الصحفيين لمساعدة «النقيب» ومجلسه في التواصل مع «السلطة» وإنجاز بعض الملفات المرتبطة بالزملاء مثل الخدمات أو حتى تقديم رؤيةٍ لتطوير العمل الإعلامي؟

نعم.. ليست هناك مشكلة أن تُشكل النقابة «لجنةً» برئاسة النقيب خالد البلشي وبمشاركة أعضاء المجلس و«نقباء سابقين» وشخصيات صحفية مثل النقيب السابق ضياء رشوان، لتحقيق ما من شأنه مصلحة هذا الكيان، ولا أرى أن هناك عيبًا أو مشكلةً من تشكيل تلك اللجنة، ولا تعني أنَّ «البلشي» وأعضاء مجلسه «فاشلون أو عاجزون» عن التواصل مع السلطة وتقديم الحلول، هذه فكرةٌ غير صحيحةٍ على الإطلاق.

«النقيب» من حقه أنَّ يختار مَنْ يراه يحقق مصلحة «النقابة» من الشخصيات الصحفية و«النقباء السابقين» الذين لهم تعاملات وعلاقات مع الدولة؛ هؤلاء هم «القوة الناعمة» لهذا الكيان، ويستطيعون المساهمة في ملفاتٍ كثيرةٍ، ولا عيب ولا مشكلة في مشاركتهم بلجنةٍ ما؛ في النهاية هم أبناء نقابة الصحفيين… أما الترويج لغير ذلك فهو «يشقُ» الصف الصحفي.

في فترةٍ زمنيةٍ لا تتجاوز «أسبوعين»، منح المجلس الأعلى لــ«تنظيم الإعلام» برئاسة المهندس خالد عبد العزيز تراخيص لـ«27» موقعًا إليكترونيًا وتطبيقًا، فضلًا عن مئات التراخيص التي صدرت في الأعوام الماضية.. هل هناك «تساهل» في منح تلك «التراخيص» لتلك «المنصات» وكيف ترى «طوفان» المواقع الإلكترونية التي تعمل في مصر الآن؟

نقابة الصحفيين تُحاول طوال الأعوام الماضية حل مشكلة «الصحف» التي لا تعمل بطريقةٍ مؤسسيةٍ، وتوظف زملاء وتٌلحقهم بالنقابة، ثم بعد فترةٍ تتوقف عن العمل وتفصل محرريها، أخشى أن يتكرر هذا المشهد في المواقع الإليكترونية خاصةً تلك التي ليس لها «هُوية مميزة»، هذه «المنصات الإلكترونية» لو تعرضت لمصير الصحف المتوقفة، سيمثل ذلك مشكلةً لمصر وليس للنقابة فقط.

القضية ليست في كثرة عدد المواقع الصحفية الإليكترونية، تلك المواقع تُذكرنا بعشرات الأحزاب المصرية الموجودة الآن على الساحة السياسية، لكن فعليًا لا تتذكر إلا «كام» حزب؛ لدينا مواقع إليكترونية كثيرة، لكن ليس لها «تأثير أو حضور صحفي» ويديرها عددٌ قليلٌ من المحررين.

أخشى أن يتكرر المشهد الخاص بتدشين مجموعة من الناس «صحيفةً» للاستفادة منها في «سبوبةٍ» كنوعٍ من الاستغلال، أخشى أن تنتقل تلك «السبوبة» لتدشين المواقع الصحفية الإلكترونية.

أفهم من هذا الحديث أنك تعارض منح الترخيص الرسمي لمواقع إليكترونية تعمل الآن في السوق الصحفية المصرية؟

لا يمكن بصفتي «صحفيًا» أن أرفض تدشين «مواقع إليكترونية جديدة» أو اعتمادها من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة المهندس خالد عبد العزيز، ولكننا نفكر في المستقبل، ماذا سيحدث إذا فكرت أو قررت نقابة الصحفيين أن تستوعب المحررين العاملين في تلك «المنصات الإليكترونية» سواء بصفتهم «منتسبين» أو في الجداول العادية إذا تغير قانون النقابة ثم أُغلقت تلك المواقع الإليكترونية؟ أَلنْ نعاني من المشكلة ذاتها التي ضربت الصحف المتوقفة ومحرريها لا يجدون عملًا؟ الأزمة أنَّ مشكلة المواقع الإليكترونية ستكون أكبر حجمًا من مشكلة الصحف بعشرات المرات.

إذا رفض أو تشدد «الأعلى للإعلام» في التراخيص سيتردد أنه يُضيِّق على تدشين وإطلاق مواقع جديدة.. إذًا ماذا سيفعل «المجلس» لمزيدٍ من ضبط هذا المشهد الصحفي؟

المفروض أن تكون هناك إجراءاتٌ جديدةٌ قبل منح «الموقع الإلكتروني» الترخيص الرسمي بالعمل؛ الإجراءات الشكلية الخاصة بالمتطلبات القانونية مثل معرفة مصدر التمويل والمقر والمالك والهُوية ليست كافيةً للحكم على جدية «المنصة»؛ بل يجب تشكيل «لجنة» تضم كبار الصحفيين من قبل المجلس الأعلى لـ«تنظيمِ الإعلام» وبالتعاون مع نقابة الصحفيين ومجلسها، للتأكد من أنَّ تلك المواقع الإليكترونية تقدم «صحافةً حقيقيةً» وهل لها «حضور وتأثير أم لا؟».. ومعرفة معدل زيارات القراء التي يحققها «الموقع الإليكتروني» مثلما كان قديمًا في «معرفة نسبة توزيع الصحف»، على أن تكون تلك «اللجنة» هي التي تُقرر أو تُوصي بالموافقة على منح الترخيص لهذا الموقع. 

أتوقع أن نعاني من مشكلة توقف المواقع الإليكترونية على طريقة الصحف التي اختفت من السوق الصحفية، لأنَّ تلك المواقع تُنفقُ مبالغ مالية، ماذا إذا لم تحقق تلك مكاسب ماليةً؟، اللجنة التي أقترحتُها قد تساعد نقابة الصحفيين فيما بعد إذا قررت المواقة على «انتساب» محرري المواقع الإليكترونية التي تعمل بطريقةٍ صحيحةٍ.

ما أقصده أن المقترح الخاص بـ«اللجنة» ليس تشددًا مع المواقع الإلكترونية، ولكن نوعٌ من التأكد أو تحقيق الضمانات الصحفية، لأن هذا الموقع يتعلق بمستقبل ناس، لا بد من التأكد أن هذا الموقع «قابل للحياة» و«التطور» والتحول إلى مؤسسةٍ صحفيةٍ كبيرةٍ «تعيش».. كل هذا في النهاية يخدم الزملاء والقائمين على تلك المنصة الإليكترونية.

بمناسبة الحديث عن «المنتسبين».. هل تؤيد فكرة ضم صحفيي المواقع الإليكترونية إلى نقابة الصحفيين؟

كنتُ من أنصار هذا الاتجاه لكنه يحتاج إلى تغييرٍ في قانون النقابة، وهنا تظهر تخوفات نقابة الصحفيين في ظل البرلمانات الحالية، من الممكن أنَّ النقابة يُفرض عليها أمورٌ لا تريدها الآن، المسألة ليس وقتها حاليًا… لكن هذا ليس معناه أن نُغلق الباب تمامًا؛ فمن الممكن أن نُفعِّل لهؤلاء عضوية «المنتسبين»؛ لا بدَّ من الاعتراف أن النقابة هي المظلة الوحيدة للصحفيين.

ونقطةٌ ثانيةٌ تتعلق بأنَّ «الصحف» من الممكن أن تكون ليست موجودةً في المستقبل، وبالتالي يجب مدّ الجسور مع المواقع الإليكترونية الموجودة بشرط أن تحقق «الضمانات المطلوبة» التي تفيد أنَّ تلك المنصة الإليكترونية قابلةٌ للحياة والتطور والتحول المؤسسي بمعنى: «مش أي صحفي تقبله انتساب».

وفي قصة «الانتساب» لا أرى أنَّ المشكلة في رفض جزءٍ من أعضاء مجلس النقابة، ولكن المعارضين لهذا الاتجاه نسبةٌ معينةٌ من الصحفيين الذين جاؤوا من صحفٍ ورقيةٍ ويعارضون انضمام محرري المواقع الإليكترونية. 

أناشدهم.. تطور الصحافة والواقع يفترضان أن نمنح هؤلاء عضوية «انتساب» لنقابة الصحفيين؛ لا يصح أن تكون النقابة «منغلقةً» على ذاتها ولا تتابع التطورات التكنولوجية ومتغيرات المهنة، هنا ترتكب خطأ كبيرًا.. هناك مواقع إلكترونية بها زملاء متميزون.

وسط كل تلك الإشكاليات، وتعدد الوسائط الورقية والإليكترونية، هل ترى أنَّ الصحافة المصرية حققت «تأثيرًا وحضورًا» في الأزمات السياسية التي تضرب الوطن العربي مثل الحرب على غزة؟

يؤسفني أن أقول: حضور الصحافة المصرية في تلك القضايا السياسية الكبرى «خافتٌ» جدا ويكاد يكون «منعدمًا»؛ لا يوجد مراسل مصري في غزة، التغطية كلها تعتمد على «وكالات الأنباء»، لا يوجد صحفي ذهب إلى غزة لإجراء «معايشات»، لا «انفراد» نُشر لدينا فيما يخص أحداث غزة، إلا بعض الموضوعات القليلة الخاصة بالدور المصري. 

خبريًا، الصحافة المصرية تحولت إلى «مُتلقٍ»، أما من حيث «الرصد والتحليل» وما ينتظرنا في المستقبل، فما يُقدَّم في الصحافة المصرية «متواضع» جدًا قياسًا إلى ما تنشره الصحافة العالمية والعربية؛ هناك صحفٌ عربيةٌ تقدم خدمةً ممتازةً وسبقتنا في تغطية تلك الأحداث؛ الأهم أنَّ اهتمامنا بتلك القضايا في الصحافة لا يعكس تأثيرها على مصر ودورها.. في قضايا غزة وسوريا والسودان وليبيا: أين الصحافة المصرية منها؟

هذا التراجع في تغطية تلك القضايا السياسية المهمة وعدم تحقيق «حضورٍ وتأثيرٍ» فيها تسبب في توقف «إعلاناتٍ» كانت تأتي من خارج مصر، نحن نبتعدُ رويدًا عن «التأثير» وعن «الدور»، ويمكن القول أن جزءًا من تلك الأزمة له عوامل سياسية، فضلًا عن عوامل اقتصادية تتعلق بمحدودية الإمكانيات المالية للمؤسسات الصحفية.. لا بدَّ أن نعترف بذلك.

بمناسبة حديثك عن محدودية الإمكانيات المالية للمؤسسات الصحفية.. كيف ترى المطالبات التي تظهر بين حين وآخر بضرورة أن تتدخل الدولة لدعم المنصات الصحفية الخاصة والحزبية مثلما تدعم الدولة مؤسساتها الصحفية القومية؟

هذه رؤيةٌ غير واقعيةٍ؛ الدولة تعاني من دعمها للمؤسسات الصحفية القومية، وقيادات تلك المؤسسات يبذلون جهودًا لتقليل الاعتماد على الدولة في عملها، الدولة نفسها تخفف من تلك الأعباء الاقتصادية، إذن كيف نطالبها بدعم مئات المؤسسات الصحفية القائمة حاليًا؟ والسؤال: مَنْ ستدعم الدولة وعلى أي أساسٍ؟

الأفضل أن نعمل ونطالب بتغيير المناخ الذي تعانيه «الصحافة» بحيث تمارس دورها وتغطيتها دون «منغصاتٍ»؛ حصر أزمة المهنة كلها في المسألة المالية «صعبٌ»، «هامش الحرية» يحتاج أن يرتفع، الصحافة المصرية كلها وطنيةٌ، هذه المهنة لا تعيش إلا بعد أن تتنفس حرية.

و«اللجنة» التي سبق أن أشرت إلى إمكانية تشكيلها من الصحفيين برئاسة النقيب خالد البلشي، لا يجب أن تكون مهمتها المطالبة فقط بتحقيق الخدمات للأعضاء، ولكن من الممكن أن تفتح حوارًا مع السلطة حول الحريات الصحفية.

أشرتَ في إحدى مقالاتك إلى أنَّ الصحافة تعيش بـ«المنافسة» وضربت مثالًا بالصحف في بريطانيا وأمريكا.. هل ترى أن هناك «منافسةً» بين الصحف المصرية؟

لا توجد «منافسة» في الصحافة المصرية؛ لا منافسة على مستوى «التحرير» ولا على أي المستويات، تقريبًا المحتوى «متشابه» جدا، المنافسة تفترض أن يوجد «اختلاف شديد» في التناول، قديمًا «الأهرام» كانت تقدم محتوى محافظًا، «أخبار اليوم» تقدم محتوى شعبويًا، في أيامنا هذه، «الحدود» دخلت في بعضها البعض، وتشعر أنَّ الناس تقريبًا متضامنةٌ مع بعضها بسبب الأزمات التي تعصف بمهنة الصحافة، هذا من الممكن أن ينفع في أي حاجة إلا الصحافة التي تعيش على «المنافسة».

كيف تحقق الصحيفة أو الموقع الإليكتروني «تنافسًا» حتى لا يتهمنا البعض بالحديث عن العيوب فقد دون طرح حلول؟

المنافسة لها شروط؛ أولها أنَّ الوسيلة الإعلامية سواء كانت صحيفةً أو موقعًا إليكترونيًا لا بدَّ أن تصنع صحافتها الخاصة، أن يكون لها «طبختها وأسلوبها» الخاص، بدلًا من الاعتماد على الوكالات في الشئون الخارجية، أو على البيانات الرسمية و«أ ش أ» في معظم الجوانب المحلية، العامل الثاني في المنافسة: أين الحوارات المتميزة وأين التحقيقات الاستقصائية المختلفة؟، خاصة في ظل اختفاء «الانفرادات» بسبب الوسائل التكنولوجية الحديثة فضلًا عن العوامل السياسية.

هل تغيير «القيادات الصحفية» في المؤسسات الصحفية القومية من الممكن أن يُحدث فرقًا في تطورها وتنافسيتِها؟

عشت وشاهدتُ تغييراتٍ صحفيةً كثيرةً، تلك التغييرات لم تُحدِّث شيئًا تقريبًا، أتحدثُ عن المؤسسات الصحفية القومية؛ القضية ليست في الأشخاص.. إذا استعنت بـ«هيكل» في هذا المناخ فلن يُحدث تغييرًا أو فرقًا، نحتاجُ إلى تغييرٍ في آلية العمل و«الكوادر» والإمكانيات، الصحافة الجيدة تحتاج إلى إمكانياتٍ جيدة، فضلًا عن «هامش الحريات».

قلت إن من المخاطر التي تواجه المهنة «زعزعة ثقة الصحفي في نفسه» وسط تلك الأجواء.. ماذا سيفعل الصحفي لاستعادة تلك الثقة واستعادة دوره بين كل تلك التقلبات والأزمات؟

الصحافة المصرية تمر بمرحلةٍ مفصليةٍ؛ الجرائد الورقية لا تعرف هل تستمر أم لا؟ المواقع الإليكترونية لا تعرف هل ستحقق دخلًا ماليًا يمكنها من العمل والبقاء وبالتالي الاستمرار.. أم لا؟ هذا وضعٌ عالميٌ وليس مصريًا فقط.. هناك نوعٌ من حالة عدم الثقة موجودة بشكلٍ عامٍ.

يجب اتخاذ إجراءاتٍ ولو «طفيفة» لبث الثقة في الناس، الصحفي عندما يشعر أنَّ المهنة غير مؤثرةٍ في الناس والمجتمع سيسأل نفسه: «إذًا ما دوري؟»، تحتاج السلطة القائمة الآن أن تُدرك أنَّ «الصحافة» لها دور وأن تتيح لها فرصة ممارسة هذا الدور.. فالمهنة لم تعد جزءًا من حركة المجتمع الآن، هذا خطر على الجميع.

وسط تلك الأجواء، من المهم أن يعمل «الصحفي» على نفسه، وأن تعمل المؤسسات على محرريها وأبنائها، أن تحدث «عملية مقاومة» حتى ننجو من الغرق؛ لو لم نفعل ذلك، الحالة لن تكون مجرد «عدم ثقة» فقط ولكن «حالة موات».

بخبراتك الطويلة في المهنة.. مَنْ هو الذي يستحق لقب «الصحفي»؟

أولى تلك المواصفات أن يشعر الزميلُ بجد أنه «صحفي»، قابلت كثيرين يعتبرون الصحافة «وظيفةً»؛ مجرد «مصدر رزقٍ» إذا لم يجد عملًا في مجالٍ ثانٍ، هذه النظرة الخاطئة تقتل الرغبة في حب الاستطلاع والتجريب و«الشغف»، هذا ليس مجرد كلام نظري؛ الآن نرى في الصحافة المصرية «مندوبين» لا يذهبون إلى مصادرهم.

العامل الثاني أن يمتلك «الزميل» أدواته اللغوية في الكتابة وليس الاعتماد كليًّا على «الديسك» و«المدقق»، ثالثًا لا بدَّ من الإدراك أنَّ مهنة الصحافة مسيرة تصاعدية لا تقفُ عند مرحلةٍ مهنيةٍ واحدةٍ؛ قديمًا كانوا يعلموننا أنَّ الزميل سيبدأ «مندوبًا» مثلًا في الشئون العربية، ومع الوقت سيتحول إلى «محلل» أو «خبير».. هذا غير موجود الآن.

إتقانُ اللغات صار أمرًا ضروريًا، عندما كنتُ أدخل على الكاتب الصحفي الكبير سلامة أحمد سلامة (1932 - 11 يوليو 2012) كنت أجدُ صحفًا إنجليزيةً وفرنسيةً وألمانيةً.. أما نحنُ فصرنا «محليين» ليس في صحافتنا فقط، بل في تفكيرنا ونظرتنا إلى العالم.. العلاقة مع «التكنولوجيا» صارت ضروريةً أيضًا، والتكنولوجيا «ثقافة» وليست وسيلةً تساعد في العمل.

فيما يخصُ التغييرات المرتقبة على «لائحة القيد» بنقابة الصحفيين.. هل لديك «بنود» ترى أهمية إضافتها أو النظر إليها عند إجراء تلك «التعديلات»؟

رؤيتي أنَّ متطلبات «القيد» في نقابة الصحفيين يجب أن تكون «واضحةً» منذ البداية؛ ومن المهم عدم الاعتماد على «الإجراءات الشكلية» المعروفة مثل «عقد التعيين» «وبرنت التأمينات» و«جواب القيد» وغيرها من المتطلبات الرسمية، النقابة يجب أن تتعامل بشدةٍ مع «النوافذ» التي تحولت إلى «سبوبة في التعيين» مقابل المال، على أن يتم ذلك بعيدًا عن الحسابات الانتخابية لأعضاء مجلس النقابة، يجب أن نعرف أننا نتعامل مع مستقبل «مهنة»؛ مطلوب وقفة حاسمة خاصة أنَّ هناك أُناسًا لا علاقة لهم بالمهنة «تسربوا» إلى النقابة.

في رأيي أيضًا، أنَّ نقابة الصحفيين لا يجب أن ينتهي دورها عند «قيد» المحرر في جداولها؛ ولا يتم التعامل مع «القيد» على أنه نهاية العالم، ولكن بعد «القيد» مطلوب تستمر الرحلة ويستمر التواصل من خلال «التدريب» الذي لم يعد «رفاهيةً»، وأن يكون تلقيّ «دوراتٍ» كل عامٍ والنجاح فيها شرطًا للاستمرار في الجداول، وأن تعمل النقابة على إقناع المؤسسات الصحفية بأهمية «التدريب»، إضافةً إلى توافر صفاتٍ سابقةٍ ذكرناها فيمَنْ يستحق لقب «صحفي».

أما «لجان القيد» فتحتاجُ إلى تغييرٍ في آلية عملها بحيث تتيح فرصةً حقيقيةً لمعرفة قدرات الصحفي، ومقدار مساهمته في «شغله أو أرشيفه»، إتاحة الوقت الكافي لأعضاء اللجان لمناقشة المحرر المتقدم «للقيد» على طريقة «لجان التحكيم»، واستدعاء المحرر أكثر من مرةٍ.