رئيس التحرير
خالد مهران

المستشار وليد عز الدين يكتب: تنفيذ الاحكام الاجنبية فى القانون المصرى

المستشار وليد عز
المستشار وليد عز الدين

يُعد تنفيذ الأحكام الأجنبية إحدى أبرز الإشكاليات القانونية في ظل تزايد الروابط القانونية عبر الحدود؛ وتنامي حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الدول؛ فالحكم القضائي وإن اكتسب قوته من السيادة الوطنية للدولة الصادر منها، إلا أن فاعليته لا تكتمل إلا بإمكانية تنفيذه في الخارج، لا سيما في دولة المدين أو الدولة محل الالتزام.

وتأتي أهمية هذه المسألة من كونها تقع عند نقطة الالتقاء بين القانون الداخلي للدولة والقانون الدولي الخاص؛ إذ تُمثل ترجمة حقيقية لمبدأ التعاون الدولي؛ وتضع على المحك قدرة النظم القانونية على تحقيق التوازن بين احترام السيادة الوطنية وبين الاعتراف بالأحكام الأجنبية ذات الحُجية.

ومن أبرز المرجعيات الدولية في موضوع تنفيذ الأحكام الأجنبية تأتي اتفاقية لاهاي الخاصة بالاعتراف بالأحكام الأجنبية وتنفيذها في المواد المدنية والتجارية والتي عُرضت عام 1971 ضمن مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص.

المبادئ العامة في اتفاقية لاهاي 1971

.. تنص الاتفاقية على التزام الدول الأطراف بالاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية الصادرة من محاكم الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية بشرط توافر ضمانات أساسية أبرزها:

اختصاص المحكمة الأجنبية وفقًا لقواعد معترف بها دوليًا.

ألا يكون الحكم مخالفًا للنظام العام للدولة المطلوب تنفيذ الحكم فيها.

عدم وجود تناقض مع حكم سابق في نفس النزاع بين نفس الأطراف.

وفي تطور لاحق تبنى مؤتمر لاهاي اتفاقية جديدة عام 2019 وهي أكثر شمولًا وحداثة وتهدف إلى إنشاء نظام عالمي للاعتراف بالأحكام الأجنبية شبيه بنظام اتفاقية نيويورك في مجال التحكيم الدولي.

.. هذا ولم تنضم جمهورية مصر العربية إلى هذه الاتفاقية حتى الآن.

تعريف الحكم الأجنبي

يُعرف الحكم الأجنبي بأنه القرار القضائي الصادر عن جهة قضائية تابعة لدولة أجنبية يفصل في نزاع قضائي وفقًا لقواعد تلك الدولة، ويُطلب أحد أطرافه تنفيذه داخل إقليم دولة أخرى غير التي صدر فيها.
ويجب أن يكون الحكم القضائي الأجنبي صادرًا عن قضاء دولة غير الدولة التي يُطلب فيها التنفيذ ويمس حقوقًا خاصة أو التزامات قانونية داخل نطاق الدولة المطلوب تنفيذ الحكم فيها.

وتنص المادة الأولى من اتفاقية لاهاي على أن المقصود بالحكم هو: كل قرار يصدر عن سلطة قضائية في دولة متعاقدة ويفصل في منازعة مدنية أو تجارية ويكون قابلًا للتنفيذ أو يترتب عليه أثر قانوني في الدولة التي صدر فيها، ولا يشمل ذلك الإجراءات التحفظية أو الوقتية.

إلا إذا نصت الاتفاقية صراحة على ذلك.

شروط تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر

نصت المادة (296) من قانون المرافعات المصري على الآتي:

الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام والأوامر المصرية فيه.

.. ولا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يلي:

أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر، وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقًا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها.

أن الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم قد كُلّفوا بالحضور ومُثّلوا تمثيلًا صحيحًا.

أن الحكم أو الأمر لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من محاكم الجمهورية، ولا يتضمن ما يخالف النظام العام أو الآداب.

.. ويجب ألا يخل العمل بالقواعد المشار إليها بأحكام المعاهدات المعقودة أو التي تُعقد بين جمهورية مصر العربية وغيرها من الدول، فإذا وُجدت معاهدات بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية فإنه يتعين إعمال أحكام هذه المعاهدات.

.. وتختص المحكمة الابتدائية – دون محاكم الأسرة – التي يُراد التنفيذ في دائرتها، بالنظر في النزاع حول طلب تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية.

دور القضاء المصري في تنفيذ الحكم الأجنبي

استقرت محكمة النقض على عدد من المبادئ في مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية، من أبرزها أن محكمة الموضوع لا تتدخل في موضوع الحكم الأجنبي، وإنما تقتصر على فحص الشروط القانونية اللازمة للتنفيذ، فالقضاء المصري لا يُعيد النظر في موضوع الدعوى، بل في مدى توافق الحكم مع الشروط الشكلية والجوهرية.

ومن أكثر المجالات التي يُرفض فيها تنفيذ الأحكام الأجنبية هو مجال الأحوال الشخصية، فهناك وقائع لرفض القضاء المصري تنفيذ عدد من الأحكام الأجنبية استنادًا إلى أن الأساس الذي بُني عليه الحكم الأجنبي يتنافى مع النظام الأخلاقي والقانوني في مصر.