مدير عام تحرير «الأهرام» سابقاً يتحدث لـ«النبأ» عن الملف الصحفي
الكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام: «هيكل» أضاع حيادية «الأهرام».. و«البلشي» ليس من دُعاة الصدام مع السلطة (1- 2)

كانت الجلسات التحضيرية للمؤتمر السادس للصحفيين الذي عُقد في ديسمبر من العام الماضي، فرصةً - بالنسبة لي - للاقتراب أكثر من الكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام، مدير عام التحرير بـ«الأهرام» سابقًا ومقرر لجنة «مستقبل الصحافة» بالمؤتمر، وذلك عقب فترةٍ من قراءة عموده المميز «أفق جديد» بـ«الأهرام»، حيث اعتاد تناول الموضوعات في الشأن الخارجي والمحلي بعمقٍ ورصانةٍ شديدتين، وعلى الطريقة نفسها يواصل الآن كتابة مقاله اليومي بالصفحة الأخيرة لـ«المصري اليوم» تحت عنوان «ظلال الحقيقة».
بأسلوبه الهادئ المعروف عنه وغيرته الشديدة على مهنة الصحافة ومستقبلها وصناعتها، كان يهتم الكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام باختيار رؤوس الموضوعات لمناقشتها في الجلسات التحضيرية، وبتحديد «المتحدثين» ودعوتهم في تلك الجلسات النقاشية التحضرية، للخروج بتوصياتٍ تُرفع للمؤتمر السادس للصحفيين وتناولت العديد من الموضوعات الخاصة بمستقبل الصحافة الورقية والذكاء الاصطناعي واستراتيجيات التكامل والتسويق بين النسخة المطبوعة والرقمية والتكامل مع منصات الإعلام الاجتماعي وتطوير المحتوى الصحفي والإصلاح الإدارى للمؤسسات الصحفية، ووضع لائحة قيد جديدة بالنقابة، فضلًا عن التدريب المهني الذي لم يعد «رفاهيةً» للاستمرار في بلاط صاحبة الجلالة.
تخرج الكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1987، وتنقل في تجارب صحفية قبل الاستقرار نهائيًا في مؤسسة «الأهرام» اعتبارًا من يونيو 1991 متخصصا في الشئون الخارجية وخاصة الأوروبية والأمريكية. عمل «عبد السلام» مراسلًا لـ«الأهرام» في لندن بين عامي 1995 و1999، ثم عمل بالديسك المركزي بين عامي 2002 و2010، وأسس بوابة «الأهرام» الإلكترونية ورأس تحريرها بين عامي 2010 و2013.
لم تقتصر المسيرة المهنية للكاتب الصحفي عبد الله عبد السلام على عمله بـ«الأهرام» بل انتقل إلى التجارب الخاصة وشغل منصب رئيس التحرير التنفيذى لموقع «المصري اليوم» عام 2013، كما عمل مديرًا لتحرير موقع بوابة «العين» الإماراتية 2016، ومدير تحرير موقع صحيفة «الوطن» عام 2017، كما فاز بجائزة مصطفى وعلي أمين للصحافة، فرع «أفضل كاتب مقال».
في حوارٍ شاملٍ ينشره موقع صحيفة «النبأ» على «حلقتين»، يتحدث الكاتب الصحفي الكبير عبد الله عبد السلام عن كثير من القضايا الخاصة بـ«الملف الصحفي» في مصر، وعن صناعة الصحافة والإعلام وشئون نقابة الصحفيين.. إلى «الجزء الأول» من الحوار:
نبدأ من أقرب حدثٍ مهم شهده الوسط الصحفي وهو الخاص باحتفالية مرور 150 عامًا على تأسيس «الأهرام»… كيف رأيت هذا الحدث؟
هذا ليس حدثًا مصريًا أو عربيًا فقط ولكنه يعد حدثًا عالميًا؛ قلما نجد صحيفةً تستمر هذا الزمن الطويل وتواصل عملها في ظل كل تلك الأزمات المجتمعية والاقتصادية والمهنية، حتى تلك الأزمات التي عبرتها مؤسسة «الأهرام» قبل التطورات التكنولوجية وعصر «السوشيال ميديا».
مؤسسة «الأهرام» عانت مشكلاتٍ كثيرةً وكان من الممكن أن تتوقف مثل صحفٍ أخرى ولكنها استمرت وهذا إنجازٌ في حد ذاته، وهي استمرت لأنها اتخذت «الحياد» طريقًا لها بمعنى أنها لم تكن مرتبطةً بتوجهٍ سياسي أو حزبٍ ما، كان الجميع ينظرون لها على أنها «محايدةٌ»؛ بمعنى أنها ليست منخرطةً في السياسة بشكلٍ كاملٍ مع حزب مثل «الوفد»، والسياسيون العابرون للأحزاب كانوا يهتمون بها، لم تكن مثل صحيفة «المقطم» التابعة للاحتلال، أو «المصري» التي أسسها الأخوان محمود وحسين أبو الفتح والتي كانت منحازةً لـ«حزب الوفد».. «الأهرام» كانت على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، خاصة أنَّ مؤسسيها كانا من «الشوام» وهما الشقيقان سليم وبشارة تقلا.
بالطبع كنت سعيدًا باحتفالية مرور «150» عامًا على تأسيس «الأهرام»، ولكن كنت أتمنى أن تُركز تلك الاحتفالية على «المستقبل»، على الأقل تتحدث المؤسسة عن خطةٍ صحفيةٍ ومهنيةٍ لـ«10» أعوامٍ قادمةٍ في عصر وطوفان الذكاء الاصطناعي.. للأسف تركيز الجميع كان على الماضي، على الـ«150» عامًا شهدت فيها المؤسسة تحولاتٍ كبيرةً باستثناء مقال السيد عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق، الذي تحدَّث عن المستقبل وكيف ستواجهه «الأهرام».
أشدتَ بـ«الحيادية» التي كانت تُميز مؤسسة «الأهرام» ورأيتَ أنها كانت من أسباب استمرارها صحفيًا.. هل ما زالت المؤسسة «حياديةً»؟
بالطبع «لا».. وهنا نقول أن الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل (23 سبتمبر 1923 – 17 فبراير 2016) حقق إنجازاتٍ وطفراتٍ في «الأهرام» وجعلها من أهم «10» صحف تصدر في العالم، لكن في الوقت عينه جعلها «لصيقةً» بالدولة.. «الحياد» كان الميزة التي نشأت عليها مؤسسة «الأهرام»، وإذا استمرت تلك الميزة بالطبع كان أفضل، كنا سنجد وسيطًا صحفيًا يقف موقفًا محايدًا؛ «الأهرام» فقدت هذه «الميزة» مع بداية عصر «هيكل» في إدارة المؤسسة.
هل معنى ذلك أنَّ «الأهرام» لم تعد «صوت الناس»؟
مؤسسة «الأهرام» تُعبر عن الدولة بمقتضى قانون تنظيم الصحافة وهذا ليس نقدًا لها ولكن «توصيف» عن الواقع؛ الدولة عبارة عن «حكومة وشعب وأرض» لكن البعض يرى جانبًا واحدًا فقط هو الحكومة.. المفروض الصحيفة تكون «همزة وصل» بين الناس والدولة، وهذا ليس نقدًا لـ«الأهرام» فقط، كل الصحف إلى حدٍ كبيرٍ ليست «صوت الناس» الآن.

بعد «150» عامًا في المهنة.. هل مؤسسة «الأهرام» مستعدةٌ لمواكبة التغييرات التكنولوجية وطوفان الذكاء الاصطناعي الذي يهدد بإغراق المؤسسات الصحفية عالميًا؟
أنا لستُ متحدثًا باسم «الأهرام» ولا أشغلُ بها منصبًا رسميًا الآن، لكن الفكرة أنَّ «الصحافة» هي الأصل مهما تغير «الوسيط»؛ ورقي، إليكتروني، منصات «سوشيال ميديا».. للأسف الشديد المؤسسات الصحفية القومية استثمرت وما زالت تستثمر في الإصدارات الورقية أكثر من استثمارها في الوسائل الإعلامية الجديدة؛ يُحزنني جدا للأمانة أنَّ يكون سؤالُ نسبةٍ كبيرةٍ من الصحفيين الآن: «أنت بتعمل في ورقي ولا موقع؟»، وبالتالي إذا كنت تعمل في موقعٍ إليكترونيٍّ مثلًا «فالنظرة لك ستقل».
هذه نظرةٌ سيئةٌ جدا جدا لأنه لم يعد هناك ما يسمى بـ«الصحافة الورقية أو الإلكترونية» التغيرات التكنولوجية في صناعة الصحافة والإعلام تجاوزت الجميع.. هذه مسمياتٌ غير صحيحةٍ، وتلكَ التفرقة التي تكون على حسب «الوسيط الإعلامي» آنَ لها أن تنتهي؛ «لأن الصحفي.. صحفيٌ» يستطيع العمل في الوسيط الورقي والمنصات الإلكترونية وغيرها.
مؤسسة «الأهرام» في عهد الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم نافع (12 يناير 1934 - 1 يناير 2018) توسعت في «البناء» وفي تدشين الإصدارات الورقية، وبعد ذلك توسعت أيضًا في الإصدارات الإلكترونية، نحن الآن في حاجةٍ إلى دراسةٍ جادةٍ تكشف لنا: معدلات القراء الذين يتابعون تلك «الإصدارات» ونوعية المادة التي يتابعونها، نحتاجُ إلى ضخ كل تلك الإمكانيات في «موقع إليكتروني واحد» للمؤسسة ويتم التعامل معه بشكلٍ مختلفٍ تمامًا وبرؤيةٍ جديدةٍ لهذا «الوسيط الإلكتروني» ولكل العناصر التي تعمل به، فضلًا عن ضرورة العمل برؤيةٍ جديدةٍ لعلاقة هذا «الموقع الإليكتروني» بالصحيفة الورقية اليومية.. بشكل يحقق تكاملًا بين «الوسيطين».
في رأيي، لا يصح أن يخرج جورنال «الأهرام» بالأخبار التي حدثت أمس والتي نشرتها المواقع الإليكترونية، عصر «الخبر وأخواته» مثل التقرير الخبري والحوار السريع «انتهى»، هناك فنون صحفية تنفع للإصدار الورقي.. أين التحقيقات الاستقصائية؟ نحتاج إلى نظرةٍ مختلفةٍ تحريريًا.

هذه النظرة التحريرية الجديدة التي تريدها قد تصطدم بواقعٍ صعبٍ اختفى فيه حتى هامش الحريات الصحفية.. وبالتالي الزميل يصطدم بموانع تُعيقه عن تقديم مادةٍ تراها حضرتك قد تُنقذ «الإصدار الورقي» وتجعله مختلفًا عن «الإليكتروني».. ما ردك؟
بالمناسبة هذه نظرةٌ منطقيةٌ جدا ومقبولةٌ.. ولكن ما أقصده أنَّ هناك مسافةً في الكتابة والتناول الصحفي لا نصل حتى إليها، للأمانة هناك كثيرون لا يحاولون.. أؤكد لك أنَّ «المهنية الصحفية» في التناول قد تُنقذك وتجعل كثيرًا من كتاباتك «تمر» دون مشكلاتٍ، نحن ننتقد حالةً مسيطرةً على الصحافة الآن ولا ننتقد أشخاصًا مُعينين.
كشف المهندس عبد الصادق الشوربجي رئيس الهيئة الوطنية للصحافة في أحد اجتماعاته عن أنَّ المؤسسات الصحفية القومية مطالبها شهريًا تصل إلى «250» مليون جنيه وسط كل تلك الأزمات وأبرزها «نقص التوزيع».. كيف ترى تلك الأزمة الاقتصادية التي تعانيها المؤسسات؟
الأزمة الاقتصادية «حادةٌ» وتواجه وتُعطل كثيرًا من المؤسسات الصحفية في مصر، ولكن حتى نكون «واقعيين»: المؤسسات الصحفية القومية تؤدي دورًا لصالح الدولة المصرية وهي جزءٌ من «القوة الناعمة» لها، هذا الدور الذي تمارسه.. أليس بمقابل؟ الصحيفة الخاصة لا تأخذ دعمًا ماليًا من الدولة، وبالتالي هي ليست ملزمةً بـ«الترويج» أو «الدفاع» عن ما تقوم به الدولة المصرية.
ما تفعله المؤسسات الصحفية القومية يجب أن يكون له «مقابل»، كما قلنا تلك المؤسسات جزءٌ من «القوة الناعمة» للدولة، ومع ذلك «التطوير التحريري» يجب أن يكون جزءًا من الحل وليس الاعتماد فقط على «الرشادة الاقتصادية»، هذا لن يحل الأزمة.
أيضًا، من المهم أن تمتلك تلك المؤسسات الصحفية القومية «كوادر» وجيلًا جديدًا قادرًا على التعامل مع التغييرات التكنولوجية ومواكبة العصر بأفكاره الجديدة، يجب فتح «التعيينات» لنوعياتٍ جديدةٍ من «الكفاءات» وأن يكون «التعيين» على أسس الكفاءة والمميزات وليس معتمدًا على أسسٍ أخرى، يجب استغلال المنصات الإلكترونية في تحقيق «دخلٍ ماليٍّ»، المادة الصحفية الجيدة تجعل هناك إقبالًا عليك.. الواقع حاليًا أن شغل «المالتي ميديا» بعافية في المؤسسات القومية مقارنة بالمؤسسات الصحفية الخاصة.. لأن الأخيرة لديها مرونة واضحة وتمتلك كوادر وكفاءات.
لكن كيف تفتح تلك المؤسسات باب «التعيينات» لكفاءاتٍ وزملاء جدد من الخارج بينما لم تنتهِ أزمةٌ داخليةٌ تتعلق بتعيين «المؤقتين» بتلك المؤسسات؟
المؤسسات الصحفية القومية من بعد ثورة «25 يناير» 2011 لم تُعين إلا نسبةً قليلةً، والنوعيات التي بها و«جيلنا» لا يستطيع التعامل مع المتغيرات التكنولوجية بالشكل الكافي، تفتح الباب لتعيين «الكفاءات» والكوادر ويجب تعيين «المؤقتين» أيضًا لأن المؤسسات الصحفية القومية تعتمدُ عليهم؛ هم لهم الحق في «التعيين»، هذه مسألةٌ مهنيةٌ وأخلاقيةٌ وقانونيةٌ؛ كيف أعمل معك كل تلك «المدة» -وصلت إلى 10 أعوامٍ مثلًا - على أمل «التعيين» ثم لا تفعل؟ أنت لم تخبرني من البداية بهذا.

تعاملتَ مع النقيب خالد البلشي في أثناء المؤتمر السادس للصحفيين.. كيف ترى تجربة «النقيب» في إدارة 4 شارع عبد الخالق ثروت؟
كنتُ أعرف النقيب خالد البلشي بشكلٍ عامٍ قبل انتخابات النقابة عام 2023 وبعدها لم أتعامل معه بشكلٍ مباشرٍ، وكان لديَّ تصورٌ أنه سيتسبب في «صدامٍ» مع السلطة.. ولكن الحقيقة أنه بعد بداية الجلسات التحضيرية للمؤتمر السادس للصحفيين تعاملت معه بشكلٍ مباشرٍ؛ فقد كنت مقررًا لـ«لجنة مستقبل الصحافة» بالمؤتمر.. للأمــــانة ازداد إعجابي جدا به.
في الحقيقة، «البلشي» نقابيٌ من الطراز الأول، صحفيٌ ممتازٌ، وفي الوقت عينه ليس من «دُعاة الصدام» مع السلطة على الإطلاق؛ هو له توجهٌ سياسيٌ، لا يُخفي ذلك.. لكنه يُحاول أن يُبعد هذا «التوجه السياسي» عن كل ما يتعلق بالزملاء ومشكلاتهم مع الدولة، وهذا ما لاحظته في مواقف كثيرة في أثناء الجلسات التحضيرية للمؤتمر، ثم في جلسات المؤتمر نفسه.
في انتخابات مارس 2023، نجح «البلشي» لأنَّ هناك قطاعًا من الصحفيين رفض مرشحًا أخر، لكنه في الانتخابات الماضية، انتخبه الزملاء عن «اقتناعٍ» لأنهم وجدوا نقيبًا حريصًا عليهم، متواجدًا بشكل يومي، مرتبطًا بمشكلاتهم.
لكن ما تعليقك على عدم دعوة نقيب الصحفيين لحضور اجتماع الرئيس السيسي اليوم مع رئيس مجلس الوزراء ورؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية؟
هذا أول شيء لفت انتباهي فيما يخص الاجتماع، وبالطبع كنت أتمنى حضور نقيب الصحفيين خالد البلشي، لكن فسرت هذا الغياب بأن الرئيس السيسي اجتمع مع رؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية الحكومية ورؤسائها المعينين من قبل الدولة.
وكيف ترى توجيهات الرئيس السيسي خلال الاجتماع بوضع خارطة طريق للإعلام والاستعانة بالخبرات وإتاحة البيانات والمعلومات؟
الوعود الخاصة بـ«تطوير الإعلام» متكررةٌ، والأعوام الماضية شهدت خروج وعود وتصريحات من مسئولين بالسلطة للتطوير، ولكن لم نرَ خطواتٍ ملموسةً على أرض الواقع.
ولكن يجب أن تكون تصريحات الرئيس السيسي هي البداية لتطبيق خطواتٍ عمليةٍ - ولو بشكلٍ تدريجيٍّ لتحقيق التطوير في الإعلام والصحافة.
وهذا سيحدث عندما يتم الاستماع إلى آراء الصحفيين والإعلاميين عن آليات وطرائق «التطوير»، ويجب أن تُعقد جلسات عملٍ ومناقشاتٍ بين الهيئات الإعلامية والصحفية ومجلس نقابة الصحفيين للخروج بأفكارٍ للتطوير والسعي لتنفيذها بعد تصريحات الرئيس السيسي.
كما أطالب النقيب خالد البلشي ومجلسه بطرح أفكارٍ التطوير من خلال الدراسة وعقد اجتماعاتٍ تضم «شيوخ المهنة» لتقديم «ورقة عمل» عن تصور الصحفيين للتطوير والمرحلة الجديدة في الإعلام.
ظهرت بقوة فكرة أنَّ السلطة تُعاقب الصحفيين على انتخابهم لـ«البلشي» نقيبًا للمرة الثانية من خلال المماطلة والتأخر في إقرار «زيادة البدل» قبل قرار الرئيس السيسي بالموافقة على الزيادة المقترحة.. هل ترى بالفعل أن هناك «عقابًا» لجمعيةٍ عموميةٍ انتخبت نقيبها بإرادةٍ حرةٍ؟
عندما انطلقت جلسات المؤتمر السادس للصحفيين لم يكن هناك حضورٌ رسميٌ من السلطة.. كانت تلك «إشارةً واضحةً» أنَّ السلطة «غير مرحبةٍ» بالمؤتمر وجلساته.. ما أريد قوله أنني لا أدعيّ امتلاك معلوماتٍ تقول أنَّ السلطة تعاقب الصحفيين على انتخابهم «البلشي» نقيبًا للمرة الثانية.
فكرة «العقاب» تحتاج إلى إجراءاتٍ ملموسةٍ حتى أراها أو أقتنع بها، استخدام «التوصيفات» يجب أن يكون دقيقًا فيما يخص التعامل مع الشأن النقابي من قبل الدولة.. هذا بالطبع لا يمنع أنَّ العلاقة ليست «سمن على عسل»، السلطة كان لها مرشحها لمنصب «النقيب»، وكانت تتمنى نجاحه بالطبع، و«التباين» في التعامل «أمرٌ متوقعٌ».
أما الترويج لفكرة وجود «عقاب» من السلطة للصحفيين بسبب انتخاب «البلشي» نقيبًا، أراه يأتي في إطار «المشاحنات» بين تيارين؛ تيار الاستقلال النقابي الذي قد يتبنى هذا الطرح، ويقابله تيارٌ حكوميٌ أخر يقول «إن الصحفيين عليهم أن يتحملوا نتيجة اختيارهم».

استمرار المشاحنات والانقساماتٍ والاستقطاب الحاد بين الزملاء وهذا ظاهرٌ بقوةٍ في نقاشات الجروبات الصحفية.. ما تعليقك على تلك الأجواء على مستقبل المهنة؟
هذه «الأجواء» كانت مقبولةً في الفترة التي سبقت الانتخابات، لكن تلك الحالة الآن ستُدخلنا في «صراعاتٍ وانقساماتٍ» نحن في غنى عنها؛ الحديث عن تدهور الأوضاع الاقتصادية للزملاء مهمٌ، النقاشات حول زيادة الأجور مهمةٌ، وإذا عارضتها سأكون ممن يعيشون في «برجٍ عاجيٍّ».. ولكن هذه الأجواء الصحفية ستُشغلنا عن الأهم، وهو أنَّ «المهنة في خطر»؛ نقابة الصحفيين «أكبر» من أن تحصر كل جهودها وحديثها في «أمرٍ واحدٍ»، النقابة مطالبةٌ بتحديد أولوياتها.. والنقيب خالد البلشي عليها التدخل لإنهاء تلك الحالة.. من المهم مثلا أن نتحدث عن مصير توصيات المؤتمر السادس للصحفيين.

بمناسبة التوصيات.. في إحدى الجلسات التحضيرية، حذر الدكتور عبد الفتاح الجبالي وكان مقررًا لـ«لجنة اقتصاديات الصحافة» من الخروج بتوصياتٍ غير قابلةٍ للتنفيذ على أرض الواقع، مؤكدا أنه في حالة حدوث ذلك فإن مصير تلك التوصيات سيكون «الوضع في الدرج» مثل توصيات الخمسة مؤتمرات السابقة… كيف ترى هذا الحديث مقارنةً بالتوصيات التي أقرها المؤتمر؟
توصياتُ المؤتمر السادس للصحفيين خرجت «بتوافقٍ» بين المجتمعين ولم تكن كلها توصياتٍ «ثوريةً»، الدكتور عبد الفتاح الجبالي قد يكون يُشير إلى التوصيات الخاصة بالعلاقة بين النقابة والسلطة وأنا أتفق معه، ولكن هناك توصياتٌ مهنيةٌ كثيرةٌ صدرت.. أين بقية توصيات المؤتمر؟ ما لا يُؤخذ كله لا يُترك كله، من المهم أن نقدم تعاملًا مختلفًا معها، هناك صحفيين بذلوا جهدًا، وفي المؤتمر، بعض الأساتذة الكبار كانوا يقولولي: «أنتم بتعملوا مَكلمة».. هل نريد تحقيق هذا الطرح؟
إذا كان الوقت غير مناسبٍ للدخول في حوار مع السلطة عن علاقتها مع نقابة الصحفيين - وأنا لا أدعيّ امتلاك معلوماتٍ بذلك - طيب أين بقية توصيات المؤتمر؟ الأزمة أننا نُركز كل شيء في «الحريات»، حرية الصحافة جزءٌ من المشكلة وليست كل المشكلة، توصيات المؤتمر السادس للصحفيين غطت جوانب كثيرة من أزمات المهنة، وتنفيذها حتى لو بشكل تدريجي «كفيلٌ» بتغيير المناخ ويصنع «لُحمة جديدة».. أجواء المؤتمر جعلت هناك تضامن مع الصحفيين.
يجب البدء في متابعة وتنفيذ تلك التوصيات حتى لا «تتأجل» بسبب تلك المشاحنات والانقسامات التي يشهدها الوسط، ثم دخول الانتخابات الجديدة.. الأجواءُ والمشاحنات الموجودة حاليًا في الوسط الصحفي تُشغلنا عن الأولويات، كما طالبت سابقا، نقابة الصحفيين عليها تحديد الأولويات التي يجب أن تعمل عليها الآن؛ الحقيقة لا أرى أي تحرك لإنقاذ المهنة من «خطرٍ داهمٍ» يهددها.
*غدا.. ينشر موقع صحيفة «النبأ» الجزء الثاني من الحوار مع الكاتب الصحفي الكبير عبد الله عبد السلام.