بعد المذكرة المعارضة لـ«الوقفات الاحتجاجية» ومشكلات «البدل» و«الصحفيين المؤقتين»
سيناريوهات «تفجير الأزمات» في 4 عبد الخالق ثروت.. وإحراج «النقيب»

مبكرًا، دارت «ماكينة» تصدير وتفجير الأزمات في «4» شارع عبد الخالق ثروت - مقر نقابة الصحفيين بوسط العاصمة المصرية القاهرة - بعد أيامٍ قليلةٍ من تشكيل هيئة مكتب ولجان المجلس الجديد برئاسة خالد البلشي في دورته الثانية بالمنصب الأهم والأرفع بـ«بلاط صاحبة الجلالة».
فعقب مارثونٍ انتخابي طويل وشاق، ظهرت التساؤلات وتصاعدت حدة الانتقادات بين قطاعٍ من أبناء الجمعية العمومية، بسبب تأخر الإعلان عن زيادة «البدل» - حتى كتابة هذه السطور - في سابقةٍ تحدث لأول مرةٍ منذ سنواتٍ؛ حيث كان يجري الإعلان عن «الزيادة» من مرشح السلطة لمنصب «النقيب» قبل إجراء الانتخابات، ويتم صرفها بعدها مباشرةً.
ثم تصاعدت أزمة إيقاف «بدل» صحفيي جريدة «الطريق»، قبل أن يعقد خالد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، اجتماعًا مع مجلس النقابة، ويعلن حل الأزمة، بينما تستمر - حتى كتابة تلك السطور - أزمات أخرى عاصفة لم تُحل إلى الآن تتعلق بتعيين «الزملاء المؤقتين» في المؤسسات القومية.
بدا «التأخر» في الإعلان عن «زيادة البدل» وكأنه عقابٌ للجمعية العمومية التي انتخبت للمرة الثانية على التوالي نقيبًا مستقلًا هو «البلشي»، وهو حديث يردده قطاعٌ من الجمعية العمومية، لكن «النقيب» يؤكد عدم صحة هذا الحديث، وأن أحمد كجوك، وزير المالية، قال له: «احنا مش هنضحك على الصحفيين.. سيتم صرف زيادة البدل»، مشددًا على أنه لن يقبل أن يكون أداة عقابٍ للزملاء.
في سياقٍ آخر، واجه «البلشي» انتقاداتٍ - على نطاقٍ ضيقٍ - لموقفه الداعم للإفراج عن الناشط علاء عبد الفتاح، ثم بسبب الوقفة الاحتجاجية على «سُلم» النقابة والتي تم الزعم أنها كانت داعمةً لـ«قافلة الصمود» التي رفضت الدولة السماح لها بالمرور إلى غزة؛ مؤكدةً أنه ينبغي الحصول على موافقاتٍ مسبقةٍ.
عقب الوقفة المثيرة للجدل على سلم النقابة، تقدم عبد الرؤوف خليفة، وكيل نقابة الصحفيين - عضو هيئة المكتب، بمذكرةٍ إلى «النقيب» للمطالبة بوقف المظاهرات على سلم النقابة، مشيرًا إلى أن «السلم» صار مستباحا تعتليه وجوه عابثة تحركها دوافع مشبوهة تحاول خلط الأوراق ونشر مناخ الزيف والتضليل وتصوير المواقف في ثياب المدافعين عن الحرية، بينما الحقيقة تُطوى في ثناياها تنفيذ أجنداتٍ تنسج خيوط أحداثها أصابع تختفي خلف هؤلاء وتستخدمهم وقودًا للفوضى».

وأضاف «عبد الرؤوف» أن تلك الوقفات ليست لها علاقة بأدبيات المهنة والنقابة، ولا تهدف للنهوض بالصحافة وتحسين أحوال الزملاء، وإنما أرادت استغلال النقابة لتكون منبع إشعال الفوضى وهدم الاستقرار، مشيرا إلى أن المتعلقين بمظاهرات سلم النقابة «دعاة فوضى».
ويرى «خليفة» - وفق المذكرة التي تقدم بها - أنَّ ما يحدث فوق سلم النقابة مصدر للفوضى والتآمر على استقرار مصر وتنفيذ أجندات مشبوهة وتضليل وتزييف للحقائق، وإهانة رموز الدولة، والتشكيك في أحكام القضاء، والانزلاق بالنقابة إلى معترك يشكل خطورةً على أداء رسالة أصيلة يتعين الوفاء بها أمام الجمعية العمومية، مطالبًا بإيقاف المهاترات الواقعة على «السلم».
وبعيدًا عن تصريحات «البلشي» التي كانت أقرب لـ«الردود الدبلوماسية» عن أزمة «البدل»، فإنَّ المشهد النقابي الآن يبدو «كئيبًا ومثيرًا» لقلقِ قطاع في الجمعية العمومية، وتتزامن الأزمات الحالية بالوسط، مع تأكيدات مصدرٍ تحدث لـ«النبأ» عن ظهور ما يمكن وصفه بـ«تعنت السلطة» في الاستجابة لمخاطباتٍ واتصالاتٍ خاصةٍ بإنهاء بعض الملفات المهمة العالقة.

فيما يخصُ هذا المشهد المثير للقلق، يرى يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، أنَّ هناك ملاحظتين؛ الأولى تتعلق بأنَّ «فيشة الانتخابات لم تُنزَّع بعد.. بمعنى أننا ما زلنا نعيش في الأجواء الساخنة التي صاحبت الانتخابات الماضية من خلافاتٍ وشد وجذب».
وأوضح في تصريحاتٍ لـ«النبأ»، أنَّ الملاحظة الثانية نأسف لوجودها؛ خاصة عندما نجد عضوًا بالمجلس يقدم وجهة نظرٍ بها قدر من المغالطات والالتباسات، ويقدم مذكرةً يمكن وصفها أنها من «الكبائر النقابية»، لأنها تنسف طبيعة هذا الكيان المناصر لـ«الحريات والرأي»، أو حتى تُغيِّب دور الصحفي بصفته «صوت الناس» الذي ينقل همومهم وأوجاعهم.
يتابع: «يأتي هذا العضو في بداية كل دورة ويثير الجدل بتحركاته؛ مرة بتدشين جمعية تقدم أدوارًا هي من صميم الكيان النقابي، وتقدم خدماتٍ بعيدًا عن العمل المؤسسي، ثم مع بداية الدورة الحالية يقدم مذكرةً تقول إن المبادئ النقابية غائبة لدى مقدمها أو كاتبها بهذا الشكل الفج المفضوح».
وبخصوصِ ما تُطالب به المذكرة من ضرورة قيام المجلس بمواجهة الوقفات على سلم النقابة؛ بحجة أن تلك الوقفات «صارت مصدرًا للفوضى والتآمر على استقرار مصر وتنفيذ أجندات مشبوهة»، قال «قلاش» إنَّ مطالبة المجلس بمواجهة الوقفات «حديثٌ أكل الدهر عليه وشرب»، وأنَّ فكرة إدارة «المجلس» للسلم فكرة خارج طبيعة الأشياء؛ فلم يُحاسب أي «نقيب» على تلك الوقفات.
يوضح أكثر: «في فتراتٍ ما، كان النقيب يرى الوقفات الاحتجاجية على السلم في أثناء دخوله المبنى، ولا يعترض، مهمًا كانت أسماء الشخصيات المشاركة في تلك الوقفات».
يروي نقيب الصحفيين الأسبق، قصة مظاهرات الطلبة عقب هزيمة 1967، والتي كانت تطالب بمحاكمة قادة الطيران، وأن تلك المظاهرات خرجت من الجامعة ووصلت إلى النقابة، لافتًا إلى أنَّ عضو المجلس الراحل سعد زغلول فؤاد، خرج من النقابة، واستعان بكرسي وقف عليه، وتحول إلى «خطيب» في الطلبة ومؤيدًا لمطالبهم.
لافتًا إلى أنًَ النقيب الراحل أحمد بهاء الدين دعا إلى اجتماعٍ في اليوم نفسه، وتضامن مع الطلاب في بيانٍ رسمي تحمل مسئولية كتابته وإصداره، موضحًا أن هذا الموقف أزعج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وتابع: «الأجهزة كانت فاكرة أن السكرتير العام وقتها صلاح الدين حافظ هو الذي كتب البيان، ولكن أحمد بهاء الدين قال إنه المسؤول عن البيان والاجتماع لحماية صلاح من أجهزة الدولة».
واستكمل: «الرئيس جمال عبد الناصر قال لسفير سوريا بمصر وقتها: قل لصاحبك (أي أحمد بهاء الدين) أني عاتب عليه، لأن قلبي موجوع من الهزيمة ومكنتش ناقص».
يستكمل: «المعنى الأساسي من هذه القصة أن مظاهرات الطلبة كانت حدثًا كبيرًا، وأن الطلاب تظاهروا أمام النقابة التي تضامنت معهم».
ويتابع حديثه قائلًا: «عندما صدر قانون التظاهر بعد ثورة 30 يونيو، كان الأمن يمنح تصاريح بالتظاهر أو الوقفات على سلم النقابة، خاصة أنَّ تلك الوقفات يكون من السهل تأمينها».
يذكر «قلاش» أنه في أحد المجالس، طالب عضوٌ بضرورة الاستعانة بـ«قفص حديدي» لمواجهة وقفات حركة «كفاية» المتكررة على سلم النقابة، كاشفًا عن أنَّ هذا المطلب تحول إلى مثار سخريةٍ للمجلس، عندما رد عضو المجلس وقتها جمال فهمي على هذا المطلب قائلًا: «.. ونجيب كمان قفص حديدي ونربي فيه فراخ، ويُجيب لنا دخل، وننمي موارد النقابة».
ويرى «قلاش» أنَّ الوقفة الاحتجاجية لم تكن وقفةً شعبيةً بها جماهير، ولا تهدد الأمن القومي أو تُحرج النظام، لدرجة تقديم مذكرة فجة ومباشرة؛ كاشفا عن أن كثيرين من الرافضين لـ«قافلة الصمود» كانوا ضد مذكرة «خليفة».
يتابع: «دلالة المذكرة خطرة؛ أنت عضو مجلس، وتنتمي لنقابة الرأي والحريات، ومع ذلك تقدم مذكرةً تصادر الحريات، وتبرر الحبس وتقلل من مطالبنا بالإفراج على سجناء الرأي».
وردًا على حديث «تفجير الأزمات» بالنقابة، قال «قلاش»: «النقابة لا يُمكن التعامل معها من هذا المنطق، هي إحدى مؤسسات الدولة وليست حزبًا سياسيًا، والسلطة ستتعامل معها في كل الأحوال، ومش هتقفل حنفية البدل أو تعاقب الزملاء بسبب وقفاتٍ أو بسبب انتخاب نقيب مستقل».
وفق مصدرٍ نقابي تحدَّث لـ«النبأ»، فإنَّ الاجتماع الماضي للمجلس شهد مناقشة الموضوع الخاص بمذكرة عبد الرؤوف خليفة، وأنه تضامن معه في مطالبه عضوان بالمجلس: أيمن عبد المجيد ومحمد شبانة.
وأوضح أنَّ تضامن «شبانة» كان وفقًا لمعلوماتٍ مغلوطةٍ تتعلق بأنَّ الوقفة كانت لدعم «قافلة الصمود»، وأنَّ المنظمين للوقفة حصلوا على «تصريحٍ» من النقابة.
وأضاف، أنه تم التوضيح لـ«شبانة» أنَّ الوقفة لم تكن خاصةً بالقافلة، نافيًا وجود أي «تصريحٍ» من النقابة لها، بدليل أنَّ «البلشي» علم من وزارة الداخلية بأمر تلك الوقفة مساء اليوم السابق لتنظيمها، فضلًا عن أنَّ النقابة لا تمنح تصاريح لوقفاتٍ احتجاجيةٍ، ولا تمنع وقفاتٍ.
وتابع: «مبنى النقابة وسلمه على مدار تاريخه، وفي وجود نقباء راحلين، وآخرين على قيد الحياة، شهد وقفاتٍ احتجاجيةً، وبعضها سياسي ضد رئيس الدولة، فضلًا عن الوقفات الخاصة بثورتي 25 يناير و30 يونيو».

وأكدَّ المصدر أنَّ النقاش داخل اجتماع المجلس، انتهى إلى «أنَّ المذكرة هي والعدم سواء؛ بل سيتم التحقيق في الشكاوي المقدمة ضد ما جاء في حق الزملاء بهذه المذكرة من اتهاماتٍ بالتخوين والتآمر».
ويتفق المصدر في وجهة النظر التي ترى بأن هذا المجلس سيتعرض لـ«الاستنزاف» طوال دورته الجديدة لإظهار أن الأعضاء المعارضين داخل المجلس «فاشلون»؛ بهدف التأثير في الانتخابات المقبلة، لافتا إلى أنه يرى أنَّ هذا التأثير سيكون «هامشيًا».
ويعترض المصدر على الحديث الخاص بأنَّ هناك «حالة ارتباك» تسيطر مجلس النقابة منذ بداية دورته الجديدة، مؤكدًا أنَّ «المجلس» معذور؛ فالحالة التي كانت سائدةً في وقت الانتخابات ما زالت مستمرةً حتى الآن.
ويختم حديثه، بقوله أن الأيام المقبلة قد تشهد توضيحًا لبعض الملفات والتحركات التي يجد المجلس - وعلى رأسه النقيب - تعنتًا من السلطة في إنهائها، حتى يكون هذا «التعنت» سببًا في تفجير الأزمات بالنقابة.