وزير المالية: نتطلع لتمويل أخضر أكثر عدالة لتلبية احتياجات الدول النامية
في وقت تتسارع فيه تداعيات التغير المناخي على الدول النامية بوتيرة غير مسبوقة، وتتزايد تكلفة التكيف وبناء مشروعات البنية التحتية الخضراء، جاءت مشاركة الدكتور أحمد كجوك، وزير المالية، في جلسة وزارية رفيعة المستوى حول تمويل المناخ بالبرازيل لتعيد تسليط الضوء على الاختلال العالمي في توزيع التمويل الأخضر، والضغوط المستمرة التي تتحملها الاقتصادات محدودة الموارد.
خلال الجلسة، قدّم الوزير رؤية مصر حول منظومة التمويل المناخي الدولية، مؤكدًا أن الدول النامية أصبحت بحاجة إلى دور أكبر وأكثر التزامًا من المؤسسات الدولية في توفير التمويل الأخضر الميسر، باعتباره ركيزة أساسية للانتقال العادل نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات.
أزمة تمويل المناخ… الفجوة التي تتسع
أوضح كجوك في كلمته أن العالم يشهد اليوم فجوة واضحة بين الوعود المناخية التي تطلقها الدول المتقدمة وبين حجم التمويل الفعلي الذي يصل إلى الدول النامية، مؤكدًا أنه رغم التعهدات، خاصة تعهد الـ100 مليار دولار السنوي الذي أقرّته الدول المتقدمة منذ أكثر من 13 عامًا، فإن جزءًا كبيرًا من هذه الالتزامات لم يتم تنفيذه أو يصل بشروط مرهِقة.
وأشار إلى أن الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على التمويل الأخضر، نتيجة البيروقراطية المعقدة واشتراطات المؤسسات المانحة، وهو ما يستدعي ـ حسب الوزير ـ تبسيط الإجراءات وإزالة العقبات التي تمنع وصول التمويل بالسرعة المطلوبة.
مسار تمويلي لخمس سنوات.. مطلب ملحّ للدول النامية
طالب وزير المالية بضرورة الاتفاق على مسار تمويلي واضح خلال الخمس سنوات المقبلة من جانب الدول المتقدمة والمؤسسات الدولية، حتى تتمكن الدول النامية من وضع خطط دقيقة للتحول المناخي، بدلًا من الاعتماد على وعود غير مؤكدة أو تمويلات متقطعة.
وقال إن هذا المسار يجب أن يشمل حجم التمويل المتوقع لكل دولة أو مجموعة دول، ونوعية التمويل: قروض ميسرة، منح، تمويل مختلط، ونسب مساهمة المؤسسات الدولية، وأدوات تقليل المخاطر لجذب القطاع الخاص، وآليات تقييم الأداء المناخي بما لا يفرض أعباء إضافية على الاقتصادات الضعيفة
وأضاف: "دون تحديد واضح للمسار التمويلي لن تتمكن الدول النامية من المضي في مشروعات التحول البيئي الكبرى."
حشد مصادر تمويل مبتكرة.. واللجوء للتمويل المختلط
اعتبر كجوك أن العالم بحاجة إلى مصادر تمويل غير تقليدية لمواجهة متطلبات المرحلة المقبلة. فإلى جانب القروض والمنح، يجب التوسع في آليات التمويل المختلط التي تتيح دمج التمويل العام مع الاستثمارات الخاصة، بما يقلل المخاطر ويجذب رؤوس أموال إضافية.
وأشار إلى أن التمويل المختلط أصبح اليوم أحد أنجح أدوات تمويل المناخ عالميًا، لما يوفره من، تقليل المخاطر أمام المستثمرين، ورفع قدرة الدول على تنفيذ مشروعات ضخمة، وضمان استدامة تدفق التمويل
تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيسي في التحول الأخضر
ودعا الوزير المؤسسات الدولية إلى تكثيف دورها في تقديم أدوات تخفيف مخاطر الاستثمارات، خاصة في القطاعات المرتبطة بالطاقة النظيفة والمياه والزراعة الذكية.
بنوك التنمية متعددة الأطراف.. ضرورة توسيع التمويل الميسر
أوضح كجوك أن بنوك التنمية متعددة الأطراف أصبحت مطالَبة اليوم بأدوار أكبر في تقديم التمويل الأخضر، ليس فقط عبر القروض، بل أيضًا من خلال تقديم ضمانات ومنتجات تأمين استثماري لتسهيل دخول المستثمرين للقطاعات عالية المخاطر.
وشدد على أن البنوك الدولية يجب أن تخفف من اشتراطاتها بحيث يتركز التمويل على، مشروعات الطاقة المتجددة، والتكيف المناخي، وتحسين كفاءة الطاقة، والبنية التحتية منخفضة الكربون، والمدن المستدامة
نظم النقل الذكية منخفضة الانبعاثات
وأكد أن التوسع في التمويل الميسر يمثل طوق نجاة للدول التي تواجه ضغوطًا اقتصادية وتحتاج إلى تنفيذ خطط خضراء واسعة النطاق.
مشروعات خضراء قابلة للتمويل.. شرط أساسي لتحقيق التحول
قال الوزير إن الدول النامية تمتلك القدرة على قيادة العمل المناخي، لكنها بحاجة إلى دعم فني ومالي يساعدها في تصميم مشروعات خضراء قابلة للتمويل على نطاق واسع، وأشار إلى أن التحديات الحالية لا تتعلق فقط بنقص المال، وإنما أيضًا بقدرة الدول على إعداد دراسات جدوى تفصيلية، وتطوير مشروعات ذات عائد اقتصادي واضح، وتحديد أولويات التمويل، ورفع جاهزية مشروعات البنية التحتية الخضراء، وبناء قدرات المؤسسات الحكومية المعنية بالملف المناخي
وأكد أن توفير التمويل الكافي سيمكن الدول من تحقيق قفزة حقيقية في التحول المناخي، بدلًا من الاعتماد على مشروعات صغيرة متفرقة.
أهداف اتفاقية باريس… الضغط يتزايد
أكد وزير المالية أن تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ يتطلب تضافر جهود الجميع، مشيرًا إلى أن الدول النامية تتحمل تكلفة كبيرة من تداعيات التغير المناخي رغم أنها الأقل إسهامًا في الانبعاثات العالمية.
وقال الوزير:
"علينا القيام بالكثير من العمل لتوفير التمويل اللازم للمناخ، بما يضمن الانتقال العادل ويحافظ على حقوق الأجيال المقبلة."
وأضاف أن تمويل المناخ لم يعد ملفًا بيئيًا فقط، بل أصبح قضية تنموية واقتصادية تؤثر على النمو وفرص التشغيل والبنية التحتية والاستثمارات.
بين مطالب الجنوب ومواقف الشمال… هل يتحقق التمويل العادل؟
يكشف خطاب وزير المالية عن استمرار الجدل العالمي حول عدالة التمويل المناخي، حيث ترى الدول النامية أن التمويل الميسّر ما زال أقل كثيرًا من حجم الخسائر التي تتكبدها جراء التغير المناخي، وأن الاقتصادات الكبرى لم تفِ بعد بما أعلنت عنه.
وبحسب تقارير دولية، فإن احتياجات الدول النامية تُقدّر بما لا يقل عن 2 تريليون دولار سنويًا حتى 2030، بينما لا يزال التمويل المتاح أقل من ربع هذا الرقم.
يمثل خطاب وزير المالية رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن تحقيق التحول المناخي العالمي يحتاج إلى إصلاح حقيقي في منظومة التمويل، وأن الدول النامية لن تتمكن من تنفيذ التزاماتها دون خطط تمويل عادلة ومستمرة.
كما يعيد التأكيد على أن المعركة المناخية ليست بيئية فقط، بل هي معركة وجودية تتعلق بالتنمية والاقتصاد والأمن والاستدامة، وأن العالم أمام منعطف حاسم يتطلب شراكة دولية حقيقية تتجاوز الوعود إلى التنفيذ.







