توكيل مزور يهز قاعة المحكمة: كيف أسقط محامٍ الدعوى الجنائية بخاتم مزيف؟

في أروقة العدالة، حيث يُفترض أن تسود الحقيقة وتُصان الحقوق، تسللت مؤامرة محكمة نسج خيوطها محامٍ واثنان من شركائه، لتتحول أوراق رسمية إلى أداة للتلاعب بمصير قضية جنائية. لم يكن الأمر مجرد ورقة عابرة أو توقيع مزيف، بل كان توكيلًا مصطنعًا بخاتم مقلد، استُخدم أمام محكمة العجوزة لإسقاط حكم قضائي صادر ضد متهمين في قضية نصب قيمتها 150 ألف جنيه.
القضية التي بدأت بخلافات مالية بين شركاء، انتهت بفضيحة تزوير هزت الثقة في المحررات الرسمية، وكشفت كيف يمكن لخاتم مزور أن يغير مجرى العدالة بأكمله.
خلافات مالية تتحول لجنحة نصب
بدأت الواقعة حين نشبت خلافات تجارية بين المهندس المدني أيمن فؤاد سيد شحاتة (39 عامًا) وبين اثنين من شركائه في المعاملات التجارية، الخلافات تعلقت بمبلغ 150 ألف جنيه اتهم المجني عليه شريكيه بالاستيلاء عليها بطريق النصب، لم يتردد في تحرير محضر ضدهما بقسم شرطة العجوزة، فأُحيلت الأوراق إلى المحكمة التي قضت غيابيًا بحبس المتهمين الثاني والثالث شهرًا مع الشغل، وكفالة 200 جنيه لوقف التنفيذ.
لكن لم يكن هذا الحكم سوى بداية فصول أخطر، إذ عارض المتهمان في الحكم الغيابي، وحددت المحكمة جلسة لنظر المعارضة، لتدخل القضية منعطفًا جديدًا لم يكن المجني عليه ليتخيله.
الخطة: توكيل مصطنع على مقاس المحامي
طبقًا للتحقيقات، دبّر المتهمان الثاني والثالث حيلة للتخلص من الحكم عبر الاستعانة بالمتهم الأول – محامٍ – حيث اتفقوا فيما بينهم على اصطناع توكيل رسمي مزور يُظهر المحامي كوكيل عن المجني عليه.
قام المحامي المتهم الأول بملء بيانات التوكيل بخط يده على خلاف الحقيقة، ثم ذيله بخاتم مقلد منسوب لمكتب توثيق الزيتون، وبذلك أصبح بحوزتهم محرر رسمي مصطنع، معدّ للاستعمال أمام المحكمة لتغيير وجه الدعوى.
المسرح: محكمة العجوزة
في جلسة المعارضة، حضر المحامي المتهم الأول، ممثلًا بصفته وكيلًا عن المجني عليه، وقدّم التوكيل المزور لهيئة المحكمة، وأمام أمين السر – الموظف حسن النية – قرر أن موكله (المجني عليه) قد تصالح مع المتهمين وتنازل عن الدعوى.
اعتمدت المحكمة على ما ورد بمحضر الجلسة الرسمي، وقضت بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، لتنقلب الموازين رأسًا على عقب.
اكتشاف الفضيحة
المجني عليه لم يكن حاضرًا، لكنه حين استعلم لاحقًا اكتشف المفاجأة: هناك توكيل مزور قُدم باسمه، وهو لم يحرره أصلًا، وبمخاطبة مكتب توثيق الزيتون، تبيّن أن التوكيل غير صحيح وغير صادر عنه.
أقوال المجني عليه أمام النيابة جاءت حاسمة: أكد أن المتهمين لجأوا لتزوير التوكيل لاستعماله أمام المحكمة دون علمه، وأنهم استغلوا اسمه للإفلات من العقوبة.
التحريات تكشف التفاصيل
تحريات العقيد عمر البطران – الضابط بمباحث الأموال العامة – أثبتت اشتراك المتهمين الثلاثة في الجريمة، والمحامي (المتهم الأول) حرر البيانات المزورة وأعد التوكيل بالخاتم المقلد، بينما وفّر له المتهمان الثاني والثالث البيانات والدافع، ثم استُعمل التوكيل أمام محكمة العجوزة لإسقاط الدعوى بالتصالح.
تقرير الخبراء: الدليل القاطع
جاء تقرير مصلحة أبحاث التزييف والتزوير ليضع النقاط فوق الحروف، حيث أثبت أن المتهم الأول هو كاتب بيانات التوكيل بخط يده، وأن المجني عليه لم يحرر شيئًا منها، كما أكد التقرير أن التوكيل لم يصدر من مكتب توثيق الزيتون إطلاقًا.
دور الموظفين: بين حسن النية والاستغلال
أقوال موظفي المحكمة أوضحت أنهم تعاملوا مع المحامي بصفته وكيلًا رسميًا، وسجلوا ما قرره بمحضر الجلسة دون علمهم بحقيقة التوكيل، هنا يظهر كيف استغل المتهمون حسن نية الموظفين لتمرير الجريمة عبر قنوات رسمية، في محاولة لإضفاء شرعية على التزوير.
أبعاد خطيرة: القضاء في مرمى التزوير
تكشف هذه القضية عن مدى خطورة لجوء بعض المتهمين إلى تزوير محررات رسمية بغرض التأثير في سير العدالة، فالجريمة لم تقتصر على تقليد خاتم أو اصطناع ورقة، بل امتدت إلى تغيير مسار حكم قضائي كان قد صدر بالفعل، وتحويله إلى انقضاء دعوى بغير حق.
درس قاسٍ
القضية ما زالت تثير صدى واسعًا داخل الأوساط القانونية، كونها تكشف ثغرة يمكن أن يستغلها البعض لتغيير الحقائق داخل ساحات القضاء، لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن العدالة قادرة على ملاحقة المزورين مهما حاولوا التلاعب، وأن خبراء أبحاث التزوير والتحريات الدقيقة تظل خط الدفاع الأول في حماية الثقة بالمحررات الرسمية.