مافيا التزوير.. كيف تحولت أوراق تجارية إلى أدوات انتقامية؟

قضية جديدة تهز أروقة العدالة وتكشف عن شبكة معقدة من المتهمين بينهم مهندسان بالمعاش، ثلاثة محامين، موظفون عموميون حسنو النية، وآخرون مجهولون استغلوا ثغرات قانونية وموثقات رسمية، جريمة بدأت بخلاف مالي على شراكة في مشروع استثماري للدواجن، وانتهت بتلفيق قضايا، وتزوير محاضر جلسات، واستعمال إيصالات أمانة مصطنعة، لتتكشف تفاصيلها عبر شهادات الشهود والتحريات الأمنية.
خلاف مالي يتحول إلى خصومة قضائية
حسب أقوال المجني عليه محمد أحمد عصر (46 سنة – مهندس زراعي)، فقد نشب خلاف مالي بينه وبين اثنين من المتهمين على خلفية شراكة في إحدى شركات الاستثمار الداجني، الخلاف لم يتوقف عند حد النزاع المدني، بل جرى استغلاله كمدخل لتصفية حسابات عبر أدوات التزوير
الاصطناع: إيصال أمانة على الورق
تشير أوراق التحقيقات إلى أن المتهمين اتفقوا فيما بينهم ومع آخر مجهول على اصطناع إيصال أمانة منسوب صدوره إلى المجني عليه، زعموا فيه أنه تسلم مبلغًا ماليًا من المتهم الأول لتوصيله إلى المتهم الثاني، والمجهول حرر الإيصال وملأ بياناته، بينما وفر له باقي المتهمين البيانات المطلوبة.
محامية تقدم المزور للشرطة
لم يقف الأمر عند اصطناع المحرر، بل استُعمل الإيصال المصطنع كأنه صحيح. إذ حضرت المتهمة الثالثة – محامية – إلى قسم شرطة المقطم بصفتها وكيلة عن المتهم الأول بموجب توكيل رسمي، وقدمت الإيصال المزور ضد المجني عليه، وحررت محضر جنح تتهمه فيه بتبديد المبلغ المالي، رغم علمها اليقيني بعدم صحته.
التزوير يمتد إلى المحاكم
تطور السيناريو داخل قاعات المحكمة. سكرتير جلسة جنح الخليفة والمقطم أثبت في محضر الجلسة حضور وكيل المجني عليه، رغم أن الحقيقة عكس ذلك، كما جرى التلاعب بمحاضر المعارضة والاستئناف، بما أظهر أن المجني عليه يقر بالإجراءات وحضر الجلسات، بينما لم يحدث.
البلاغ الكاذب: اتهام مدبر
أوراق التحقيق تكشف أن المتهمين لجأوا أيضًا إلى إبلاغ جهات الضبط القضائي بأمور كاذبة، منسوبة للمجني عليه زورًا، لتوريطه جنائيًا، والمتهمة الثالثة عادت مرة أخرى لتؤكد نفس الادعاءات الكاذبة أمام مأمور الضبط القضائي، واستندت على الإيصال المصطنع، مستغلة صفتها كمحامية ووكيلة عن المتهم الأول.
شهادات الشهود: خيوط تتكشف
المجني عليه محمد أحمد عصر: أكد أن النزاع بدأ بخلاف مالي على شركة دواجن، ثم فوجئ بإيصال أمانة مزور قدم ضده.
وإبراهيم عطا – أمين شرطة بقسم المقطم: قرر أن المتهمة الثالثة حضرت القسم وقدمت الإيصال والتوكيل، فحرر المحضر على أساسه.
أحمد الحسيني – سكرتير الجلسة: أوضح أن المتهمة الثالثة قدمت الإيصال في جلسات المحكمة ضمن حافظة مستندات، بينما حضرت المتهمة الرابعة بصفتها وكيلة عن المجني عليه دون أن تقدم دفوعًا.
التحريات: ضباط الأموال العامة يؤكدون
المقدم مجدي نبيل عرفة بإدارة الأموال العامة بالقاهرة، تحرياته أثبتت صحة ما قرره المجني عليه من وقائع، وأن التزوير تم فعلًا.
والرائد محمد صلاح الدين حسين الضابط بالإدارة العامة لمباحث الأموال العامة: أكد ما سبق، مشيرًا إلى أن الحكم الصادر في إحدى القضايا كان غيابيًا رغم إثباته حضوريًا عن طريق خطأ مادي من موظف حسن النية.
كما أثبتت استعلامات مصلحة الشهر العقاري أن التوكيلات المقدمة في القضية سارية وصحيحة قانونًا، لكنها استُعملت في غير محلها.
ثغرات استُغلت
القضية تكشف عن عدة ثغرات، استغلال حسن نية الموظفين العموميين (سكرتارية الجلسات وموظفي التنفيذ)، واستعمال التوكيلات الشرعية في غير محلها، حيث تحولت إلى أدوات لتمرير إجراءات مزورة، وسهولة اصطناع إيصالات الأمانة واستخدامها لتصفية الحسابات المالية والشخصية.
العقوبة المنتظرة
حسب قانون العقوبات المصري، يواجه المتهمون اتهامات خطيرة هي، تزوير محررات رسمية (مادة 211 وما بعدها)، واستعمال محررات مزورة (مادة 214)، والبلاغ الكاذب (مادة 305)، والاشتراك في التزوير بطريق الاتفاق والمساعدة.
العقوبات قد تصل إلى السجن المشدد لسنوات طويلة، خاصة مع تعدد الوقائع وتوافر الأدلة والشهادات والتحريات المؤكدة.
هذه القضية لا تكشف فقط عن شبكة أفراد اجتمعوا على تزوير أوراق رسمية لتوريط خصمهم، بل تسلط الضوء على مافيا التزوير التي تتسلل إلى أروقة العدالة، فهي جريمة مركبة، تبدأ بخلاف مالي عادي، ثم تتطور إلى شبكة معقدة من التزوير والبلاغات الكاذبة واستغلال ثغرات قانونية.
والسؤال الأهم: هل تكفي العقوبات وحدها لمواجهة هذه المافيا، أم أن الأمر يحتاج إلى إصلاح تشريعي ورقابي شامل على منظومة التوكيلات وإيصالات الأمانة؟