رئيس التحرير
خالد مهران

تقنيات الذكاء الاصطناعى تهدد صناعة الكليبات وتشريد المخرجين والمونتاج

النبأ

رغم أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الكليبات الفنية والإعلانات والأغاني لم يعد جديدا على الساحة، إلا أن ظهور رامي جمال في كليبه الأخير «مرتاح كده» عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، أشعل النقاش من جديد.

وطرح عدد كبير من الجمهور والنقاد، تساؤلات عديدة، هل نحن أمام ثورة فنية تفتح آفاقا للتطوير أم خطر يهدد بسقوط الإبداع الإنساني في قبضة الخوارزميات؟، وبين الانبهار بالتجربة والخوف من ضياع هوية الفن، عاد السؤال الكبير يفرض نفسه: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يصنع فنا حقيقيا؟

رامي جمال والذكاء الاصطناعي

تعاون الفنان رامي جمال في أغنية «مرتاح كدة» مع الشاعر الغنائي عمر عبده علي والملحن عمرو الشاذلي والموزع الموسيقي ومهندس الصوت محمد ياسر.

وجاءت الأغنية بطابع درامي حزين ينسجم مع نوع رامي جمال الغنائي المعتاد، بينما اعتمد الكليب على تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد مشاهد بصرية مبتكرة كبديل عن التصوير التقليدي.

وعبر البعض عقب عرض الكليب على يوتيوب والمنصات الرقمية عن الانبهار بالنتائج واعتبارها نقلة نوعية في الفن، بينما وصف آخرين بعض المشاهدات بالمصطنعة، محذرين من أن الذكاء الاصطناعي قد يحد من الصناعة البشرية والإبداع الإنساني.

تجارب سابقة في العالم العربي

لم يكن رامي جمال الأول في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكليبات، بل يُعد محمد حماقي، أول مطرب مصري يعلن رسميا عن كليب كامل بالذكاء الاصطناعي «حبيت المقابلة»، في أغسطس 2023.

كما استخدم هشام جمال وليلى زاهر، الذكاء الاصطناعي في كليب «أمور بسيطة» لتحريك الشخصيات دون المساس بملامح الوجوه البشرية للمطربين.

واعتمد محمد رمضان، على الذكاء الاصطناعي لتصميم مشاهد استعراضية رقمية، فيما مزجت نوال الزغبي بين التصوير الواقعي والمناظر الطبيعية المولدة رقميا في كليب «يا مشاعر».

واستخدم راغب علامة، الذكاء الاصطناعي في توليد الجموع الراقصة في كليب «ترقيص».

أداة مساعدة

في هذا الصدد، قال الناقد الموسيقي أحمد السماحي، إن الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة في حياتنا اليومية والفنية على وجه الخصوص، موضحًا أن استخدامه في الكليبات لم يعد جديدا حيث يمكن إنشاء مجموعة من الصور المتحركة والصوتيات بطريقة مبتكرة.

وأكد «السماحي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن كليب رامي جمال ليس أول استخدام للتقنية إذ سبقت الفنانة مروة ناجي بتقديم كليب كامل باستخدام الذكاء الاصطناعي، مضيفا أن الظاهرة أصبحت واضحة في السنوات الأخيرة مع استخدام كثير من المطربين والملحنين والموزعين للتقنية بدرجات متفاوتة من الذكاء والإبداع.

وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين الصورة والصوت والتوزيع الموسيقي وإضافة لمسات على الألحان، كما يمكن أن يساعد في وضوح الأداء وتصحيح الكلمات أثناء الغناء لكنه لا يستطيع تقليد الحس الفني والإحساس العميق الذي يمنح الفنان صوته وجاذبيته.

وحذر «السماحي» من الاعتماد المفرط على التقنية، موضحًا أن تأثيرها على الجمهور غالبًا مؤقت إذ قد ينبهر الشباب في البداية لكن مع الوقت تصبح التقنية اعتيادية ولا تلفت الانتباه كما حدث مع تجربة الهولوغرام.

وختم حديثه مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة قوية لكنه لن يغني عن الفنان الحقيقي ويمكن أن يكون مهمًا في المستقبل الفني، لكنه لن يحل محل الإنسان في الإبداع أو الأداء الحي أمام الجمهور، مشيرا إلى أن جمهور أفلام ومسلسلات الكارتون رغم إعجابه بها في الصغر يتخلى عنها عند الكبر.

ذكاء بلا وجدان

قال الناقد الفني طارق الشناوي، إنه من المستحيل أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلا عن اللمسة أو اللمحة الإنسانية؛ لأنه في النهاية يُسمى ذكاء اصطناعي، بينما الإبداع ليس ذكاء فقط بل هو وجدان بالأساس ولا يوجد وجدان اصطناعي ولن يوجد.

وأضاف «الشناوي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-: «وبالتالي سيظل هناك دائمًا شيء ناقص سمعت عن محاولات لإنتاج أغنية جديدة لأم كلثوم كتبها الشاعر أحمد رامي ولحنها رياض السنباطي بالذكاء الاصطناعي ورغم دقة التجربة إلا أنك تشعر أن هناك شيئًا مفقودًا، والأمر نفسه ينطبق على الصحافة فبدلا من أن يكتب الصحفي مقالًا بنفسه قد يطلب من الذكاء الاصطناعي مقالًا عن أم كلثوم في ذكراها الخمسين وسيمنحه النص لكن هل سيكون بنفس الجمال الذي يكتبه الصحفي بروحه بالتأكيد لا».

وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يعتمد دائما على الشائع والمتداول بينما الإبداع الحقيقي يبدأ من ما بعد الشائع والمتداول ولهذا لا أشعر بالقلق من فكرة أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في إبداعه فهو قد يساعد في بعض الأمور لكن تظل اللمسة الإبداعية لمسة بشرية وجدانية لا علاقة لها بالذكاء سواء كان طبيعيًا أو اصطناعيا.

وعن اتجاه بعض المطربين لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكليبات، قال «الشناوي» إن الفنانين يعتقدون أن هذا قد يمنحهم نتاجًا أفضل ولا يوجد حكم مطلق في ذلك فقد يرى الفنان أن الذكاء الاصطناعي سيعطيه عملًا أكثر كمالا فيلجا إليه ولكنه في النهاية سيتأكد ان الابداع الحقيقي شئ والذكاء الاصطناعي شيء آخر.

تغيير كبير في الصناعة

ومن جانبه، قال المخرج أكرم ناجي، المتخصص في صناعة الكليبات بالذكاء الاصطناعي، إن الكليب الجديد للفنان رامي جمال جيد جدا ويراه أفضل من كليبات كثيرة صنعت لفنانين آخرين باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وأضاف «ناجي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن هذه التجربة تمثل بداية لتغيير كبير في صناعة الكليبات، لأنها توفر الكثير من عناصر الانتاج التقليدي مثل اللوكيشنات وأماكن التصوير.

وأكد أن المزج بين التصوير الحقيقي وتقنيات الذكاء الاصطناعي هو الخيار الأفضل، لأنه يمنح النتيجة الأقوى وهو ما يسعى إلى تطويره باستمرار.

وأضاف أن هذه التقنيات تتطور بسرعة مذهلة مع تحديثات شبه أسبوعية تجعل النتائج أكثر واقعية.

وكشف «ناجي» أن من أصعب الأعمال التي نفذها كان كليب الفنان محمد رمضان «لسه بدري عليه»، إذ استغرق العمل عليه 26 ساعة فقط رغم أنه تضمن عدة مشاهد ولوكيشنات، إضافة إلى تقنية تحريك الشفاه «Lip Sync».

وأشار إلى أن النتيجة أبهرت «رمضان» نفسه الذي عبر عن سعادته بما شاهده.

وعن التحديات التي يواجهها، أوضح «ناجي» أن بناء «الكاركتر» الخاص بالفنان يعد الأصعب.

وقال إن تنفيذ مشهد لشخص عادي في الشارع أمر سهل، لكن عندما يتعلق الأمر بنجم مثل محمد رمضان يجب بناء شخصية رقمية كاملة تحاكي شكله وحركاته بدقة ثم استكمال باقي المشاهد بها وهذا تحد كبير خاصة في الأغاني الدرامية لأن نقل الانفعالات الإنسانية لا يزال أمرا معقدا عبر الذكاء الاصطناعي ولكن خلال الايام الماضية قدرت في كليب لعمرو دياب اني اتجاوز تلك الصعوبة وهذا يعني ان كل شيئ وارد في المستقبل.

واختتم «ناجي» حديثه قائلا: «بعد عشر سنوات قد تختفي وظائف الإخراج والتصوير والمونتاج بشكل كبير إذا لم يطور العاملون في هذه المجالات مهاراتهم لأن الذكاء الاصطناعي أقل تكلفة وأسرع إنجازا ويمنح جودة تضاهي الواقع ومع ذلك سيبقى الإنسان جزءا أساسيا من الفن».

على الجانب الآخر، يرى المخرج والمنتج الفني بيسو عامر، أن الذكاء الاصطناعي ليس نهاية للإبداع البشري بل هو تطور لأدوات الصناعة فقط إذا تم استغلاله بشكل صحيح.

وأكد «عامر» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن التطور التكنولوجي في صناعة السينما مستمر منذ سنوات فشكل الكاميرات اليوم مختلف تمامًا عن قبل خمس سنوات وشكل الكاميرات قبل خمس سنوات كان مختلفًا عن قبل عشر سنوات والتكنيك نفسه يتغير باستمرار.

وعن لجوء بعض المطربين لتصوير كليبات باستخدام الذكاء الاصطناعي، قال «عامر» إن الأمر ليس لتقليل التكلفة بل العكس فالتكلفة أعلى لأن عدد الخبراء القادرين على التعامل مع المجال قليل وشركات الذكاء الاصطناعي لا تزال في مرحلة تجريبية ولم تصل بعد إلى الاحتراف الكامل ولكن الهدف دعائي واستخدام شيء جديد فقط.

الناقد الغني طارق الشناوي

217 (1)

الناقد الموسيقي أحمد السماحي

218

المخرج أكرم ناجي

216

المخرج بيسو عامر

215