رئيس التحرير
خالد مهران

بين المعالجة الدرامية والخطر المجتمعى..

أزمة فنية بسبب تصوير أحمد الفيشاوى فيلم «سفاح التجمع»

النبأ

تصاعدت حالة واسعة من الجدل بين الجمهور والنقاد، منذ إعلان الفنان أحمد الفيشاوي والمخرج محمد صلاح العزب عن بدء التحضير لفيلم جديد بعنوان «سفاح التجمع».

وارتفعت حدة الهجوم بعد الكشف أن الفيلم مأخوذ عن واحدة من أبشع الجرائم الجنائية التي وقعت في مصر خلال العامين الماضيين والمتهم فيها شاب يدعى كريم سليم عرف إعلاميا بلقب «سفاح التجمع».

من الجريمة للنقض

تعود بداية القضية إلى نوفمبر 2023 حين عثر على جثة فتاة تدعى «نورا» في منطقة صحراوية بالتجمع الأول بعد أن استدرجها المتهم إلى شقته واعتدى عليها وقتلها. 

ثم بعد ذاك عثر على جثتين لسيدتين بنفس الأسلوب في طريقي السويس والإسماعيلية مما دفع الأمن لتكثيف التحريات التي أسفرت عن القبض على المتهم في 24 مايو 2024.

وخلال التحقيقات اعترف بتفاصيل جرائمه وضبطت بحوزته تسجيلات مصورة توثق عمليات القتل.

أُحيل إلى المحاكمة في يونيو 2024، وفي 12 سبتمبر 2024 قضت محكمة جنايات القاهرة بالإعدام شنقا وتم تأييد الحكم استئنافيا في ديسمبر من نفس العام، فيما تحددت جلسة لنظر الطعن أمام محكمة النقض في 15 مارس 2026.

أبطال «سفاح التجمع»

أثار ظهور أحمد الفيشاوي في مقطع فيديو، بملامح القاتل وبنفس طريقة الملابس والنظارات والوشوم وحتى تهذيب الذقن، تفاعلا كبيرا عبر «السوشيال ميديا».

وأكد عدد كبير من الجمهور، أن هناك شبه كبير بين «الفيشاوي» والسفاح الحقيقية، لترتفع حدة الجدل بين مؤيد ومعارض للفكرة نفسها.

وتجسد الفنانة صابرين دور والدته، بينما تقدم الفنانة انتصار دور مساعدته في استدراج الضحايا.

أما الفنانة سينتيا خليفة فتؤدي دور زوجته المقيمة في الخارج، في حين تجسد دنيا سامي وفاتن سعيد شخصيتين من بين ضحاياه.

ويشارك في البطولة أيضا رنا رئيس ومريم الجندي وآية سليم ونور محمود.

ويعد فيلم «سفاح التجمع» أول تجربة إخراجية للمؤلف محمد صلاح العزب الذي تولى أيضا كتابة السيناريو، فيما يتولى الإنتاج أحمد السبكي.

عمل بعيد عن الواقع

من جانبه، قال الكاتب والمخرج محمد صلاح العزب: «الحمد لله الحمدلله أنا شغال مع نجم بيذاكر 24 ساعة وبياكل كتير وبيتمرن 3-4 ساعات يوميا ومبيعملش أي حاجة في حياته غير عشان السفاح».

وأكد «العزب» أن الفيلم مستوحى من أحداث حقيقية لكنه لا يجسد الوقائع بشكل حرفي وإنما يُقدم كعمل درامي سينمائي معتمدا على تحقيقات النيابة والإستعانة بأطباء نفسيين وتحقيقات صحفية وتسجيلات من السوشيال ميديا للسفاح وضحاياة وأسرهم.

وأضاف أن اختيار «الفيشاوي» جاء استجابة لرغبة الجمهور منذ الإعلان عن المشروع.

ورغم اعتراضات لبنى ياقوت طليقة المتهم على العمل الفني، أعلن الفنان أحمد الفيشاوي بدء تصوير الفيلم.

وأكدت «ياقوت» أن سفاح التجمع لا يستحق تقديم فيلم عنه، مشيرة إلى أن ذلك قد يمنحه شعورًا بالسعادة داخل محبسه لأنه كان يتمن" أن يقدم عنه فيلم.

وتساءلت عن مستقبل الضحايا الذين ما زالوا على قيد الحياة وشعورهم بإعادة فتح جراح الماضي، متسائلة: «لماذا علينا أن نعيش حياة نتذكر فيها ما فعله بنا؟»

وأكدت أن تقديم مثل هذه الأعمال قد يشجع آخرين على ارتكاب جرائم مشابهة سعيا وراء الشهرة والضوء الإعلامي.

ولفتت إلى الأثر النفسي المحتمل على ابنها، محذرة من أن الفيلم قد يدفعه إلى العزلة والانسحاب من المجتمع.

وطالبت «ياقوت» المساعدة لإيقاف العمل، مشيرة إلى أن اللجوء للقضاء قد يستغرق وقتًا طويلًا يتجاوز العام وهو ما قد يكون كافيًا لإنجاز الفيلم.

وأوضحت أن صناع العمل لم يتواصلوا معها أو مع ابنها لأخذ إذن بشأن ظهورهما في القصة.

أول تعليق من «السبكي»

وفي السياق ذاته، رد المنتج أحمد السبكي على طليقة «سفاح التجمع» بشأن تشابه حياة طليقها مع أحداث الفيلم الذي يقوم ببطولته أحمد الفيشاوي.

وقال «السبكي»: «هي مطلقة بقالها 7 سنين وجاية تتكلم دلوقتي».

وأضاف أن طليقة السفاح «تفتعل زوبعة» مشيرا إلى أن «في الفيلم خلال الأحداث السفاح عنده بنت بينما في الحقيقة هو عنده ابن يعني هناك اختلاف كبير، ومتخافش على ابنها السفاح هنشيله في عنينا».

وأكد «السبكي» أن فيلم «سفاح التجمع» حصل على موافقة الرقابة، مؤكدا أن أحمد الفيشاوي حقق نجاحًا كبيرًا خاصة في أدوار الشخصيات السيكوباتية.

دموية لا تفيد المجتمع

على الجانب الآخر، يرى الناقد الفني حسين شمعة، أن الأعمال التي تعتمد على العنف والقتل لا تقدم أي قيمة للمجتمع بل على العكس تؤثر عليه بشكل سلبي، خاصة أن «سفاح الجيزة» سبق وتم تقديمه، والآن يظهر فيلم آخر بعنوان «سفاح التجمع» ما ينبئ بأنه سيكون دمويا منذ البداية.

وأضاف «شمعة» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-: «إحنا خلاص زهقنا من النوعية دي من القصص وحتى لو الإنتاج جيد فالقصة بتكون رديئة جدا زي فيلم ريستارت لتامر حسني اللي عمل إيرادات حسب البيانات لكن القصة كانت ضعيفة جدًا».

وتابع: «عندنا قصص تقدر تعالج مشاكل الشباب أو الكبار، زي عقوق الوالدين وصلة الرحم إنما إحنا مبقاش عندنا ده وبنشوف أفلام زي سفاح التجمع وبيجيبو الفيشاوي يعمل دور سفاح! أنا برفض النوعية دي تمامًا».

وشدد «شمعة» على ضرورة وجود رقابة صارمة من البداية، قائلا: «مش بس الرقابة تراجع مشهد أو لقطة لا لازم تراجع فكرة الفيلم من الأساس ولو القصة فيها دموية أرفضها تمامًا مش أرفض مشهد بس».

واستكمل: «زي ما وزارة الداخلية بتقبض على البلوجرز اللي بيقدموا محتوى مضر، برضه المفروض نرفض اللي بيجسد شخصيات دموية.. ده فساد وده فساد وهيبوظ شبابنا».

واختم حديثه قائلا: «أنا لسه مقرتش السيناريو بس سفاح التجمع مش هيبقى عن بيع السبح يعني! فلازم الرقابة تبدأ من أول الكتابة من اختيار الاسم نفسه».

أعمال تضر بالمجتمع

بينما يرى الدكتور طارق سعد، الناقد الفني، أن فيلم «سفاح التجمع» يعد سلاحا ذو حدين، موضحا أن الدراما سواء في السينما أو التلفزيون قادرة على تحويل أي قضية إلى تجربة أكثر ثراء وتأثير من مجرد خبر أو مقال بما يساعد على تسليط الضوء على الجوانب السلبية داخل المجتمع بهدف تجاوزها.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-: «المشكلة ليست في التناول وإنما في المعالجة لأنها قد تكون خطرًا أكبر من القصة نفسها، هناك أعمال درامية مثل بعض أفلام محمد رمضان، قدمت نماذج أضرت بالمجتمع لأنها أعطت الجمهور أفكارًا عن العنف أو المخدرات بدلا من التوعية».

وأشار إلى أن فيلم «سفاح التجمع» يحمل كثيرا من الخطورة خاصة وأن جمهوره سيكون من مختلف الأعمار، متابعا: «الخطر الأكبر يطال فئة البالغين أصحاب التعليم المحدود لأنهم قد يفهمون العمل بشكل خاطئ ويقلدونه وده بيحصل في أعمال كتير مش بس في الفيلم ده».

وأوضح «سعد» أن خطورة الفيلم تكمن في تفاصيل القصة، معقبا: «إحنا مش بنتكلم عن سفاح عادي إحنا قدام جريمة مركبة فيها تعاطي مخدرات وعلاقات غير مشروعة وقتل وإخفاء معالم الجريمة وده أخطر من أي عمل قدم سفاح قبل كده».

وأكد أن وضع تصنيفات عمرية مثل (+18) أو (+16) غير كاف لأن المشاهدة باتت متاحة للجميع، مشددا على ضرورة مراعاة طريقة تقديم هذه الجرائم الحساسة على الشاشة.

وتساءل: «هل سيخرج الجمهور من الفيلم وهو يرى السفاح شخصية ذكية وأسطورة؟ أم ستُقدَّم رسالة وعي حقيقية؟ هنا يتحدد نجاح العمل أو خطورته».

وانتقد «سعد» المؤلف محمد صلاح العزب، مشيرا إلى أن مسلسله السابق «سفاح الجيزة» لم يكن ناجحًا بالمعنى الكامل سواء على مستوى المعالجة أو الرسالة، معبرا عن استغرابه أن «العزب» الذي يخوض تجربة الإخراج للمرة الأولى خرج بعد حملة الدعاية ليعلن أن «سفاح التجمع» لا يجسد القصة الحقيقية وإنما عمل مستقل، رغم أن أحمد الفيشاوي جرى تجهيزه ليبدو نسخة مطابقة للمتهم وأكد المنتج على كلامه بأن السفاح الحقيقي لديه ابن بينما في الفيلم لديه ابنة.

وأضاف: «الفيلم من بطولة أحمد الفيشاوي وهو فنان موهوب وشاطر، لكن مشكلته أنه ملوش جمهور كبير وآخر أعماله لم تحقق نجاحا ملحوظا وده عامل مقلق».

واختتم طارق سعد حديثه قائلًا: «نجاح الفيلم لا يقاس بعدد المشاهدات أو الإيرادات لأن دي عوامل ممكن تكون مضللة أحيانا والقياس الحقيقي هو رد فعل الجمهور والنقاد بعد عرض العمل».

كشف الواقع

ومن جانبه قال المخرج المنفذ والكاتب أحمد محمود عبد العزيز، إن تناول الأعمال الفنية لقضايا القتل والجريمة لا يعني بالضرورة التحريض على العنف بل قد يكون له دور توعوي قوي في كشف الواقع وتسليط الضوء على الخلل المجتمعي.

وأوضح «عبد العزيز» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن السينما تنقسم لأكثر من هدف، متابعا: «السينما هدفها الأساسي المتعة والتسلية لكن في نفس الوقت ليها دور توعوي مهم، الناس بتحب الأكشن والجريمة من زمان وده ظهر من أول فيلم The Godfather "الأب الروحي" اللي بيعتبره النقاد والجمهور من أعظم أفلام السينما لأنه تناول عالم العصابات بشكل واقعي ومبهر».

وأضاف: «لازم نوعي الناس وخصوصا الأطفال إن في شر ممكن يوصل لمراحل خطيرة وعلشان كده لازم يكون في وعي ومراقبة زي اللي بيحصل في الدارك ويب الخطر حوالينا والأهالي لازم تبقى منتبهة».

واستكمل: «فكرة أن فيلم ممكن يولد عنف مش دقيقة كفاية تفتح صفحة الحوادث وتشوف جرائم يشيب لها الولدان، الشر بقى موجود في العالم كله وده باين في اللي بيحصل في غزة من سادية وتعذيب».

واستطرد: «هل مثلا مسلسل لام شمسية كان بيحرض على التحرش؟ لأ هو ناقش ظاهرة اجتماعية وسلط الضوء عليها، وده نفس منطق فيلم سفاح التجمع اللي بيسلط الضوء على جريمة علشان الناس تاخد بالها مش علشان تقتدي بيها».

وأشار إلى أن أعمال الجريمة تقوم بالإشارة إلى وجود خلل ما، معقبا: «التنوع في الأفلام ضروري، مش لازم كل الأعمال تبقى أكشن أو كوميديا إحنا محتاجين نشوف الجريمة والرومانسي كمان، التكرار بيقتل المتعة ولو السينما لون واحد الجمهور هيزهق، كل مخرج وكاتب ليه وجهة نظر وأنا واثق إن الأستاذ صلاح العزب هيقدم فيلم ممتع ومختلف».

وفيما يخص التعاون مع المؤسسات الدينية أو النفسية عند إعداد العمل قال: «نجيب محفوظ مكانش بيرجع لحد وهو بيكتب ولو حصل كده مش هيبقى في جديد وكل الناس هتكون شبه بعض، وعلى الرقابة إنها تحدد الفئة العمرية +18 أو +12 لكن الإبداع لازم يكون حر».

واختتم حديثه قائلا: «الفنان أحمد الفيشاوي ممثل كبير وعنده إمكانيات عالية والدور ده جريء وهيكون عودة قوية ليه على الساحة الفنية».

كارثة على المراهقين والشباب

وفي سياق آخر، قالت الدكتورة أميمة السيد، استشاري العلاقات الزوجية والأسرية والتربوية، إن الأعمال الفنية التي تتناول الجرائم والقتل والعنف بشكل متكرر قد تسهم بشكل مباشر في التأثير السلبي على سلوك الأفراد خاصة المراهقين والشباب.

وأضافت -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن دراسات علم النفس الإعلامي أثبتت أن التعرض المتكرر لمشاهد العنف يؤدي إلى تطبيع العنف نفسيًا وسلوكيًا لا سيما لدى الفئات العمرية التي لا تزال في مرحلة التكوين النفسي، مثل الأطفال والمراهقين حيث يتم تقليد السلوك العنيف من خلال ما يُعرف بالتعلم بالملاحظة.

وأوضحت أن تكرار هذه المشاهد قد يؤدي إلى ما يسمى بـ«التبلد العاطفي» وهو فقدان تدريجي لحساسية المشاهد تجاه العنف حتى يصبح لديه ضعف في التمييز بين الخطأ والصواب ويرى العنف وكأنه أمر طبيعي.

واستكملت: «الأخطر أن بعض الأعمال تُظهر الجاني بشكل جذاب أو ذكي أو كمضطهد، مما يخلق نوعًا من التعاطف اللاواعي أو الإعجاب بشخصية القاتل وهو ما يُعد تشويشًا على القيم الأخلاقية خاصة لدى الفئات الأكثر هشاشة نفسيًا».

وفيما يتعلق بالأثر المباشر لمثل هذه الأعمال، أكدت «السيد» وجود ما يسمى بـ«الجرائم المقلدة»، حيث يقوم بعض الأشخاص بتقليد جرائم سبق لهم مشاهدتها عبر وسائل الإعلام أو الأعمال الفنية، مشيرة إلى أن ذلك يحدث غالبا مع من يعانون من اضطرابات نفسية أو اضطرابات في الهوية.

وعن السبب في انجذاب الجمهور لهذه الأعمال قالت: «الدافع الرئيسي هو الفضول النفسي المرضي (Morbid Curiosity) والرغبة في استكشاف الجوانب المظلمة في النفس البشرية، كما أن ضغوط الحياة والواقع الاجتماعي تجعل الجمهور يبحث عن نوع من التنفيس النفسي من خلال هذه المشاهد».

وفيما يتعلق بتصنيف الأعمال حسب الفئات العمرية، أوضحت أن ذلك غير كافٍ إطلاقا لحماية الأطفال والمراهقين مضيفة: «يجب أن يصاحبه رقابة أسرية وتوعية مجتمعية لأن التصنيف مجرد مؤشر بينما الرقابة التربوية هي خط الدفاع الحقيقي».

كما فرّقت بين تقديم الجرائم بهدف التوعية وتقديمها لغرض الإثارة أو الربح قائلة: «التناول التوعوي يركز على تحليل الدوافع النفسية ويوجه رسالة قيمية أما التناول التجاري فيضخم الجريمة لتحقيق الإثارة دون أدنى مراعاة للأثر النفسي أو الأخلاقي».

ودعت «السيد» إلى فرض ضوابط فنية وأخلاقية صارمة على الأعمال التي تتناول الجرائم مشيرة إلى أهمية وجود مواثيق إعلامية تراعي الصحة النفسية للمجتمع وخصوصية الضحايا، مع الالتزام بالحد الأدنى من المسؤولية الاجتماعية.

وفي ختام حديثها وجهت نصيحة إلى صناع الدراما قائلة: «تحلوا بالمسؤولية الأخلاقية والوعي المجتمعي ووازنوا بين الترفيه والرسالة ولا مانع من التعاون مع المتخصصين النفسيين والاجتماعيين لضمان تقديم محتوى يحترم عقل ووجدان المشاهد دون تمجيد للجريمة أو تزيين للجناة».

219775-فيلم-سفاح-التجمع