المستشار وليد عز الدين يكتب: الفصل في الطعون الانتخابية بين المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض
يثير تحديد جهة الاختصاص بالفصل في الطعون الانتخابية إشكالية قانونية دقيقة تمس جوهر العملية الديمقراطية، وتكشف عن دقة البناء الدستوري في توزيع الاختصاصات بين جهات القضاء، وبصفة خاصة بين المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض، في مسائل تتعلق بإجراءات الانتخابات وصحة العضوية البرلمانية.
وقد استقر الفقه والقضاء على أن الاختلاف بين الجهتين لا يقوم على مجرد طبيعة القرار، وإنما على مرحلة القرار في المسار الانتخابي.
فالمحكمة الإدارية العليا تختص بالفصل في القرارات الإدارية السابقة على إعلان النتيجة النهائية بالفوز، والتي تتصل بإجراءات الاقتراع والفرز، أو قرارات إجراء الإعادة بين المرشحين، وكل ما يدخل في نطاق التنظيم الإداري للعملية الانتخابية.
أما محكمة النقض فتنفرد – دون غيرها – بالاختصاص الدستوري في الفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، وهو اختصاص لا ينعقد إلا بعد اكتساب العضوية فعليًا بصدور القرار النهائي بإعلان الفوز.
فلا يُتصور قانونًا الطعن أمام محكمة النقض إلا إذا كانت هناك عضوية قائمة بالفعل، ولا تتسع ولايتها للقرارات السابقة على إعلان الفوز، ولو تعلقت بتحديد المرشحين في جولة الإعادة.
أولًا: متى ينعقد اختصاص محكمة النقض؟
حدد الدستور المصري في المادة (107) أن محكمة النقض تختص بالفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، على أن تُرفع الطعون خلال ثلاثين يومًا من إعلان النتيجة النهائية، وتفصل فيها خلال ستين يومًا.
ومؤدى ذلك أن اختصاص محكمة النقض مشروط بشرط جوهري، هو:
وجود عضوية مكتسبة فعلًا، ولا تقوم هذه العضوية إلا بإعلان رسمي للفوز.
ثانيًا: دور المحكمة الإدارية العليا في العملية الانتخابية
يمتد اختصاص مجلس الدولة – والمحكمة الإدارية العليا في قمته – ليشمل جميع المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية الصادرة أثناء العملية الانتخابية، ما دامت لم تُنشئ عضوية برلمانية بعد.
ومن أمثلة ذلك:
• الطعون المتعلقة بإجراءات الاقتراع والفرز.
• الطعن في قرارات اللجان بشأن إجراء الإعادة بين المرشحين.
• الطعن على قرارات لها أثر إداري مباشر على مسار العملية الانتخابية.
ثالثًا: موقف دائرة توحيد المبادئ
أكدت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الشهير في الطعن رقم (6264 لسنة 57 قضائية عليا – جلسة 7 مايو 2011):
أن الطعن في القرارات الصادرة بإعلان نتيجة الانتخابات التي تضمنت إعادة الانتخابات بين بعض المرشحين، يندرج ضمن اختصاص مجلس الدولة، وليس محكمة النقض، لأن العضوية لم تُكتسب بعد.
وأرست مبدأً حاسمًا مفاده:
أن نطاق اختصاص محكمة النقض لا يبدأ إلا من لحظة اكتساب العضوية.
رابعًا: التظلم من إجراءات الاقتراع والفرز
قانون مباشرة الحقوق السياسية أجاز التظلم من أي إجراء من إجراءات الاقتراع أو الفرز أمام الهيئة الوطنية للانتخابات خلال 24 ساعة فقط من إعلان الحصر العددي للأصوات.
واشترط القانون ضرورة سلوك هذا الطريق قبل اللجوء إلى القضاء، حفاظًا على انتظام العملية الانتخابية وسرعة الفصل فيها.
خامسًا: شطب المرشح والجهة المختصة
اختصرت فلسفة المشرّع الأمر في أن يكون شطب المرشح منوطًا بالمحكمة الإدارية العليا، بناءً على طلب رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو ما يرسخ مبدأ الرقابة القضائية السريعة على النزاهة الانتخابية.
إن حسن توزيع الاختصاصات بين المحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض لا يمثل مجرد تنظيم إجرائي، بل هو جوهر التوازن بين الشرعية الإدارية والشرعية الدستورية.
فما قبل إعلان الفوز يظل خاضعًا لرقابة القضاء الإداري، بوصفه قاضي المشروعية، وما بعد إعلان الفوز يدخل في صميم اختصاص محكمة النقض، بوصفها حامية لصحة التمثيل النيابي، وهكذا تتكامل المنظومة القضائية في حماية الإرادة الشعبية، وصون الشرعية الدستورية، وتحقيق الثقة في العملية الانتخابية
