تجديد الخطاب الدينى أم «شو إعلامى»..
سر التعاون الغامض بين وزارة الأوقاف ونقابة المهن التمثيلية لدعم الدراما الدينية

رغم مرور ما يقرب من شهر على لقاء الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، ومجلس نقابة المهن التمثيلية برئاسة الدكتور أشرف زكي، للتعاون فيما بينهما في دعم الدراما الدينية والأنشطة الثقافية ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» إلا أن علامات الاستفهام لا تزال قائمة حول مخرجات التعاون أو البروتوكول الذي أُعلن عنه لدعم الدراما الدينية والمشروعات الثقافية والفنية.
فحتى الآن لم تعلن أي تفاصيل عملية حول التعاون، الأمر الذي أثار جدلا واسعا بين مؤيد يرى أن الخطوة بداية لتجديد الخطاب الديني عبر الفن، ومن يعتبرها مجرد «شو إعلامي» بلا مضمون.
إحياء مشروع قديم
في هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي والسيناريست سمير الجمل، إنه طالب منذ سنوات بمثل هذا التعاون بين وزارة الأوقاف ونقابة المهن التمثيلية.
وأضاف «الجمل» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن الخطوة الأهم التي ينتظرها تتمثل في إنشاء شركة الدراما الدينية التابعة للأوقاف، موضحا أنه سبق أن طرح هذا المقترح أكثر من مرة على وزير الأوقاف السابق الدكتور مختار جمعة الذي لم يلتفت إليه وكان يعيش لنفسه ولا يهتم بأي شيء، بينما يلمس اليوم تفهما أكبر من الدكتور أسامة الأزهري الذي بادر إلى لقاءات واتصالات مع مؤسسات عدة مثل الإذاعة وغيرها.
وأكد أن أي مشروع كبير يبدأ بفكرة ثم بلقاءات ونقاشات قبل أن يتحول إلى واقع، مشيرا إلى أن لديه معلومات عن تواصل غير رسمي جرى بين وزارة الأوقاف والإذاعة والتليفزيون من أجل تقديم عدد من المشروعات، لكنه يرى أن الأهم هو التفكير الجاد في إطلاق شركة الدراما الدينية التي يمكن أن تنتج مسلسلات إذاعية وتليفزيونية وأعمالا قصيرة مستمدة من السنة النبوية المشرفة معتبرا أن هذه الخطوة تمثل تجديدا حقيقيا للخطاب الديني.
وأوضح أن ما يقال في خطبة بالمسجد يسمعه مئات فقط بينما العمل الدرامي قد يصل إلى ملايين فضلا عن إمكانية ترجمة هذه الأعمال ودبلجتها لتعرض في مختلف البلدان الإسلامية، وهو ما يضمن نجاح المشروع وعدم خسارته، خاصة وأن وزارة الأوقاف لديها بالفعل استثمارات في مجالات أخرى مثل بنك مصر وشركات الكمامات وغيرها، ومن ثم فمن باب أولى أن تستثمر في مجال الدراما الدينية وإلا ما كان منتجو القطاع الخاص ليستمروا في هذا المجال ويحققوا الأرباح.
ولفت إلى أن خطته تقوم على إحياء الدراما الدينية والتاريخية عبر مشاهد درامية قصيرة تجسد مواقف من القرآن والسنة في دقائق معدودة لتوصيل الرسالة بوضوح.
وأوضح «الجمل»، أن التجديد لا يعني المساس بالثوابت بل تطوير طريقة التوصيل مستشهدا بتاريخ انتقال قراءة القرآن من حضور محدود في المساجد والمقابر إلى اتساع نطاقه باستخدام الميكروفون ثم الإذاعة التي جعلته يصل إلى الملايين.
وأشار السيناريست سمير الجمل، إلى أنه انتهى من كتابة مسلسل «محمد عليه الصلاة والسلام» المكون من 30 حلقة عام 2009، وفيلمًا روائيًا وثائقيًا بعنوان «القرآن يتكلم» قبل عامين الذي يروي قصة جمع القرآن ويركز على دور زيد بن ثابت بعد أن حصل العملان على موافقة الأزهر الشريف، إلا أنه ما زال يبحث عن منتج لهما في مصر والدول العربية.
شو إعلامي
على الجانب الآخر، يرى الناقد الفني أمين خيرالله، أن عدم الإفصاح عن أي معلومات عن التعاون أو البروتوكول بين وزارة الأوقاف ونقابة المهن التمثيلية يدل على غياب خطة أو رؤية واضحة لدى الطرفين وما يحدث لا يتجاوز كونه شو إعلامي.
وأضاف «خيرالله» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»: «السؤال هنا لماذا لم تُعلن تفاصيل التعاون؟ التفسير الوحيد هو عدم وجود خطة حقيقية، والاكتفاء بالاتفاق بشكل مفاجئ مع البحث لاحقًا عن فكرة يُقدَّم بها البروتوكول كنتاج».
وتابع: «أما إذا كان الهدف إنتاج أعمال درامية فهذا مقبول والأزهر يقوم بدور المراجعة والفتوى باستثناء جانب الإنتاج، من الطبيعي أن تعلن المؤسستان تفاصيل التعاون للرأي العام كما تنشر الوزارات موازناتها وأرقامها أو تفعل النقابات مع أعضائها».
واختتم حديثه قائلا: «غياب الإفصاح يعني ببساطة غياب الخطة ولذلك أطالب بالكشف عنها التزامًا بالشفافية واحترا لحق المجتمع في المعرفةخاصة مع تأكيد الرئيس على أهمية حرية تداول المعلومات».
الأوقاف ترد
من جانبه، قال الدكتور أسامة رسلان، المتحدث الرسمي باسم وزارة الأوقاف، إن الاجتماع بين الطرفين لم يتضمن توقيع أي بروتوكولات بل كان لقاء لبحث مجالات التعاون الممكنة وتبادل الرؤى والخبرات حول كيفية إيصال الرسائل المناسبة بالوسائل المناسبة.
وأكد «رسلان» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن التعاون المطروح يشمل إبداء الرأي في كيفية تجديد وسائل تقديم الرسالة الوعظية بشكل درامي، وذلك بالتعاون مع المتخصصين لبحث آلية التنفيذ ومتطلباته.
وأشار إلى أنه لم يتم التطرق بعد إلى اختيار الممثلين لتقديم مادة درامية لأن التباحث ما يزال في مرحلة مبدئية للغاية.
وعن إنتاج وزارة الأوقاف لأعمال درامية وعظية، أوضح «رسلان» أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة مستقلة ولا يمكن الجزم به حاليًا، علمًا بوجود دراسة معنية به مع أطراف أخرى.
وشدد على أن ما يجري هو مجرد مناقشات لتصور مبدئي حول شكل التعاون سواء بتجسيد شخصيات تاريخية أو من خلال مادة معاصرة تقدم في قالب درامي.
وأضاف أن هناك أفكارا متعددة تعرض وتناقش لتحديد ما هو الأنسب والأولى بالتنفيذ.
واختتم حديثه قائلًا: «الدراما قد تكون في بعض الأحيان أبلغ أثرا من خطبة الجمعة ونحن بحاجة إلى مخاطبة المجتمع بكل وسيلة ممكنة ومادامت وسيلة مقبولة فلماذا لا نستخدمها لإيصال الرسالة إلى مختلف فئات الناس؟!».
عودة الأعمال الدينية
وفي سياق متصل، أكد الناقد الفني حسين شمعة، أن التعاون الجاري بين نقابة المهن التمثيلية ووزارة الأوقاف من المتوقع أن يكون محدودًا في البداية ومركزا على إنتاج أعمال دينية مثل مسلسلات أو أفلام تاريخية دينية تعتمد في مرجعيتها على مشايخ الأزهر، وذلك ضمن مبادرة رئيس الوزراء «صحح مفاهيمك».
وأشار «شمعة» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- إلى أن توسيع نطاق هذا التعاون قد يسهم في خلق أثر تنموي وديني وأخلاقي جديد لدى الأجيال القادمة، لافتًا إلى أن الفن والدراما لهما تأثير مباشر على الوعي الاجتماعي وتعزيز الولاء وحب الوطن وترسيخ القيم الأخلاقية النبيلة.
وأوضح أن ارتفاع التكاليف كان عائقًا أمام المنتجين، لكنه شدد على ضرورة عودة الأعمال الدينية والتاريخية لما لها من دور في تشكيل السلوك الإنساني والفكري ومواجهة الفكر المتطرف.
خطوة للارتقاء
وفي السياق ذاته، قال الدكتور وجيه محمود، أستاذ متفرغ بكلية الأداب جامعة المنيا، ورئيس قسم الدراسات الإسلامية، إن تعاون وزارة الأوقاف مع نقابة المهن التمثيلية خطوة مهمة على طريق الارتقاء بالأعمال الفنية وموضوعاتها ويعكس إدراك الوزارة لدورها في بناء جسور التواصل بين أطياف المجتمع وتصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز القيم والمبادئ التي تضع الأمة في موقعها الحقيقي بين الأمم.
وأضاف «محمود» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن الفن أصبح له دور كبير في حياة الناس شبابا وشيوخا رجالا ونساء صغارا وكبارا ويجب أن يسير هذا المؤثر الاجتماعي في الاتجاه الصحيح ليكون أداة بناء ورقي وتنمية لا أداة هدم.