رئيس التحرير
خالد مهران

ظاهرة تتجاوز حدود التسلية

ضبط صانعي محتوى بالقاهرة بتهمة بث مقاطع خادشة للحياء

المتهمان
المتهمان

لم تتوقف الأجهزة الأمنية عند حدود متابعة الجرائم التقليدية، بل امتدت أعينها إلى العالم الافتراضي الذي صار مسرحًا مفتوحًا لممارسات تمس القيم والأخلاقيات العامة. ففي واحدة من القضايا التي أثارت جدلًا واسعًا، تمكنت الإدارة العامة لحماية الآداب بقطاع الشرطة المتخصصة من ضبط شخصين بالقاهرة لقيامهما بتصوير مقاطع فيديو منافية للآداب العامة وبثها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

تحريات دقيقة

أكدت المعلومات الأولية والتحريات الأمنية أن المتهمين لم يكتفيا بمجرد نشر مقاطع عابرة، بل حوّلا نشاطهما إلى وسيلة للكسب غير المشروع عبر الإعلان عن ممارستهما أعمالًا منافية للآداب مقابل مبالغ مالية. هذه الممارسات، وفق ما جاء في التحريات، مثّلت اعتداءً واضحًا على قيم المجتمع وأخلاقياته.

ضبط المتهمين

وعقب تقنين الإجراءات القانونية، نصبت الشرطة كمينًا للمتهمين في نطاق قسم شرطة قصر النيل بالقاهرة، حيث تم ضبطهما وبحوزتهما هاتفان محمولان. وبفحص الأجهزة فنيًا، عُثر على دلائل ومقاطع تؤكد تورطهما في النشاط الإجرامي. لم يستطع المتهمان إنكار ما نسب إليهما، فأقرا بأن الهدف من هذه المقاطع كان جذب نسب مشاهدة عالية لتحقيق أرباح مالية سريعة، مستغلين خوارزميات مواقع التواصل وشغف بعض المستخدمين بهذا النوع من المحتوى.

من الاعتراف إلى الإجراءات القانونية

الاعترافات أكدت ما ورد في التحريات، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية إلى استكمال الإجراءات القانونية اللازمة وإحالة المتهمين إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيقات، تمهيدًا لمحاكمتهما وفقًا للقانون.

جرائم الإنترنت… التسلية التي تنقلب إلى جريمة

القضية الأخيرة ليست الأولى من نوعها، إذ شهدت السنوات الماضية تصاعدًا في قضايا مشابهة مرتبطة بمحتوى الإنترنت، خاصة مع ظهور ما يعرف بـ "صناع المحتوى" أو "الإنفلونسرز". كثيرون منهم يسعون وراء الشهرة السريعة والأرباح المالية عبر بث مقاطع مثيرة للجدل، حتى وإن تجاوزت الخطوط الحمراء للقانون والأعراف الاجتماعية.

القانون يواجه التحدي الرقمي

وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون العقوبات المصري، تُعد الأفعال التي تتضمن نشر محتوى منافيًا للآداب عبر الإنترنت جريمة تستوجب العقوبة بالحبس والغرامة. وتؤكد وزارة الداخلية أن حملاتها لن تتوقف، وأنها ستواصل ملاحقة كل من يستغل المنصات الرقمية للإساءة إلى قيم المجتمع أو لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

انعكاسات اجتماعية خطيرة

المشكلة لا تتعلق فقط بمخالفة القانون، بل بمدى تأثير هذا النوع من المحتوى على النشء والمراهقين الذين يقعون في دائرة التقليد الأعمى، ما ينذر بمخاطر تربوية وأخلاقية حقيقية. ويؤكد خبراء علم الاجتماع أن هذه الممارسات تُضعف منظومة القيم، وتفتح الباب أمام انتشار سلوكيات غريبة لا تتماشى مع طبيعة المجتمع المصري.

دور المستخدمين

في المقابل، يرى متابعون أن المسؤولية لا تقع على صناع المحتوى فقط، بل تمتد إلى المستخدمين أنفسهم الذين يساهمون في رفع نسب المشاهدات ويشجعون مثل هذه المقاطع من خلال مشاركتها والتفاعل معها. وبدون وعي جماهيري بمخاطر هذا السلوك، ستظل الظاهرة في حالة تمدد رغم الملاحقات الأمنية.

قضية ضبط صانعي المحتوى في قصر النيل تمثل جرس إنذار جديد حول خطورة ترك الفضاء الإلكتروني دون رقابة أو وعي مجتمعي. ومع استمرار الأجهزة الأمنية في التصدي لهذه الجرائم، يبقى الرهان الأكبر على وعي الأفراد بضرورة رفض ومقاطعة المحتوى الذي يسيء للقيم ويستغل المنصات الرقمية في غير أهدافها.