عادل توماس يكتب: الإصلاح يبدأ من الداخل يا معالى الوزير

قال الدكتور أحمد زويل – رحمه الله – جملة تصلح أن تكون دستورًا للحياة: "الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء.. هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل."
وهذه الجملة تصلح أن تكون مرآة نرى فيها حال مصلحة الضرائب اليوم.. مؤسسة محورية في الدولة لكنها أحوج ما تكون الآن إلى مراجعة صادقة وإصلاح جذري.
مخالفة القرار الوزاري.. نموذج صارخ
قرار وزير المالية رقم 45 لسنة 2025 بترقية بعض العاملين إلى وظائف مدير عام قيادي لم يُنفذ كما صدر،
فبدلًا من تمكين أصحاب الحق من ممارسة مهامهم، أُصدرت أوامر تكليف بديلة: إبقاؤهم في أماكنهم السابقة أو نقلهم إلى إدارات ومأموريات أقل أهمية أو أبعد جغرافيًا، بينما جرى تفضيل آخرين أو تدوير المناصب لمصالح داخلية، الأسماء هنا واضحة – على سبيل المثال –: الأستاذ محمود محمد عبد الواحد، الأستاذ ياسر رجب مرسي، الأستاذ طه عبد العال، الأستاذ محمد أحمد سليم، والأستاذة تغريد سعيد سليمان، والأستاذة أمل صلاح نموذج صارخ لمعاناة الموظف داخل مصلحة الضرائب، فقد جرى نقلها تعسفيًا ثم إنهاء خدمتها بسبب تقدمها بشكاوى للصالح العام، وهي الشكاوى التي تبيّن لاحقًا صحتها ومطابقتها للواقع، ورغم صدور حكم قضائي لصالحها، إلا أنها لم تُعَد إلى عملها الأصلي، بل تم إبعادها من الجهة التي كانت منقولة منها، وكأنها تُعاقَب لمجرد أنها لم تصمت عن الفساد.
وهذا يعني ببساطة أن القرار الوزاري فقد قيمته القانونية لصالح أهواء إدارية.
العاملون.. ملفات على الرف
في أروقة المصلحة تتراكم الشكاوى والتظلمات وطلبات التحقيق لأشهر طويلة دون أن تتحرك من مكانها، وكأن الزمن هو أداة الإدارة الوحيدة.
خذ مثلًا ما حدث مع إحدى رؤساء المأموريات: طلبات تحقيق واضحة وملفات مكتملة لكنها لا تجد طريقها للنظر، بل تُركت فوق الرف بالوزارة تنتظر النسيان.
فهل هذا هو الإصلاح الإداري الذي نسمع عنه؟ كيف نطالب الموظف بالإنتاجية والشفافية بينما نتجاهل مطالبه المشروعة؟ وكيف نتحدث عن دولة رقمية بينما ملفات التحقيق لا تزال مركونة على الأرفف؟.
التكريم.. لكن على أي أساس؟
عندما يُكرَّم بعض قيادات المأموريات – كما حدث في المعادي والعجوزة والمهندسين – يطرح السؤال نفسه:
هل هذه التكريمات نتاج جهد حقيقي وفحص جاد ولجان منضبطة؟ أم أنها مجرد حصيلة إقرارات طوعية من الممولين أو شيكات قديمة أُعيد تدويرها لتجميل الصورة أو مبالغ محصلة تحت الحساب؟.
في إحدى المأموريات وصلت نسبة ما سُمي بالتحصيل إلى 120% مقارنة بالعام السابق، لكن عند التدقيق اكتُشف أنه مجرد إعادة تدوير لأرقام قديمة، والأرقام وحدها لا تكفي.. المعيار الحقيقي هو كيفية جمعها، أي دولة يمكنها أن ترفع شعار "التحصيل"، لكن القليل فقط يعرف كيف يحوله إلى نزاهة مؤسسية وحقيقة فعلية.
القانون.. هل يطبق أم يؤجل؟
السؤال الأعمق: هل يجوز الاستشكال على أحكام القضاء الإداري خارج نطاقها واستخدام ذلك ذريعة لوقف التنفيذ؟
انظر مثلًا إلى القضايا التي تابعها الأستاذ محمد ناصف أو الأستاذ أشرف الشوربجي: أحكام صريحة كان ينبغي أن تُنفذ بوصفها عنوانًا للحقيقة، لكنها دخلت في متاهات الاستشكالات والتأجيلات.
الاستشكال هنا لم يعد وسيلة قانونية، بل صار وسيلة للهروب من تنفيذ القانون، الدول التي سبقتنا لم تتقدم لأنها تجاهلت القضاء، بل لأنها جعلت من سيادة القانون خطًا أحمر.. أما نحن فنتعامل مع العدالة وكأنها سلعة قابلة للترحيل من عام إلى عام.
"كله تمام".. أخطر عبارة
أخطر ما تواجهه أي مؤسسة أن تغطي ضعفها بجملة واحدة: "كله تمام"، فهذه العبارة هي العدو الأول للتطوير، فالشفافية ليست شعارًا يُرفع وإنما ممارسة يومية.
السؤال أمام السيد الوزير
معالي الوزير يعلم أن ما نكتبه ليس عموميات، بل وقائع وأسماء محددة، والسؤال هنا مباشر: إذا كان زويل يرى أن الغرب يدعم الفاشل حتى ينجح، فهل سيدعم الوزير الناجحين ليستمروا؟ أم سيتركون ليُحاربوا حتى يسقطوا؟
التاريخ لا يرحم، والأجيال القادمة ستسأل: هل أصلحتم أم تركتم الفساد يتجذر؟ الإجابة عندكم يا معالي الوزير.. أما نحن فلا نسأل إلا لنسمع الحقيقة.