عادل توماس يكتب: لا حصانة فوق القانون.. مطلوب برلمان لخدمة الشعب لا لحماية الأفراد

منذ سنوات، والحصانة البرلمانية في مصر تثير جدلًا واسعًا، إذ يرى البعض أنها ضمانة أساسية لاستقلال النائب في مواجهة السلطة التنفيذية، فيما يعتبرها آخرون مظلة لحماية بعض النواب من المحاسبة على أفعال شخصية لا علاقة لها بالعمل النيابي، ومع كل دورة برلمانية تتجدد المطالب بضرورة إعادة النظر في فلسفة الحصانة، بحيث تقتصر على أداء المهام النيابية فقط، دون أن تتحول إلى حصن للإفلات من العقاب.
فلسفة الحصانة وأصلها
الأصل الدستوري للحصانة البرلمانية يقوم على مبدأ حماية النائب من أي مضايقات أو تهديدات قد تعطل ممارسته لدوره الرقابي والتشريعي، فالنائب منوط به أن يراقب الحكومة، وأن يعبر عن صوت الشعب دون خوف من الملاحقة، لذلك نص الدستور والقانون على منحه حصانة في مواجهة أي إجراءات جنائية، إلا بعد إذن من مجلس النواب.
لكن مع مرور الوقت، اتسع نطاق الحصانة بشكل جعلها تشمل حتى التصرفات الشخصية، وجرائم لا صلة لها بالعمل النيابي، وهنا تحولت الحماية إلى درع يُساء استخدامه، بدلًا من أن تكون ضمانة لحرية الكلمة والعمل العام.
دروس من حصانة المحامي
يمكن الاستفادة من التجربة المطبقة في مهنة المحاماة، فالمحامي يتمتع بحصانة مقصورة على ما يبديه من أقوال أو ما يتخذه من إجراءات أثناء دفاعه أمام المحاكم بمعنى أن الحصانة مرتبطة بالوظيفة فقط، ولا تمتد إلى حياته الشخصية، ولو ارتكب المحامي فعلًا مخالفًا للقانون خارج نطاق عمله، فإنه يُحاسب شأنه شأن أي مواطن.
هذا النموذج يمكن تطبيقه على النواب: الحصانة أثناء ممارسة العمل النيابي فقط، أما باقي الأفعال فتظل تحت سلطة القانون.
بين الاستقلال والمساءلة
المعادلة الدقيقة التي يجب الوصول إليها تتمثل في حماية النائب من أي ضغوط أو ملاحقات كيدية أثناء ممارسة عمله داخل البرلمان أو لجانه، وفي نفس الوقت، عدم السماح لأي نائب بالاحتماء بالحصانة إذا ارتكب جرائم جنائية أو تورط في مخالفات شخصية، وبهذا الشكل، يتحقق التوازن بين الاستقلال النيابي والمساءلة القانونية، فلا يصبح البرلمان ملاذًا للهروب من العدالة، ولا يتحول النائب إلى مواطن فوق القانون.
أثر التعديل على الترشح والتمثيل النيابي
الأهم أن تعديل الحصانة سيؤدي إلى تغيير نوعية المرشحين أنفسهم، فإذا كانت الحصانة اليوم تغري البعض بالترشح لأجل الحصول على حماية شخصية، فإن قصرها على المهام النيابية سيجعل من يدخل المعترك الانتخابي هو فقط من يسعى بصدق لخدمة أهالي دائرته، لا من يبحث عن مظلة تحميه من المساءلة.
سيكون الناخب أمام مرشحين أكثر جدية، وستقل فرص المتاجرين بالحصانة، وبذلك يعود البرلمان إلى صورته الطبيعية: مؤسسة للرقابة والتشريع، لا مجرد حصانة شخصية.
إن تعديل قانون الحصانة البرلمانية لم يعد رفاهية أو مطلبًا ثانويًا، بل هو ضرورة لتصحيح مسار الحياة النيابية في مصر، الحصانة يجب أن تظل أداة لحماية النائب في عمله، لا سيفًا معلقًا فوق القانون، والمرحلة القادمة تحتاج إلى برلمان قوي ومسؤول، أعضاؤه يعبرون عن الشعب، ويخضعون مثله للقانون، بلا استثناءات ولا امتيازات شخصية.