رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بالتفاصيل..موقف الصين من الأزمة الأوكرانية..لماذا تمسك بكين العصا من المنتصف؟ وهل تغزو تايوان؟

موقف الصين من الأزمة
موقف الصين من الأزمة الأوكرانية.. ولماذا تمسك العصا من المنت

موقف الصين من الأزمة الأوكرانية، باعتبارها القوى الاقتصادية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، أثار الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام.

فالصين لم تبدي موقفا واضحا وحاسما من الأزمة، ولم تنحاز لطرف على حساب طرف أخر، ففي الوقت الذي تطالب فيه بحل الأزمة عن طريق التفاوض، وترفض الالتزام بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب على روسيا، وتتمسك بعلاقتها الإستراتيجية مع موسكو، وتعلن عن دعمها الثابت لسيادة أوكرانيا، تعرض الوساطة لحل الأزمة، وتمتنع عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.

فلماذا تقف بكين على الحياد وتمسك العصا من المنتصف في هذه الأزمة التي تهدد العالم؟.

الولايات المتحدة تحذر الصين من تقديم مساعدات لروسيا

الرئيس الصيني شي جين بينغ

حذرت الولايات المتحدة بكين من مغبة تقديم مساعدات لروسيا في مواجهة العقوبات المفروضة عليها من جراء اجتياح أوكرانيا.

ونقلت وسائل إعلام متعددة عن مسئولين أمريكيين، دون تسميتهم، القول إن روسيا قد طلبت من الصين تزويدها بمساعدات عسكرية بعد بدء الاجتياح.

وردت الصين باتهام واشنطن بالعمل على استهدافها "بسوء نية" على صعيد الأزمة الأوكرانية.

وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان، إن الولايات المتحدة "عكفت على نشر معلومات تستهدف الصين على صعيد القضية الأوكرانية، تحدوها في ذلك نوايا خبيثة".

وبسؤاله عما إذا كانت الصين قد تلقت طلبا روسيا بالمساعدة، قال تشاو إنها "أخبار زائفة"، لكن دون أن ينكرها بشكل مباشر.

وقال المسئول الصيني إن موقف بلاده كان ثابتا منذ البداية في لعب دور بنّاء في تعزيز الحوار.

وكانت تقارير إعلامية أفادت بأن روسيا طلبت مساعدات عسكرية واقتصادية من الصين.

وقالت صحيفة الفاينانشيال تايمز إن موسكو تريد من بكين تزويدها بإمدادات عسكرية لاستخدامها في أوكرانيا.

ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين، لم تكشف عن هويتهم، القول إن روسيا طلبت معدات صينية منذ بداية الغزو. ورفض المسئولون تحديد نوع المعدات التي تسعى روسيا للحصول عليها.وأضاف التقرير أن هناك مؤشرات على أن الصين ربما تتأهب للمساعدة.

كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسئولين أمريكيين قولهم إن موسكو طلبت أيضا مساعدات اقتصادية للتخفيف من تأثير العقوبات.

وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن الأمريكية، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن الروس كانوا "يتواصلون بشكل مباشر وخاص مع بكين حول كيفية تفادي تبعات عقوبات واسعة النطاق مؤكدة، أو كيفية دعم روسيا في التصدي لذلك".

وأضاف: "لن نسمح بالمضي قدما في هذه (المحاولات) والسماح بوجود شريان حياة لروسيا للتغلب على هذه العقوبات الاقتصادية من جانب أي دولة وفي أي مكان في العالم".

وتابع سوليفان بالقول إن الولايات المتحدة تعتقد أن الصينيين كانوا على علم بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان "يخطط لشيء" قبل بداية الاجتياح.

واستدرك المسئول الأمريكي قائلا إن بكين "ربما لم تكن تقف على مدى الاجتياح الروسي... إذ من الممكن جدا أن يكون بوتين كذب عليهم بالطريقة نفسها التي كذب بها على الأوروبيين وغيرهم".

الغزو الروسي لأوكرانيا قد يشجع الصين على مهاجمة تايوان 

وانغ يي عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصينية

يرى خبراء أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يشجع الصين على مهاجمة تايوان التي تراها مقاطعة ستعمل على ضمها إلى البر الصيني يوما ما.

ورغم رفض الصين المقارنة بين الأزمة في تايوان بنظيرتها في أوكرانيا، إلا أن بعض الخبراء يؤكدون أن بكين تدرس بشكل دقيق رد فعل المجتمع الدولي على الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما أشارت إليه بوني غلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة. وفي مقابلة مع DW ، قالت من المؤكد أن الصين "ستستخلص الدروس (من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا) للاستفادة من ذلك في إستراتيجيتها تجاه تايوان".

وأضافت "ستراقب الصين مدى وحدة وتماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالفات الأمريكية الأخرى وأيضا مدى قدرة الحلف والدول الغربية على تحمل تبعات وتكلفة العقوبات على روسيا."

وقالت غلاسر إن الأمر لن يتوقف على هذا المستوى، مضيفة "سوف تراقب الصين مجريات الحرب في أوكرانيا ومدى تأثير الجمع بين المعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية على أرض الواقع وتشكيل المواقف تجاه الصراع".

وفي هذا السياق، يرى محللون أمنيون أن الصين تدرك الاختلافات اللوجستية بين غزو موسكو لأوكرانيا وأي هجوم محتمل قد تقدم عليه في مساعي ضم تايوان.

بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوشو في تايوان، تشن فانغ يو، على أن الصين لا يمكنها اجتياح حدود تايوان في سيناريو مشابه لتوغل الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية. وقال في مقابلة مع DW "ستعمل الصين على البحث أين تكمن الفرصة وكيف يمكن الاستفادة من الأزمة الأوكرانية".

أما ليف ناشمان، الباحث في مركز فيربانك للدراسات الصينية بجامعة هارفارد، فيسلط الضوء على أن الصين ستحاول تحقيق التوازن في إطار تعاطيها مع تطورات الأحداث في أوكرانيا.

وأضاف لـ DW أن الصين تريد أن تحصل على "فسحة دبلوماسية، حيث لا يتوقع كثيرون أن تتصرف الصين بنفس الطريقة العدوانية التي أقدمت عليها  روسيا على الأقل على المدى القصير". وتابع ناشمان بأن الصين إذا رأت "أن الوقت قد حان لاستعادة تايوان فلن تحذو حذو موسكو".

مستعدون للوساطة بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة

عرضت الصين الوساطة في الأزمة الأوكرانية على لسان أكثر من مسئول رفيع، فقد وصف رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، الوضع في أوكرانيا بأنه "خطير"، عارضا مساعدة بكين للعب "دور إيجابي" من أجل السلام، مع الاستمرار في رفض انتقاد روسيا.

وقال تشيانغ للصحفيين في مؤتمر: "نحن ندعم ونشجع كل الجهود التي تفضي إلى تسوية سلمية للأزمة. المهمة الملحة الآن هي منع التوتر من التصعيد أو حتى الخروج عن السيطرة".

وقال تشانغ جون، مندوب الصين لدى الأمم المتحدة، أنه يجب ضمان أمن الممرات الإنسانية في أوكرانيا، موضحا أنه يجب دعم جهود الأمم المتحدة لمساعدة أوكرانيا.

وحذر مندوب الصين لدى الأمم المتحدة خلال كلمته بالجلسة العامة لمجلس الأمن، من تسييس الملف الإنساني في أوكرانيا، لافتا إلى أنه يجب التوصل إلى موقف مشترك لحل الأزمة في أوكرانيا.

وتابع مندوب الصين لدى الأمم المتحدة، أنه يجب احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، مؤكدا على دعم بكين للحلول الدبلوماسية في أوكرانيا.

ولفت مندوب الصين لدى الأمم المتحدة، إلى أن إرسال أسلحة هجومية ومرتزقة سيفاقم الحرب في أوكرانيا، قائلا نحض روسيا وأوكرانيا على مواصلة اللقاءات الدبلوماسية.

وأعرب مندوب الصين لدى الأمم المتحدة عن استعداد بلاده للعب دور الوساطة في الأزمة الأوكرانية.

كما دعا وزير خارجية الصين، إلى العمل على خفض التصعيد من حدة الأزمة الأوكرانية. وأشار إلى أن الصين تلعب دورا لتسهيل الحوار لحل الأزمة في أوكرانيا، مضيفا أن العالم بعيد عن العودة لما كان عليه أيام الحرب الباردة.

ودعا وانغ يي "للعمل معا لتجاوز هذه الأوقات الصعبة". وقال إن "تعددية الأقطاب أساس للوفاء بالالتزامات الدولية". ورأى أن إدارة العالم يجب أن تدار بشكل منصف.

وتابع وزير خارجية الصين قائلا: "لدينا علاقات إستراتيجية مع روسيا هي الأكبر في العالم، لدينا التزام دائم لتعزيز التعاون مع روسيا". وأكد أن "العلاقات مع روسيا قوية بصرف النظر عن التحديات العالمية". وتابع وزير خارجية الصين قائلا: "مستعدون للوساطة بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة".

هناك قوى تحاول تشويه موقف الصين إزاء الأزمة في أوكرانيا

الرئيسين الصيني والأمريكي

أعرب وزير الخارجية ​الصين​ي ​وانغ يي​ عن أمله في أن تبقى بلاده بمنأى عن العقوبات المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، مؤكدا أن بلاده لا تريد على الإطلاق أن تنعكس هذه العقوبات عليها.

ونقلت وكالة "شينخوا" الصينية عن وانغ يي قوله أثناء مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، إن بكين "ليست طرفا في النزاع ولا تريد على الإطلاق أن تنعكس العقوبات على الجانب الصيني". وأضاف أن هناك قوى تحاول تشويه موقف الصين إزاء الأزمة في أوكرانيا.

وكانت الناطقة باسم ​البيت الأبيض​ جين ساكي، قد أكدت بأنه لدى واشنطن عدة أدوات ستستخدمها مع ​الصين​ إذا دعمت ​​روسيا​​، وذلك بعد ورود أنباء عن تقديم بكين مساعدات عسكرية واقتصادية لموسكو.

وكان البيت الأبيض قال في بيان، أن مستشار الأمن القومي الأميركي ​جيك سوليفان​ أبلغ الصين بضرورة التنسيق بشأن ​أوكرانيا​.

وحذر مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جيك ساليفان الصين من أي "محاولات لدعم الاقتصاد الروسي والتقليل من تداعيات العقوبات الغربية" المفروضة على روسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

وأضاف أن مثل هذه المحاولات ستكون لها "عواقب" بالنسبة للصين، دون أن يكشف عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لفرض عقوبات على بكين.

وفي السياق، اعتبرت مسئولة ​أمريكية كبيرة، حسب ​وكالة الصحافة الفرنسية​، أن "انحياز" ​الصين​ إلى ​روسيا​ "مقلق للغاية"، وذلك بعد لقاء بين مسئول أمريكي وصيني في روما دام سبع ساعات وتباحثا خلاله الحرب في ​أوكرانيا​ وقضايا أمنية أخرى.

الصين هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على وقف أزمة روسيا مع أوكرانيا 

ويرى محللون أن الصين تملك الأدوات والمقومات اللازمة لتقوم بدور يتجاوز دور الوساطة. 

وعبر الصحفي الأميركي المخضرم توماس فريدمان عن قناعته بأن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على وقف أزمة روسيا مع أوكرانيا، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بالولايات المتحدة.

وذكر فريدمان، في مقال في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أنه “مع مرور كل يوم، تصبح الحرب في أوكرانيا مأساة كبيرة للشعب الأوكراني، وتشكل كذلك تهديدا أكبر لمستقبل أوروبا والعالم بأسره”.

وأوضح “إذا أعلنت الصين أنها ستنضم إلى المقاطعة الاقتصادية لروسيا – أو حتى تدين بشدة عمليتها غير المبررة لأوكرانيا وتطالبها بالانسحاب – فقد تهز فلاديمير بوتين بما يكفي لوقف هذه الحرب الشرسة، أو على الأقل وقفها بشكل مؤقت، بما أن روسيا لا تملك حاليا حليفا مهما غير الهند”.

ويتساءل الكاتب ما الذي سيجعل الصين تتخذ هذا الموقف؟ يجيب فريدمان بالقول إن العقود الثمانية الماضية من السلام بين القوى العظمى كانت مفتاح النهوض الاقتصادي السريع للصين، ما أدى إلى انتشال ما يقرب من 800 مليون صيني من الفقر، مبرزا أن النمو الصيني المستمر يعتمد على استقرار الاقتصاد العالمي.

وكشف أن المفكرين الصينيين التقليديين يعتقدون أن أي حرب تضعف الخصمين الرئيسين للصين (أميركا وروسيا) يجب أن تدعمها بكين، لكن الحقائق الحالية تؤكد عكس ذلك.

وتابع: “تدرك الصين هذه الحقائق الجديدة، بمعنى أنه إذا سارت باتجاه انتزاع تايوان، فقد تواجه عزلة دولية كبيرة، مثل ما يحدث حاليا لموسكو”، معربا عن أمله في أن يظهر الرئيس الصيني كـ”زعيم عالمي حقيقي ويبدي معارضته لما يقع لأوكرانيا.. وفي حال اختارت الصين طريقا آخر، فإن العالم سيصبح أقل استقرارا وازدهارا”.

وختم فريدمان مقاله بتوجيه سؤال للرئيس الصيني شي جين بينغ: “أي طريق ستختار؟”

وقال رئيس قطاع الاقتصاد والسياسة الصينيين بمعهد العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، سيرغي لوكونين: أن موقف الصين من الأزمة الأوكرانية ذو مستويين. في المستوى الأول، لا يسع بكين، بالطبع، سوى دعم روسيا، لأن روسيا أحد الأقطاب، وربما أقوى قطب في الكتلة "الموالية للصين"، من الدول التي تستخدمها الصين في المنافسة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهناك مستوى ثان، وفيه تحاول الصين تجنب العوامل غير المتوقعة التي قد تؤدي إلى تدهور وضعها، في مواجهتها مع الولايات المتحدة وفي تنافسها المتنامي مع الاتحاد الأوروبي.

لذلك، فإن موقف بكين محايد. ولكن، وفي الوقت نفسه، هناك تصريحات من قبل مسئولي الصف الأول في جمهورية الصين الشعبية بأن الولايات المتحدة هي المسئولة بالدرجة الأولى عن إثارة الأزمة الأوكرانية.

كيف تستغل الصين الأزمة الروسية الأوكرانية لتحقيق مصالحها؟

الرئيسين الروسي والصيني

وقال الباحث والمحلل جاجاناث باندا، الرئيس القادم لمركز ستوكهولم لشؤون جنوب آسيا والمحيطين الهندي والهادئ في معهد سياسات الأمن والتنمية بالسويد، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "غير المبرر" وغير المعقول لأوكرانيا أو ما يسمى بـ "العملية العسكرية الخاصة "سلط الضوء على الجوانب الإشكالية للغاية للسياسة الدولية اليوم.

ويضيف باندا، وهو أيضا مدير التعاون البحثي بين أوروبا وآسيا في مجلس يوكوسوكا لدراسات آسيا والمحيط الهادئ، أن الحرب على أوكرانيا كشفت مرة أخرى عن عدم فعالية الآليات العالمية مثل الأمم المتحدة، حيث تستطيع روسيا أن تمضي قدما في الحرب بمجرد استخدام صوتها.

وأوضح أنه "بطبيعة الحال، بيّن امتناع الصين والهند والإمارات عن التصويت أن الموت والدمار الناتجين عن الحرب لا يكفيان لتوحيد العالم. وحتى في الوقت الذي يشعر فيه القادة الغربيون بالرعب ويفرضون الآن المزيد من العقوبات على روسيا، مستهدفين البنوك ومصافي النفط والصادرات العسكرية، يبدو رد الغرب المتأخر وغير الملائم خطابيا، وتنبعث منه رائحة المصلحة الذاتية ضد الصالح العام".

ولا يعني ذلك أن القوى الآسيوية حققت نتائج جيدة أيضا، فالصين والهند صامتتان بشكل واضح، على الرغم من أن اليابان انضمت إلى الغرب في فرض عقوبات على روسيا.

ويقول باندا إن حياد الهند أو تركيزها على "ضبط النفس من جميع الأطراف" و"الدبلوماسية البناءة" مدفوع في المقام الأول بعلاقاتها التقليدية مع روسيا. ومن ناحية أخرى، فإن صمت الصين "المخيف" يسلط الضوء على مناورة الرئيس شي جين بينج الإستراتيجية التي طال أمدها في لعبة القوة المهيمنة التي يلعبها ضد الولايات المتحدة، فضلا عن طموحاته في تعزيز وجوده في أوراسيا.

وبطبيعة الحال، هناك ما هو أكثر في بيانات الصين مما تراه العين. ولكن هل صمت بكين في الأمم المتحدة مجرد تحرك تكتيكي، أم أنه جزء من أجندة إستراتيجية لقمع المعارضة في فنائها الخلفي مع إبراز صورة للدلالة على أنها قوة كبرى مسئولة؟ هل ستعمل ردود الفعل العنيفة ضد روسيا لصالح الصين مع الاتحاد الأوروبي؟ هل سيفيد رد الفعل الأمريكي الضعيف في أوكرانيا الصين في تايوان، حيث من المؤكد أن الولايات المتحدة لديها المزيد من الأمور على المحك؟ هل تؤثر الأزمة على أجندة شي السياسية المدفوعة بالجوانب الشخصية؟

وبعد أيام من الغزو الروسي، أدلى الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، تشانج جون، ببيان أكد فيه مجددا حياد الصين، مشددا على ضبط النفس، واستخدام الدبلوماسية من خلال دعم كل من "الجانب الأوروبي وروسيا في إجراء حوار متساو حول قضايا الأمن الأوروبي، والتمسك بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة". ويقول باندا إن تجنب الصين للمخاوف الحالية بشأن أوكرانيا من خلال الربط بين الصراع والقضية الأوسع نطاقا لآلية الأمن الأوروبية يسلط الضوء على لعبة شي الطويلة في أوروبا والجوار الصيني في آسيا.

ويضيف أنه في مؤتمر ميونخ للأمن لعام 2022، أكد وزير الخارجية الصيني وانج يي، على ضرورة مراعاة "المخاوف الأمنية المعقولة" لروسيا وحماية "سيادة واستقلال وسلامة أراضي أي دولة"، بما في ذلك أوكرانيا على الرغم من عدم دعمه العلني لروسيا. كما لا تؤيد بكين العقوبات "الأحادية غير القانونية" التي تقودها الولايات المتحدة، ووصفت سلوك الأخيرة بأنه "غير مسؤول وغير أخلاقي".

ومن ناحية أخرى، كانت بكين متعاطفة إلى حد ما مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وألمانيا. وذكر "يى" أن الوضع "يتعارض مع مصالح أوروبا " ويبرز جهود " الوساطة الدبلوماسية " التي تبذلها أوروبا. ويتجلى جدول الأعمال الاستراتيجي طويل الأجل للصين في أوروبا من خلال دعمها المتكرر لـ "النزاهة الأوروبية واستقلالها الاستراتيجي" والتزامها المتكرر بالشراكة الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي".

وتهدف بكين إلى تعزيز وجودها الاستراتيجي بشكل منهجي في أوراسيا، لا سيما في أوروبا. ولهذا فإن الصين لا تميل إلى التضحية بعلاقاتها مع أوكرانيا بالكامل، ليس فقط لأن الأخيرة شريك تجاري رئيسي بحجم بلغ 4ر15 مليار دولار في عام 2020، بل وأيضا احتراما للدول الأوروبية الرئيسية المتعاطفة مع أوكرانيا. ومن ثم، اختارت مسارا مبتكرا إلى حد ما لتغطية صمتها التكتيكي العلني بشأن الغزو الروسي من خلال التحدث علنا عن القضايا الأوسع المتصلة بالأمن الأوروبي، وأيضا التأكيد مجددا على معارضتها طويلة الأمد لحلف شمال الأطلسي ( الناتو)، وهي من مخلفات الحرب الباردة التي تحتاج إلى "التكيف مع الظروف المتغيرة"، و"تمدد حلف شمال الأطلسي شرقا".

ويقول باندا إن الصين سوف تستغل عزلة روسيا لمصلحتها من خلال تعزيز علاقاتها الوثيقة بالفعل مع روسيا وإظهار نفسها كشريك اقتصادي واستراتيجي موثوق به لأوروبا.

ومن الناحية الإستراتيجية، من المحتمل أن تناسب الأزمة في أوروبا مع روسيا القيادة الصينية. وفي خضم التركيز الغربي المتزايد على تايوان، تسمح الأزمة في أوكرانيا بإعادة توجيه التركيز العالمي، الأمر الذي يسمح للصين بفسحة أكبر للتخطيط لطموحاتها الخاصة في مجال التوحيد.

وعلاوة على ذلك، رفضت بكين المقارنات بين تايوان وأوكرانيا، مشيرة إلى أنها تعكس "عدم معرفة تاريخ قضية تايوان" وكررت أن "أوكرانيا بالتأكيد ليست تايوان"، التي هي "جزء غير قابل للتصرف من أراضي الصين".

وبالتالي، تأمل الصين أن يؤدي موقفها الغامض من الأزمة الأوكرانية إلى تهميش الولايات المتحدة، وتحدي الهيمنة العالمية للولايات المتحدة من خلال اختبار مرونة النظام القائم على القواعد، والتشكيك في قدرة الولايات المتحدة على البقاء كمزود للأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فضلا عن ذلك فإن استخدام روسيا لمواجهة التحدي الذي تمثله الولايات المتحدة مع الاستفادة من الطاقة الروسية وقوة تكنولوجيا الدفاع لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى تعزيز السياسة الواقعية الصينية.