رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

السفير محمد الشاذلي لـ«النبأ»: موقف مصر من الأزمة الأوكرانية ليس انحيازا لأمريكا والغرب ومن مصلحة موسكو عدم التصعيد مع القاهرة

السفير محمد الشاذلي
السفير محمد الشاذلي مع علي الهواري في حوار لـ«النبأ»

إدانة مصر للضربات العسكرية الروسية علىى أوكرانيا في الأمم المتحدة، أثار الكثير من الجدل وطرح الكثير من الأسئلة حول مدى تأثير هذا القرار على العلاقات المصرية الروسية والأمريكية والغربية، لا سيما وأن مصرترتبط مصر بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية استراتيجية وقوية مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، لا سيما الدول الأوروبية المؤثرة على الساحة العالمية مثل فرنسا وألمانيا وإنجلترا.

وهناك تشابك بين مصر وهذه الدول في الكثير من الملفات الساخنة والحساسة والجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تؤثر بشكل مباشر على أمن مصر القومي، أبرزها، الملف الليبي والفلسطيني والسوري واليمني، وملف العلاقات العسكرية، كما تلعب هذه الدول دورًا مهمًا ومؤثرًا في ملف سد النهضة الإثيوبي، وهو الملف الذي يؤثر بشكل مباشر على أمن مصر المائي.

كما ترتبط مصر بمصالح اقتصادية كبيرة مع هذه الدول، لا سيما الجانب الروسي، حيث تقوم روسيا بتنفيذ المحطة النووية في منطقة الضبعة، وهو الحلم الذي ينتظره المصريون منذ عقود، كما تمتلك روسيا استثمارات بمليارات الدولارات في المنطقة الحرة لقناة السويس، ويمثل السياح الروسي رقمًا مهمًا في الميزان التجاري لمصر وتوفير العملة الصعبة، كما أن التحالف العسكري بين مصر وروسيا في مجال مكافحة الإرهاب ومحاربة الجماعات المتطرفة أصبح مثال يحتذى به، وكلها ملفات ومصالح تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري.

السفير محمد الشاذلي

يقول السفير محمد الشاذلي، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أنه مع إدانة مصر للغزو الروسي لأوكرانيا، لكنه ضد اغفال الأسباب التي أدت إلى هذه التداعيات أو إلى هذا الغزو الروسي، لا سيما وأن هناك ظروفا مشابهة في المنطقة العربية، فمثلا مصر ترفض تواجد قوات غير صديقة على حدودها الغربية والرئيس عبد الفتاح السيسي وضع سيرت والجفرة خط أحمر، وإثيوبيا تصعد الأمور التي يمكن أن تصل إلى مواجهة عسكرية، وهذا ما تفعله روسيا في موضوع أوكرانيا، وبالتالي إدانة الغزو الروسي يتطلب أيضا إدانة التداعيات التي أدت إلى هذا الغزو.

 وأكد «الشاذلي»، على أن إدانة مصر للغزو الروسي لأوكرانيا لا يمثل انحيازا لأمريكا والغرب كما يعتقد البعض، مشيرا إلى أن مصر هي التي وضعت مصطلح«عدم الانحياز»، لافتا إلى أن مصر تدرس الموقف ثم تقيمه بشكل موضوعي، مؤكدا على أن قيام دولة بغزو دولة جارة هو عمل ضد ميثاق الأمم المتحدة وضد القانون الدولي، وهذا ما قامت مصر بتطبيقه من خلال إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.

واشار مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن قيام أمريكا والغرب باستقطاب الدول التي تقع على حدود روسيا والتي كانت في حلف وارسو، إلى حلف شمال الأطلسي«الناتو»، لن يدعم الأمن الغربي، لافتا إلى أن روسيا دولة عظمي وقوية وذات امكانيات هائلة وبالتالي فرض عقوبات على روسيا بعد أن فشلت سياسة العقوبات الغربية على دول مثل كوبا وإيران وكوريا الشمالية، هو كلام هزلي. 

واستبعد «الشاذلي»، أن يكون لهذا الموقف تأثير على العلاقات المصرية الروسية، مشيرا إلى أن روسيا في هذه الظروف تدرك أنها في حاجة إلى أصدقاء وليس في حاجة إلى التصعيد مع مصر، لافتا إلى أن هناك مصالح مشتركة وهامة تربط الدولتين، هناك صفقات سلاح وهناك تعاون في مجال السياحة بالإضافة إلى التعاون في المجال النووي، وبالتالي ليس من مصلحة روسيا أن تصعد مع مصر.

السفير محمد الشاذلي في حوار سابق مع النبأ

 ولفت عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إلى أن الغالبية العظمى من دول العالم صوتت ضد روسيا، مؤكدا على أن مصر صوتت ضد فكرة أن تقوم دولة بغزو دولة أخرى، وهذا الموقف في كل الأحوال لا يمثل انحياز للموقف الأمريكي، ولكنه انحياز للموقف الدولى وللقانون الدولي، موضحا أن الولايات المتحدة ستحاول استغلال هذا الموقف سياسيا وإعلاميا، لكن الخطاب الأمريكي الإعلامي والسياسي أصبح مرفوضا في العالم كله، فالولايات المتحدة نسيت ما فعلته لأطفال العراق وأفغانستان وفيتنام وأصبحت تتباكى على أطفال أوكرانيا، وهذا الحديث أصبح غير مقبول بالمرة، وأمريكا تزعم أنها تدافع عن الديمقراطية في أوكرانيا رغم أن النظام الموجود في أوكرانيا غير ديمقراطي، وبالتالي الخطاب السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة الأمريكية أصبح مرفوضا في العالم كله، وأصبح مفضوحا وغير مؤثر وغير مجدي وغير مصدق.

وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والغرب لا تكترث بقرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، مشيرا إلى أن إسرائيل صدر ضدها عشرات القرارات من الأمم المتحدة ولم يتم تنفيذها، مستبعدا أن يؤثر القرار المصري على التعاون المشترك بين مصر وروسيا في ليبيا أو سوريا أو غيرها من ملفات المنطقة، مؤكدا على أن روسيا ليست في وضع يسمح لها أن تأخذ موقف ضد كل من صوت ضدها أو أدان غزوها لأوكرانيا أو غرد خارج السرب الروسي.

 واستطرد، أن الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة صوتت ضد روسيا، وهناك دولا صديقة لروسيا تحفظت على القرار، وبالتالي ليس من الفطنة السياسية أو الذكاء السياسي أن تقوم روسيا بالتصعيد مع هذه الدول، لأن هذا التصعيد سيكون في غير صالحها، موضحا أن شكل الشرق الأوسط لن يتغير وسيظل هلاميا ومشوها ما دام أن العرب يعتمدون على تحالفات مع قوى خارجية مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران، وأنه دون وجود جبهة عربية موحدة ستظل المنطقة العربية نهبا مثل ريشة في مهب الريح  لكل من يلعب في الشرق الأوسط، مستبعدا اندلاع حرب عالمية أو نووية نتيجة هذه الأزمة.

وأكد «الشاذلي»، أن الحرب في أوكرانيا هي بداية لحرب باردة جديدة، وستظل هذه الحرب مشتعلة لمدة عشرين سنة، وسوف تتحول إلى حرب بالوكالة كما يحدث في سوريا وليبيا، وسوف تنتقل إلى مناطق النفوذ التابعة لروسيا في العالم، مستبعدا نشوب حرب عالمية ثالثة أو حرب نووية، مشيرا إلى أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب أدركوا منذ وقت مبكر بعد الحرب العالمية الثانية أن الحروب الشاملة بين الكبار سوف تؤذي الجميع، وبالتالي هم لن يقعوا في هذا الخطأ مرة أخرى، وسوف تظل هذه الحرب بشكلها الذي كان سائدا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

 وأوضح، أن هزيمة روسيا في هذه الحرب سوف تكون لها أثار سلبية جدا على مستقبل بوتين السياسي، مستبعدا أن يكون الغرب قد استدرج روسيا إلى الحرب في أوكرانيا من أجل إغراقها في مستنقع جديد، لافتا إلى أن اقتراب الناتو من حدود روسيا هو السبب الرئيسي للغزو الروسي لأوكرانيا، مؤكدا على أن الدبلوماسية تظل عملية قائمة ومستمرة ولا تتوقف حتى في أوقات الحروب.

مصر تدين الضربات الروسية وترفض نهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف

سامح شكري وزير الخارجية

وكانت وزارة الخارجية المصرية، برئاسة سامح شكري، قد أعلنت الأسباب التي دفعت مصر إلى التصويت في الأمم المتحدة، بإدانة الضربات الروسية في أوكرانيا.

وأوضحت الوزارة أن مندوب مصر الدائم في نيويورك شرح تصويت مصر حول القرار الصادر عن الجمعية العامة بشأن أوكرانيا، قائلًا إن «تصويت مصر جاء انطلاقا من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة».

وأوضح البيان أن البحث عن حل سياسي سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة يجب أن يظل نصب أعيننا جميعا، والهدف الأساسي للمجتمع الدولي بأسره في التعامل مع الأزمة الراهنة، ومن ثم يتعين إتاحة الحيز السياسي الكفيل بتحقيق ذلك الهدف الأساسي.

وأكدت مصر أنه لا ينبغي غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة، والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار.

وأكدت مصر رفضها نهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف، من منطلق التجارب السابقة، والتي كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معانات المدنيين طوال العقود الماضية.

وذكرت أنه من الواجب أن تتحلى كل الأطراف بالمسؤولية الواجبة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل محتاج، دون أي تمييز أي كفالة مرور المقيمين الأجانب بانسيابية عبر الحدود، حيث وردت بعض التقارير عن معاملات تمييزية.

وجددت مصر التحذير من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته، والذي ما زال يعاني من تداعيات الجائحة، ولعل الاضطراب المتزايد في سلاسل الإمداد وحركة الطيران الدولي أبلغ دليل على ذلك، حسب البيان.

وذكر البيان أن فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة إنما يعتمد على تناول جميع الأزمات الدولية، وفقا لمعايير واحدة وثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده، دون أن تمر عقود تم خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية.

وكانت مصر قد أكدت على لسان، مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، السفير أسامة عبد الخالق، عن أنها تتابع بقلق بالغ التطورات الأخیرة، والتي باتت تنذر بالمزيد من التصعيد وخروج الأمور عن السيطرة والقدرة على الاحتواء.

وشدد وفد مصر خلال جلسة مجلس الأمن، على ضرورة العمل على التهدئة، وعدم التصعيد وتغليب الحلول الدبلوماسية وتكثيف المساعي السياسية وإبداء المرونة الواجبة من جانب كافة أطراف الأزمة، بهدف سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يخاطب شواغل كل الأطراف.

وحذر السفير أسامة عبد الخالق من مغبة الآثار الإنسانية والاقتصادية والسياسية للأزمة.

وناشدت مصر عبر ممثلها كل الأطراف المعنية إعلاء صوت الحكمة والرشد والتحلي بالمسئولية الواجبة، لخلق المناخ المواتي لإيجاد تسوية للأزمة الراهنة.