مجرى السيل في حدائق حلوان.. قنبلة بيئية موقوتة تهدد النيل والسكان
في واحدة من أكثر المناطق معاناة جنوب القاهرة، تعيش حدائق حلوان أزمة متراكمة تجمع بين الإهمال البيئي، وتدهور البنية التحتية، وسوء الخدمات الأساسية، أزمة امتدت لسنوات، لكنها اليوم بلغت ذروتها بعدما تحوّل مجرى السيل — الذي يفترض أن يكون ممرًا لتصريف مياه الأمطار والسيول — إلى مقلب مفتوح للقمامة، وسط غياب تام للحلول من الجهات التنفيذية.
مجرى السيل.. من وسيلة حماية إلى مصدر خطر
يبدأ مجرى السيل من المناطق المرتفعة بالمعصرة وحلوان ويمتد حتى نهر النيل، وكان الغرض من إنشائه حماية المدينة من السيول الموسمية.
لكن ما كان وسيلة أمان، تحول إلى قنبلة بيئية تهدد حياة السكان بعد أن تراكمت فيه أطنان من القمامة والمخلفات المنزلية، نتيجة غياب صناديق القمامة في الشوارع الجانبية والمناطق السكنية القريبة.
يقول أحد الأهالي: "إحنا مش بنرمي الزبالة في المجرى حبًا في كده، بس مافيش مكان نرمي فيه.. لا صناديق ولا عربيات نظافة بتيجي بانتظام."
تحذيرات السكان تتجاوز مسألة النظافة، فالمجرى يتصل بشكل مباشر بمجرى النيل، ما يعني أن استمرار التلوث يهدد بتسرب المخلفات إلى مياه الشرب، خاصة في موسم الأمطار حيث تندفع المياه بقوة نحو النهر.
طريق المصنع.. حفر ومطبات بلا نهاية
الطريق الموازي لشارع المصنع في حدائق حلوان أصبح معاناة يومية للأهالي والسائقين، يصفه البعض بأنه “طريق الموت البطيء للسيارات”، حيث تنتشر الحفر والمطبات العشوائية، إلى جانب غياب الصيانة والرصف منذ سنوات طويلة.
ويقول أحد أصحاب المحلات هناك: "من أول شارع جمال عبد الناصر لحد شركة الكهرباء الطريق كله مطبات وردم.. لا أسفلت ولا صيانة.. كل يوم عربية بتتعطل أو تتكسر العفشة بسبب الطريق."
هذا الطريق يُعد شريانًا حيويًا يربط بين مناطق حيوية داخل حي حلوان، ويستخدمه مئات المواطنين يوميًا للوصول إلى المعصرة والكهرباء، مما يجعل إصلاحه ضرورة ملحّة وليست رفاهية.
إنارة ضعيفة.. وكشافات لا تعمل
الأهالي يشكون أيضًا من سوء الإضاءة في شارع المصنع، حيث تم تركيب كشافات جديدة مؤخرًا لكنها — حسب قولهم — رديئة الجودة ولا توفر الإضاءة الكافية.
النتيجة: الشارع يغرق في الظلام مع غروب الشمس، ما يزيد من مخاطر الحوادث، ويسهّل وقوع جرائم أو سرقات في بعض الأحيان.
يقول أحد الأهالي: "الشارع ضلمة بالليل رغم إن فيه كشافات جديدة.. واضح إن نوعها رديء أو مش متوصلة صح.. لازم جهة رقابية تراجع اللي اتنفذ ده."
مطالب الأهالي: حلول على الأرض لا وعود في الهواء
في ظل تكرار الشكاوى وتجاهل الاستغاثات، يطالب الأهالي بعدد من الإجراءات العاجلة، أبرزها: توفير صناديق قمامة موزعة على نطاق واسع لمنع إلقاء المخلفات في مجرى السيل، تطهير مجرى السيل بالكامل ونقله تحت إشراف وزارة الري والبيئة بالتنسيق مع حي المعصرة، رصف الطريق الموازي لشارع المصنع بشكل كامل، مع إزالة المطبات العشوائية وتوسعة الحارات، مراجعة أعمال الإنارة من خلال لجنة فنية محايدة للتأكد من جودة الكشافات وصلاحية الشبكة، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية لمتابعة تنفيذ المشروعات المحلية وضمان صرف الميزانيات في مواضعها الصحيحة.
غياب المتابعة.. أصل الداء
ما يحدث في حدائق حلوان ليس مجرد إهمال بسيط، بل هو نموذج متكرر لأزمة المتابعة والمساءلة في عدد من الأحياء الشعبية بالقاهرة.
المشروعات تُنفذ أحيانًا دون إشراف كافٍ، والخدمات تُطرح إعلاميًا دون أن تصل إلى المواطن، ويشير بعض الأهالي إلى أن تقارير المتابعة الميدانية — إن وُجدت — لا تعكس الواقع الحقيقي على الأرض.
يقول أحد المواطنين في ختام حديثه: "إحنا مش طالبين رفاهية، عايزين شوارع تمشي فيها بأمان، وإنارة تحمي أولادنا، ونظافة تحافظ على صحتنا.. دي أبسط حقوقنا.".
أزمة حدائق حلوان ليست فقط قضية محلية، بل مرآة لحال الأحياء الشعبية في القاهرة الكبرى، حيث تتكدس المشكلات الصغيرة لتتحول إلى كوارث بيئية وصحية.
وما بين مجرى سيل ملوث، وطريق مهترئ، وإنارة غائبة، يبقى السؤال: هل تتحرك الجهات التنفيذية قبل أن يتحول "مجرى السيل" إلى مجرى خطر دائم على النيل وسكانه؟







