اختلاس وتزوير داخل شركة بترولية كبرى..
«أمين خزينة» أمام الجنايات بعد كشف وقائع فساد بفرع السعودية
أحال المستشار أمير فتحي، المحامي العام الأول لنيابة شرق القاهرة الكلية، أحد الموظفين بشركة «إنبي» – إحدى الشركات الهندسية للصناعات البترولية والكيماوية التي تساهم فيها الدولة – إلى محكمة الجنايات، لاتهامه باختلاس مبالغ مالية كبيرة من عهدته، وتزوير مستندات رسمية لإخفاء معالم جريمته، وذلك خلال فترة عمله أمينًا لخزينة فرع الشركة بالمملكة العربية السعودية.
التحقيقات التي باشرتها النيابة العامة على مدى عدة أشهر، كشفت عن تفاصيل مثيرة، بدأت ببلاغ رسمي تقدمت به الشركة ضد المتهم، بعد اكتشاف عجز مالي بخزينة فرعها الخارجي وتضارب في مستندات صرف الأجور وبدلات السفر الخاصة بعدد من العاملين.
عجز مالي ومحررات مزوّرة
البداية كانت مع الشاهد الأول، حسام الدين مصطفى، مدير إدارة حسابات الشركة، الذي أوضح أنه خلال مراجعة الشيكات المنصرفة ومستحقات العاملين، تبيَّن وجود فروق مالية واختلاف في مبالغ التسوية الخاصة باثنين من الموظفين، لم تُورد إلى خزينة الشركة، وأكد أن مراجعة أعمال المتهم بيّنت قيامه بخصم تلك المبالغ دون إدخالها في الحسابات الرسمية، فضلًا عن اختلاف في أجور عدد من العاملين الآخرين، ما دفعه لإخطار الإدارة العليا وتشكيل لجنة للتحقيق.
لجنة المراجعة الداخلية تكشف التلاعب
وجاء في أقوال خالد عثمان، ممثل الشؤون القانونية بشركة إنبي، ومحمد محمود ثابت، مساعد رئيس الشركة للشؤون الإدارية، أن اللجنة الداخلية التي شُكّلت لفحص عهدة المتهم عن فترة عمله بالمملكة، انتهت إلى وجود عجز واضح في العهدة النقدية، يمثل قيمة رواتب وبدلات سفر لموظفي الفرع، ثبت أن المتهم اختلسها لنفسه.
وأضاف الشاهدان أن المتهم لجأ إلى تزوير ثلاثة إيصالات استلام، أثبت فيها على خلاف الحقيقة توقيع اثنين من العاملين على استلام أجورهم، بينما لم يتسلموا شيئًا منها، مستغلًا صفته الوظيفية واختصاصه الأصيل في صرف المستحقات وإدارة الخزينة.
شهادات تكشف تفاصيل الاختلاس
وأكد هاني محمد حمزة، رئيس قسم مراجعة المدفوعات بالشركة، أن المتهم كان المسؤول الوحيد عن تسليم أجور العاملين في فرع المملكة، ولم يكن يشاركه أحد في تلك المهام. وأضاف أنه عقب انتهاء مأمورية المتهم وعودة بعض الموظفين للمطالبة بمستحقاتهم، تبيّن عدم صرف الأجور الخاصة بهم، وبفحص الخزينة تبيّن اختفاء تلك المبالغ بالكامل.
وأدلى عبدالرحمن عادل محمد خيري، رئيس قسم الحسابات بالشركة، وأحمد إبراهيم صلاح، المحاسب السابق بفرع السعودية، بأقوال مطابقة، مؤكدين أن المتهم تسلّم مهام الخزينة خلفًا لأحمد إبراهيم، وأنه كان المختص الوحيد باستلام الأموال المخصصة للأجور وبدلات السفر من مقر الشركة الرئيسي، وتوزيعها على العاملين، دون أن يشاركه أي موظف آخر في ذلك.
أما محمد عادل محمد، مدير عام الشؤون المالية بالشركة، فأكد أن المبالغ المختلسة تمثل مستحقات مالية للعاملين بفرع السعودية، وأن المتهم، بصفته أمين خزينة الشركة هناك، كان مؤتمنًا على صرفها وتسليمها لأصحابها، إلا أنه احتفظ بها لنفسه على خلاف الأمانة.
كما قال المهندس مصطفى عبدالمقصود حبيب، من العاملين بفرع الشركة في المملكة، إنه عند عودته من مأموريته توجه لاستلام بدل السفر المستحق له، إلا أنه فوجئ بعدم وجود المبلغ بالخزينة، وعلم لاحقًا أن المتهم كان المسؤول الوحيد عن تسليم المستحقات أثناء فترة تواجده، ولم يكن يشاركه أحد في مهامه.
تحريات الأموال العامة: المتهم اختلس وزوّر لتغطية الجريمة
واستندت النيابة العامة في إحالة المتهم إلى ما جاء في أقوال العقيد فؤاد حسام الدين والعقيد طارق حسن من الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة، اللذين أكدا أن تحرياتهما السرية أثبتت صحة البلاغ، وأن المتهم اختلس مبالغ مالية كبيرة من عهدته خلال فترة عمله بالخارج، وأن جريمته ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بجريمة التزوير في محررات الشركة، إذ حرّر بخط يده ثلاثة إيصالات استلام على غير الحقيقة، نسب فيها توقيعات مزورة لموظفين زملاء له، ثم ضمّها إلى ملفات صرف الأجور لإخفاء معالم الجريمة.
النيابة العامة: الواقعة ثابتة بالأدلة القاطعة
وانتهت النيابة العامة، من خلال مجموع الشهادات والتحريات والمستندات المضبوطة، إلى توافر أركان جريمتي الاختلاس والتزوير في محررات شركة تساهم فيها الدولة، وأمرت بإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات المختصة لمحاكمته على ما نسب إليه من اتهامات، بعدما ثبت أنه استغل صفته الوظيفية لتحقيق منافع شخصية والإضرار بأموال جهة عامة.
رسالة حاسمة ضد العبث بالمال العام
تؤكد هذه الواقعة – كما وصفتها مصادر قضائية – أن أجهزة الدولة الرقابية والقضائية ماضية في ملاحقة كل من تسوّل له نفسه العبث بالمال العام، سواء داخل البلاد أو خارجها، وأن صفة الأمانة لا تسقط بالتكليف الوظيفي، وأن من خانها لا بد أن يحاسب بالقانون.







