عادل توماس يكتب: تعديل قانوني يفتح الباب لاقتحام حرمة المنازل.. البرلمان بين النص الدستوري وسلطة “التبرير”

شهد الشارع القانوني المصري حالة من الجدل العارم، عقب موافقة مجلس النواب المصري على تعديل تشريعي يسمح لبعض الجهات بدخول المنازل دون أمر قضائي مسبب، في حالات وصفت بأنها “ضرورية”.
تعديل أثار قلقًا واسعًا بين القانونيين والمواطنين على حد سواء، لما يحمله من مساس مباشر بحرمة البيوت التي كفلها الدستور بشكل قاطع وواضح.
النص الدستوري… لا يحتمل التأويل
المادة (58) من الدستور المصري جاءت حاسمة في صياغتها: “للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر أو الاستغاثة لا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب.”
هذا النص لم يترك مساحة للالتباس أو الاجتهاد، إذ حصر جواز دخول المنازل في حالتي الخطر أو الاستغاثة فقط، مع اشتراط وجود أمر قضائي مسبب في كل الأحوال الأخرى.
غير أن التعديل الجديد، بصيغته الحالية، يوسّع نطاق السلطة التنفيذية ويمنحها صلاحيات الدخول بموجب “مبررات قانونية” دون رقابة قضائية مسبقة — وهو ما يعد تعارضًا صريحًا مع روح الدستور ونصّه.
الثغرة في الصياغة
يقول عدد من أساتذة القانون إن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في منح الإذن بالدخول، بل في اللغة الفضفاضة التي استخدمت في التعديل، إذ لم يحدد المشرّع بدقة ماهية “المبرر” أو الجهة التي تقيّمه.
هذا الغموض، حسب القانونيين، قد يفتح الباب أمام تجاوزات ميدانية يصعب مساءلتها، ويحوّل “الاستثناء” إلى قاعدة تمسّ جوهر الحقوق الدستورية للمواطن.
الخصوصية… حق دستوري لا يُنتقص
المنزل في الفقه الدستوري يمثل امتدادًا لشخص الإنسان، وحمايته ليست ترفًا بل ركيزة من ركائز الكرامة الإنسانية.
إتاحة الدخول دون إذن قضائي، ولو بحجة الضرورة، تهدد هذا الحق وتضرب الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، خصوصًا في ظل غياب ضمانات واضحة للمساءلة أو التظلم.
ردود الفعل الشعبية والقانونية
على مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت ردود الفعل غاضبة ومتشائمة، المواطنون رأوا أن التعديل يهدد الخصوصية الأسرية ويحول المنازل إلى فضاءات قابلة للاقتحام في أي وقت.
أما في الأوساط القانونية، فقد حذر متخصصون من أن توسيع صلاحيات التفتيش أو الدخول دون إذن قضائي يعد سابقة خطيرة في بنية التشريع المصري، تضعف مبدأ الفصل بين السلطات وتُفقد النصوص الدستورية إلزامها العملي.
بين الأمن والحرية
يؤكد فقهاء القانون أن التوازن بين مقتضيات الأمن العام وضمان الحريات الشخصية يجب أن يكون توازنًا محسوبًا بدقة.
فالأمن لا يُبنى على حساب الحقوق، والحرية لا تكتمل دون شعور المواطن بالأمان داخل بيته، وعندما يُمنح التنفيذ سلطة الدخول دون رقابة، يتحول الحق في الأمان إلى مجرد نص جميل في ورقة الدستور.
القانون وُضع ليحمي لا ليبرر، والدستور خُلق ليضبط السلطة لا ليمنحها امتيازًا على حساب المواطن،
وأي تعديل يمس حرمة المنازل، دون ضوابط صارمة وتفسير محدد، هو مساس بمبدأ العدالة الدستورية ذاته.
في النهاية، يظل السؤال قائمًا: هل ندخل عهدًا تشريعيًا جديدًا تُغلب فيه “المبررات” على “الضمانات”؟
أم ينتصر صوت الدستور، ليؤكد من جديد أن البيت المصري يظل حرمه مصونًا مهما تبدلت الظروف؟