الأموال العامة تطيح بعملية نصب كبرى.. قرية سياحية "وهمية" بالساحل الشمالي

في واحدة من القضايا التي تكشف حجم الجرأة لدى شبكات النصب العقاري، تمكنت مباحث الأموال العامة من كشف تفاصيل عملية احتيال كبرى، بطلها شخص انتحل صفة مسؤول عن شركة عقارية كبرى، وروّج لمشروع غير موجود من الأساس، مستهدفًا مواطنين حالمين بامتلاك وحدة سكنية في "جنة الساحل الشمالي".
بداية الحلم.. "قرية على الورق"
تعود تفاصيل القضية إلى أشهر مضت، حين أعلن المتهم عن مشروع سياحي فاخر بالساحل الشمالي، تضمن وحدات سكنية فاخرة مطروحة للبيع بنظام "التقسيط الميسر". لم يتردد عدد من المواطنين في التقدم لحجز وحداتهم، خاصة بعد أن قدم لهم المتهم عقودًا مختومة، يظهر فيها بصفته "المسؤول عن الشركة المنفذة للمشروع".
الضحايا لم يشكوا في الأمر بدايةً، فالمكان ساحلي مرغوب، والعروض مغرية، والإجراءات بدت قانونية وموثقة بالأوراق. لكن الصدمة جاءت سريعًا، إذ اكتشفوا أن "القرية" التي دفعوا أموالهم فيها لا وجود لها أصلًا.
المحاضر تكشف المستور
عشرات الضحايا توجهوا إلى قسم شرطة أول أكتوبر، وحرروا محاضر ضد المتهم بعد أن تبين لهم خداعه. لم يتوقف الأخير عند حد إنكار التهم، بل استعان بمحاميه وقدّم مستندًا قال إنه "نموذج تجديد ترخيص" صادر من الإدارة الهندسية بمركز ومدينة الحمام بمحافظة مطروح، في محاولة لإثبات أن المشروع قانوني، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر.
تحريات تكشف المستند المزور
أوكلت النيابة مهمة فحص المستند إلى مباحث الأموال العامة. العقيد أحمد شديد، ضابط الإدارة بمديرية أمن الجيزة، قاد التحريات التي كشفت مفاجآت خطيرة ان الترخيص المقدم مزور بالكامل، ولم يصدر من أي جهة رسمية، والخاتم الممهور به المحرر مقلد على غرار خاتم شعار الجمهورية، والمتهم هو من يقف وراء اصطناع المستند، بالاشتراك مع شخص آخر مجهول، بهدف خداع الضحايا وإضفاء "شرعية وهمية" على المشروع.
وبذلك، سقطت آخر محاولة دفاع عن المتهم، الذي لم يعد أمامه سوى مواجهة تهم النصب والتزوير رسميًا.
نصب عقاري متكرر.. الظاهرة تتسع
القضية لم تكن الأولى من نوعها، إذ شهدت السنوات الأخيرة عشرات البلاغات عن مشروعات وهمية، خاصة في المناطق الساحلية الجديدة، حيث تزداد أطماع المواطنين في الحصول على وحدة "أحلام" على البحر.
ويرى خبراء أن أساليب النصب غالبًا تبدأ بـ "إعلانات براقة" على مواقع التواصل الاجتماعي، مدعومة بصور فوتوشوب لمشروعات غير موجودة، ثم تتطور إلى تحرير عقود مزيّفة وختمها بأختام مزورة، كما حدث في هذه الواقعة.
الضحايا بين الخسارة والأمل في العدالة
المتضررون من العملية يعيشون مأساة حقيقية، بعدما دفع بعضهم مقدمات مالية تجاوزت مئات الآلاف من الجنيهات، في حين فقد آخرون مدخراتهم بالكامل.
وقال أحد الضحايا في محضر رسمي: "دفعت 250 ألف جنيه مقدم لحجز شقة، وبعد شهور اكتشفت أن كل شيء وهمي، لا قرية ولا مشروع ولا حتى مكتب للشركة".
الضحايا الآن يعولون على القضاء لاسترداد أموالهم، أو على الأقل معاقبة المتهم ليكون عبرة لغيره.
تحذيرات رسمية للمواطنين
مصدر أمني أكد أن الواقعة جرس إنذار للمواطنين بضرورة التأكد من سلامة الأوراق الرسمية قبل الإقدام على شراء أي وحدات، خاصة في المشروعات الساحلية.
كما شدد على أن أي مستند رسمي يمكن التحقق من صحته بسهولة عبر الجهات المختصة، محذرًا من الاعتماد على عقود أو تراخيص يقدّمها السماسرة أو وسطاء غير معتمدين.