رئيس التحرير
خالد مهران

شهادات تكشف المستور في واقعة الاستيلاء على مليارات رجل أعمال قطري

محمد بن سحيم حمد
محمد بن سحيم حمد عبد الله ال ثان

"وقّعت على أوراق بيضاء بحسن نية، فتحولت إلى مستندات مزورة سرقت مني المليارات".. هكذا لخّص الشيخ محمد بن سحيم حمد عبد الله آل ثاني، 56 سنة، أحد أفراد العائلة الحاكمة في دولة قطر، تفاصيل أكبر قضية استيلاء وتزوير تنظرها حاليًا نيابة الأموال العامة العليا.

فقد أكد أمام جهات التحقيق أن المتهمين – الذين كان يثق فيهم بوصفهم مديري أعماله – استغلوا هذه الثقة أسوأ استغلال، وحصلوا على توقيعه على بياض، ثم ملأوا الفراغات بأوامر تحويل وهمية وعقود بيع أسهم مصطنعة، لينجحوا في الاستيلاء على أمواله وشركاته بطريقة احتيالية.

ولم تكن شهادة آل ثاني وحدها كاشفة لحقيقة المؤامرة، إذ جاءت شهادة عليا بنت أحمد محمد سلطان السويدي، بصفتها مساهمة في شركتي استيت القابضة والصفة القابضة القطريتين، لتؤكد وتدعم ما ذكره.

فقد شهدت أن المتهمين الأول والثاني قاما بالاستيلاء على 30% من الأسهم المملوكة للشركتين في عام 2017، كما استوليا على قيمة بيع أسهم الشركتين في شركتي ناشنال ستيل لإدارة مصانع الصلب ويونايتد ستيل لإدارة مصانع الصلب، والتي تُقدّر بحوالي 2 مليار و700 مليون جنيه مصري.

من الثقة إلى الخيانة

حسب شهادات المجني عليهم، فإن البداية كانت من ثقة مفرطة بالمتهمين، الذين استغلوا مواقعهم كمديري أعمال واستولوا على مستندات موقعة على بياض.
فقد فوجئ الشركاء والمساهمون بانتقال ملكيات لأسهمهم وتنفيذ عمليات تحويل بمبالغ ضخمة دون علمهم، الأمر الذي كشف لاحقًا عن شبكة منظمة من التزوير والتلاعب المالي.

خيوط التحقيق: مليارات على الورق

تحقيقات نيابة الأموال العامة العليا أظهرت أن ما ورد في الشهادات لم يكن سوى قمة جبل الجليد.
فقد كشفت الأوراق أن المتهمين الثلاثة – عبدالله أحمد شاهين يوسف شاهين (54 سنة – كويتي الجنسية)، وعصام قاسم حبيب (58 سنة – كويتي الجنسية)، وعمر عادل المغاوري (49 سنة – مصري الجنسية، مقيم بمدينة الشيخ زايد) – شكّلوا شبكة منظمة للاحتيال على أموال المستثمرين القطريين.

أوامر تحويل بنكية مزورة

البداية كانت باصطناع ثلاثة أوامر تحويل بنكية منسوبة زورًا إلى بنك "عودة مصر"، تجاوزت قيمتها 1.8 مليار جنيه.
ووفقًا للتحقيقات، استعان المتهمون بآخر مجهول لطباعة المستندات باستخدام أجهزة حديثة وتقليد توقيعات المساهمين، قبل أن يقدمها المتهم الثالث إلى موظفي البنك بحسن نية، ليتم تمرير عمليات التحويل وكأنها صحيحة.

تزوير الشركات والصفقات

لم يكتف الجناة بذلك، بل زوّروا أيضًا عقودًا تخص شركات كبرى.
فأبرز المحررات المزورة كانت عقد بيع شركة "جرين دايموند كابيتال" بجزر الكايمان، إضافة إلى محاضر جمعيات عمومية لشركتي "استيت القابضة" و"الصفة القابضة". هذه المحررات أوهمت بأن المساهمين باعوا حصصهم، والتزموا بسداد قيمتها من حصيلة بيع شركات أخرى، في حين أن ذلك لم يحدث على أرض الواقع.

الاستيلاء على الأسهم: 732 مليون جنيه

إحدى الضربات الموجعة كانت عندما نجح المتهمون في الاستيلاء على أكثر من 2.3 مليون سهم من أسهم شركة "استيتك القابضة"، عبر عقود بيع مزورة.
وبمجرد تقديم تلك العقود لشركة وساطة مالية، تم تسجيل الأسهم باسم المتهمين الأول والثاني، لتقدر قيمتها السوقية بحوالي 732 مليون جنيه مصري ذهبت إلى غير مستحقيها.

مليارات تبخرت

تشير التحقيقات إلى أن حجم الأموال التي استولى عليها المتهمون بلغ 2 مليار و720 مليون جنيه، عبر تحويلات وهمية من حسابات شركتي "استيت" و"الصفة" المملوكتين للمجني عليهم، وتم ذلك كله بخداع موظفي البنوك وتقديم مستندات مزورة منسوبة إلى الشركاء.

خيانة الأمانة: الورقة الموقعة على بياض

الواقعة الأكثر خطورة تمثلت في استغلال ورقة تحمل توقيع الشيخ محمد بن سحيم على بياض، كانت في الأصل طلبًا لتحويل بنكي.

المتهم الثالث ملأ البيانات بما يفيد تحويل نحو 907 ملايين جنيه إلى حساب المتهم الأول، ثم تقدم بها إلى البنك وكأنه وكيل شرعي، ليُنفذ التحويل بالفعل.

النيابة: جريمة منظمة عابرة للحدود

أوضحت نيابة الأموال العامة العليا في أمر الإحالة أن القضية ليست مجرد واقعة تزوير عابرة، بل جريمة منظمة متعددة الأركان، جمعت بين التزوير، الاستعمال، خيانة الأمانة، والاستيلاء على أموال الغير بالطرق الاحتيالية.
وأضافت أن قيمة الأموال المتحصل عليها – والتي تجاوزت 3.5 مليار جنيه – تجعلها من أخطر القضايا التي عُرضت على المحاكم في السنوات الأخيرة، خاصة وأنها ارتُكبت عبر أكثر من دولة وباستخدام مستندات وشركات خارجية.

محكمة الجنايات على خط المواجهة

وبناءً على ما ثبت في التحقيقات، قررت النيابة إحالة المتهمين الثلاثة إلى محكمة الجنايات، لاستكمال نظر القضية، مع استمرار ملاحقة المتهم المجهول الذي شارك في اصطناع المحررات المزورة.