افتتاح أولى جلسات التداول ببورصة لندن.. هل تنجح مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية مجددا؟

مع قرع وزير المالية المصري أحمد كجوك جرس افتتاح جلسة التداول ببورصة لندن، بدا أن القاهرة تخوض واحدة من أهم معاركها الاقتصادية: استعادة ثقة المستثمر الأجنبي في وقت تتزاحم فيه التحديات محليًا ودوليًا.
الحدث الرمزي، الذي جاء تحت مظلة "يوم مصر"، حمل رسائل واضحة من الحكومة إلى الأسواق العالمية، مفادها أن مصر عازمة على تجاوز أزمتها الاقتصادية وتقديم نفسها مجددًا كوجهة آمنة وجاذبة لرؤوس الأموال.
لكن السؤال المطروح الآن هل تكفي هذه التحركات الرمزية والخطابية؟ أم أن المستثمر بات بحاجة إلى إجراءات أعمق وضمانات أقوى؟ وهل باتت رسائل الثقة كافية في ظل واقع اقتصادي معقد؟
أزمة ثقة.. أم أزمة إجراءات؟
وفقًا لمحللين، فإن الثقة وحدها لا تكفي لجذب الاستثمارات، بل يجب أن تتواكب مع: إصلاحات حقيقية في مناخ الأعمال، ورفع القيود عن تدفقات العملة الأجنبية، وحماية قانونية فعالة للمستثمرين، وقضاء إداري وتجاري سريع وعادل.
الدكتور محمود محيي الدين، الخبير الاقتصادي الدولي، كان قد صرّح مؤخرًا أن «الاستثمار لا يحب الغموض، ويحتاج إلى بيئة مستقرة وتشريعات حاكمة شفافة».
ماذا يقول المستثمر الأجنبي؟
وفقًا لتقارير بنك الاستثمار "رينيسانس كابيتال"، فإن اهتمام المؤسسات الاستثمارية بالأسواق الناشئة، وبينها مصر، لا يزال قائمًا، لكن تذبذب سعر الصرف وتأخر الإفراجات الجمركية وبعض القيود المالية تقف حائلًا أمام التدفقات الكبرى.
وقال أحد مديري الصناديق الحاضرين لـ "يوم مصر" في لندن إن مصر "تبدو واعدة، لكن على الحكومة تقديم محفزات حقيقية، وإزالة العراقيل البيروقراطية التي لا تزال تؤرق المستثمر".
خارطة طريق الاستثمار.. هل تتضح ملامحها؟
منذ توقيع الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي، تسعى الحكومة المصرية إلى إعادة رسم ملامح الاقتصاد الوطني، عبر خفض دور الدولة تدريجيًا لصالح القطاع الخاص، وطرح أصول مملوكة للحكومة والشركات العامة للمستثمرين المحليين والأجانب، وتنفيذ برنامج للطروحات الحكومية في البورصة المصرية، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر والمستدام.
إلا أن المراقبين يشددون على ضرورة ربط تلك الخطط بجداول زمنية واضحة وآليات متابعة ومساءلة، حتى لا تبقى مجرد وعود على الورق.
القطاع الخاص.. شريك أم شاهد؟
أحمد كجوك وزير المالية أكد في لندن أن "القطاع الخاص بدأ يقود النشاط الاقتصادي"، إلا أن تقارير مستقلة – منها تقرير البنك الدولي الصادر في مايو الماضي – تشير إلى أن القطاع لا يزال يعاني من منافسة غير عادلة مع الكيانات الحكومية، ومن نقص في التسهيلات التمويلية والتشريعية.
ما يحتاجه المستثمر الآن ليس فقط التأكيد اللفظي على دعم القطاع الخاص، بل خطوات تنفيذية تضمن له مساحة حقيقية للنمو والمنافسة والاستقرار التشريعي.
الرسالة وصلت.. فماذا بعد؟
لا شك أن قرع جرس بورصة لندن خطوة موفقة من حيث الدلالة الرمزية والاهتمام الدولي، كما أن تنظيم "يوم مصر" يعكس نية حقيقية لإعادة بناء الجسور مع المستثمر الأجنبي.
لكن نجاح هذه الخطوة يعتمد على مدى استجابة الحكومة للملاحظات الدولية، والسرعة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، والقدرة على تحقيق استقرار نقدي ومالي حقيقي.
وبينما يرحب السوق العالمي بأي بادرة إيجابية من القاهرة، تبقى الخطوة الأهم هي إقناع المستثمر بأن مصر لم تعد فقط تُصدر الوعود.. بل تنفذها أيضًا.
الطريق بدأ من لندن.. لكنه ينتهي في القاهرة
تفتح الحكومة صفحة جديدة في علاقاتها الاستثمارية مع العالم، لكن لا يكفي أن تبدأ من بورصة لندن، بل يجب أن تستكملها بخطوات جادة من قلب القاهرة، حيث تُبنى الثقة وتُقاس الجدية ويُحسم القرار.










