رئيس التحرير
خالد مهران

المؤبد لـ5 أشخاص لإدانتهم بتصنيع «الترامادول» والاتجار فيه بالقطامية

تصنيع الترامادول
تصنيع الترامادول

في واحدة من أخطر قضايا تصنيع وترويج العقاقير المخدرة، أسدلت محكمة جنايات القاهرة، الستار على جريمة هزت الرأي العام، وقضت بالسجن المؤبد لـ5 متهمين ثبت تورطهم في تصنيع عقار "الترامادول" المخدر والاتجار فيه، من داخل ورشة سرية بمنطقة القطامية شرقي القاهرة.

ضبط المصنع.. بداية الخيط

بدأت تفاصيل الواقعة بمعلومة وردت إلى أجهزة الأمن، تفيد بقيام مجموعة من الأشخاص باستغلال مخزن في منطقة القطامية لتحويله إلى معمل غير مرخص لتصنيع الترامادول وتغليفه وترويجه، في انتهاك صارخ للقوانين المنظمة لتداول الأدوية والمواد المخدرة.

وبناءً على إذن من النيابة العامة، داهمت قوة أمنية الموقع، لتعثر على مشهد صادم عبارة عن آلات كبس وتغليف متطورة، مواد أولية وأطنان من المساحيق والعقاقير، وقوالب جاهزة لتعبئة الأقراص، فضلًا عن كميات ضخمة من الترامادول المعد للبيع، وعدد من العقاقير الطبية غير المصرح بتداولها.

الاتهامات: تصنيع وترويج وتهديد للصحة العامة

كشفت التحقيقات التي باشرها فريق من نيابة القاهرة الجديدة، أن المتهمين الخمسة كانوا يديرون ما يشبه "مصنعًا موازيًا" للأدوية، دون أي سند قانوني أو إشراف من الجهات المختصة.

وتبين أن المتهمين حازوا كميات كبيرة من المواد الكيميائية والمركبات الدوائية المستخدمة في تصنيع الترامادول، واستخدموا آلات كبس وتغليف لتجهيز العقاقير في صورة مشابهة للمستحضرات الدوائية المعتمدة، وروجوا المنتج المخدر في السوق السوداء مقابل أرباح ضخمة.

وأكدت النيابة أن هذا النشاط الإجرامي يندرج تحت بند "الاتجار في المواد المخدرة"، ويشكل تهديدًا مباشرًا على الصحة العامة، ويستهدف الفئات الأكثر هشاشة، لا سيما الشباب والمراهقين.

إدانة دامغة

خلال جلسات المحاكمة، حاول دفاع المتهمين التشكيك في نية الحيازة والاتجار، إلا أن الأدلة التي قدمتها النيابة كانت قاطعة، وشملت تسجيلات صوتية ومحادثات توثق صفقات ترويج المخدرات، وتقارير فنية من هيئة الدواء المصرية تؤكد أن المضبوطات تحتوي على مواد مخدرة غير مصرح بها، وتحريات أمنية موسعة أثبتت تورط المتهمين في شبكة توزيع ممتدة.

حكم المحكمة: المؤبد

بعد عدة جلسات استمعت فيها المحكمة إلى أقوال المتهمين والشهود، واطلعت على الأحراز والتقارير الفنية، قضت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بالتجمع الخامس، برئاسة المستشار محمد عبد السلام، بمعاقبة المتهمين الخمسة بالسجن المؤبد.

وأكدت المحكمة في حيثياتها أن الجريمة تمثل "انتهاكًا خطيرًا لحق المجتمع في الصحة والأمان"، وأن المتهمين مارسوا نشاطًا منظمًا يهدف إلى الربح غير المشروع عبر الإضرار بالمواطنين، ما استوجب أقصى درجات العقوبة.

الترامادول.. "الدواء القاتل"

ويعد الترامادول من العقاقير المصنفة كمخدرات، ويحظر تداوله دون وصفة طبية مشددة، نظرًا لتأثيره القوي على الجهاز العصبي واحتمالات الإدمان المرتفعة، إلا أن العقار تحول خلال السنوات الأخيرة إلى مادة منتشرة في الأسواق السوداء، ويُساء استخدامها على نطاق واسع.

وتحذر الجهات الطبية باستمرار من خطورة الاعتماد على الترامادول كمسكن أو منبه، نظرًا لعلاقته المباشرة بتلف الأعصاب والإدمان، وقدرته على تدمير حياة المستخدمين تدريجيًا.

جرائم مشابهة.. وتنامٍ مقلق

قضية "مصنع القطامية" ليست الأولى من نوعها، فقد رصدت الأجهزة الأمنية والقضائية في السنوات الأخيرة زيادة مقلقة في نشاط ورش التصنيع غير المرخصة، التي تستهدف الربح السريع عبر إنتاج أدوية مزيفة أو مخدرة، في ظل غياب وعي شعبي كافٍ، وثغرات في الرقابة على بعض مناطق التصنيع والتخزين.

نداء للرقابة والتشريع

وتطرح هذه القضية تساؤلات مهمة حول مدى فاعلية الرقابة على تداول المواد الكيميائية والأجهزة الطبية، وقدرة الدولة على ضبط الأسواق الدوائية الموازية، والحاجة لتشريعات أكثر حزمًا بحق من يصنّع أو يروّج للمواد المخدرة تحت غطاء المستحضرات الطبية.

رسالة حاسمة من القضاء

جاء الحكم بالسجن المؤبد بمثابة رسالة واضحة من القضاء بأن جرائم تصنيع وترويج المخدرات، مهما اتخذت من أشكال أو تنكرت خلف عباءة الأدوية، ستواجه بأقصى درجات الحسم والردع.

وفي وقت تتسارع فيه وتيرة إغراق الأسواق بعقاقير قاتلة ومجهولة المصدر، يبقى الرهان على وعي المجتمع، وتكامل الجهود بين الأجهزة الرقابية والشرطية والقضائية لحماية المجتمع من هذا الخطر الزاحف.