قصة استغلال شركة «فورى» في النصب على المصريين.. وبيع مستشفى أم المصريين على يد «نصاب خطير»

تعددت أساليب جرائم النصب والاحتيال على المواطنين، وما زال الهاتف المحمول هو العامل المشترك في العديد من القضايا ويتصدر عالم الجريمة في عمليات النصب الحديثة والمبتكرة خاصة بعد وصول «خدمة فوري» شبكة مدفوعات تعمل على تحويل الأموال من أشخاص إلى آخرين على مستوى الجمهورية، حيث استغل النصابون هذه الخدمة وحولوها إلى وسيلة حديثة للنصب على المصريين.
وتُعتبر «خدمة فوري» هي شبكة مدفوعات الكترونية رائدة تقدم خدمات مالية للعملاء والشركات خلال قنوات متعددة وأكثر من 125 ألف موقع، وتتيح طرق آمنة وسهلة لدفع الفواتير عن طريق قنوات متنوعة تشمل ماكينات الصراف الآلي ومحافظ المحمول والمنافذ التجارية بالإضافة للدفع عن طريق الانترنت.
وتشمل شبكة المنافذ التجارية لفوري محلات البقالة الصغيرة والصيدليات والمكتبات ومكاتب البريد، وكل منها مجهز بماكينات نقطة البيع المماثلة لماكينات الدفع الخاصة ببطاقات الائتمان البنكية، وتعمل شبكة فوري من خلال تقنياتها الخاصة المعتمدة دوليا والمطابقة للمعايير العالمية لأمن المعلومات، مثل شهادة ISA 27001 وشهادة PA DSS، وبناء على هذه التقنيات تقوم شبكة فوري بتنفيذ أكثر من مليون ونصف عملية مالية يوميا، وتقدم فوري للشركات والمؤسسات خدمات التحصل والتعاقد مع عملاء جدد وخدمات النقد الإلكتروني وتسهيل المدفوعات بالإضافة لخدمة مراكز التحصيل للشركات.
وعلى الرغم من تصدي الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية لعمليات النصب والاحتيال على المصريين إلا أن ذلك الملف مازال يستقطب ضحايا جدد من حين لآخر، أحدثها ادعاء فوز صاحب رقم هاتف محمول بجائزة مالية من إحدى شركات الاتصالات، ويتواصل النصاب بالضحية عبر الهاتف ويطلب منه التوجه لأقرب مركز «خدمة فورى» لسحب الجائزة، وهنا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث يسقط في فخ عملية نصب ليست في الحسبان وبدلًا من أن يستلم المبلغ يجد نفسه يُطالب بدفع مبلغ نظير تحويله للشخص الذي تواصل معه.
في هذا الصدد تفتح «النبأ» هذا الملف من جديد وتستعرض خلاله تفاصيل أحدث الطرق المبتكرة في عمليات النصب على المواطنين وتناقش هذه القضية مع خبراء أمنيين وقانونيين، خاصة بعد تعرض العديد من المواطنين لمثل هذه الوقائع الجديدة وكيفية مواجهتها وطرق التعامل معها.
«تعرضت لعملية نصب بواسطة مكالمه هاتفيه من أحد الأشخاص»، بهذه الكلمات بدأ (أ. م) حديثه لـ«البنأ» موضحًا أن النصاب أوهمه خلال هذه المكالمة أنه أحد موظفي شركة اتصالات «شهيرة»، وأخبره بأن رقم هاتفه ربح مبلغا ماليا قدره 3000 جنيه – هدية- من الشركة، وسيتم تحويل واستلام ذلك المبلغ عن طريق «خدمة فوري» ويصرف هذا المبلغ من أى أقرب مركز لديه هذه الخدمه.
ويكمل: «تواصل معي عبر هاتفي وطلب مني الذهاب لأقرب مركز لديه (خدمة فوري) لاستلام المبلغ بعد خصم مبلغ 60 جنيها قيمة الخدمة، واستلام باقى مبلغ الهدية بعد الخصم (2940 جنيها) وبالفعل توجهت بالذهاب لأقرب سوبر ماركت به خدمه فوري، وهو معى على الهاتف وطلب منى أن أسأل صاحب السوبر ماركت عن قيمة الخدمة نظير إيداع المبلغ المذكور فأخبرني بنفس كلامه بالقيمة 60 جنيها، ثم طلب منى أن أعطيه صاحب السوبر ماركت ليتم إبلاغه بذلك بنفسه لتحويل المبلغ».
وأضاف أنه أعطى الهاتف لصاحب السوبر ماركت وتحدث معه وبدأ تحويل المبلغ وأخبره بأن عمليه التحويل تمت بنجاح وانتظر استلام المبلغ، إلا أنه فوجئ بأن صاحب السوبر ماركت يطالبه بمبلغ مالي قدره 3060 جنيهًا قيمة التحويل والخدمة لرقم موبايل الرجل الذي كان يتحدث معه، وتم إغلاق هاتفه بعد ذلك، مؤكدًا أنه حاول الاتصال به لكن وجد الهاتف مغلق واكتشف أنه تعرض لعملية نصب بعد نجاح العملية ورد صاحب السوبر ماركت بأنه نفذ ما طُلب منه وأنه غير مسؤول عن ذلك.
ويتابع: «بعد ذلك دفعت المبلغ المطلوب لصاحب السوبر ماركت بعدما اكتملت عمليه النصب، وتوجهت إلى قسم مدينة نصر أول وتقدمت بتحرير محضر بالواقعة».
وأفاد مصدر أمني لـ«النبأ» أن تلك الوقائع منتشرة في القاهرة وتكرر هذا الحادث أكثر مرة، وتعددت البلاغات من قِبل بعض المواطنين لتعرضهم لمثل هذه الوقائع، محذرًا المواطنين من عدم الانسياق وراء هذه العمليات حتى لا يقعوا فريسة لنصاب، ويجب إبلاغ الشركة أيضًا بعمليات النصب هذه، حتى تقوم بالتنسيق مع مباحث الاتصالات لإبلاغهم برقم هذا الشخص في محاولة للتوصله وضبطه، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضده.
بدوره يقول اللواء محمد نور مساعد وزير الداخلية الأسبق، والخبير الأمني، إن عمليات النصب لها أساليب كثيرة منها قديمًا بلاغات «ثورة، والتافهة، والبربور، والذهب السكة»، موضحًا أن النصب هو الإيهام بمشروع كاذب فالمثل الشعبي القائل «طول ما الطماع موجود.. النصاب بخير» فهو يداعب غريزة الطمع لضحاياه «يرمي له البلية ليأكل البرتقالة».
ويضيف «نور» لـ«النبأ» أن عمليات النصب عن طريق فوري هي عمليات نصب مبتكرة، فهذه الجريمة تتطور مع التطور العلمي والتكنولوجي والاستخدامات الحديثة لخدمات فوري والإنترنت، مؤكدًا أن بلاغات النصب تحتاج توافر معلومات كافية للتوصل لهوية النصاب وضبطه إذا كان مجهولًا وليس مقيدًا، وهذا الأمر يستدعي أن جميع شركات الاتصالات لا تقوم ببيع أي خط إلا ببطاقة الرقم القومي والبيانات كاملة لأن الشركات في الدولة المصرية الوحيدة التي تبيع «الخط» لأي شخص في الشارع، فهذه الخطوط تستخدم في النصب وقضايا الإرهاب «تفجير عبوة ناسفة» من خلال اتصال تليفوني، ما يستلزم إجبار شركات الاتصالات أنها لا تبيع الخطوط إلا لشخص معلوم الهوية لديها وأن يكون هناك تفتيش دوري على كل الشركات وفروع التوزيع والمنافذ الخاصة بها وتكون العقوبة رادعة، لأن كثيرا من الناس يتم النصب عليها بخطوط مضروبة.
وأوضح أن عمليات النصب موجود منذ القدم، معتبرًا أن النصاب هو أزكى نوع من النوعيات الإجرامية لأنه لا يستخدم العنف في جريمته أو أسلحة سواء نارية أو بيضاء لترويع الضحية، لكن الضحية هو الذي يذهب له ويتحايل عليه مثل الفنان إسماعيل يس في فيلم «العتبة الخضراء»، ففي حلال الإبلاغ عن نصاب يتم عرض صور المسجلين خطر نصب واحتيال بجميع أساليبها المختلفة على المجني عليه وإذا تعرف عليه يتم ضبطه إيًا كان مكان اختفائه، وإذا كان النصاب غير مسجل ولم يتعرف عليه من خلال الصور، تُقيد القضية ضد مجهول، لكن إذا تكرر البلاغ يتم عمل التحريات ومن خلال مناقشة الضحايا عن المتهم يتم رسم صورة تقريبية له من خلال الأوصاف وعن طريق المصور الجنائي، وبعد ذلك يتم تحديد هويته ويتم ضبطه عقب ذلك، لكن مع الأسف الشديد تكون في النهاية عقوبة «جنحة»، تُعرض على القاضي الجزئي وعقوبتها من شهر إلى 3 سنوات.
ويروي مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير الأمني، لـ«النبأ» تفاصيل قضية نصب صادفته خلال فترة عمله عندما كان (نقيبًا) قائلًا «نصاب باع مستشفى أم المصريين أيام ما كان يتم إنشاؤها في عهد جمال عبد الناصر لشخص، مثل إسماعيل يس في فيلم العتبة الخضراء، دخل النصاب في البداية على العاملين في الإنشاءات بالمستشفى وأعطى لكل واحد منهم جنيها واحدا، وبعد ذلك مّر عليهم وقال لهم الهمة يا رجالة شدوا حيلكم احنا عاوزين نخلص بدري ونسلم الرئيس جمال عبد الناصر مستعجل، فكل العاملين اعتقدوا أن هذا النصاب شخص مسئول وبعد ذلك اصطاد ضحيته من محطة الجيزة بائع القطن ونازل، دخل عليه وقال له مش عاوز فيلا كويسة بيت تبنيه ويبقالك بيت هنا في مصر وأخذه إلى موقع المستشفي وعند وصوله قال للعمال سلام عليكم يارجاله وعملوا لهما شاي لأنه قبلها أعطاهم كل واحد جنيه، فطلب منه الضحية أن يكتب له عقد البيع وسلمه عربون، وأخذ العقد ووعده بأنه سيحضر له باقي المبلغ، وبعد ذلك اكتشف أنه تعرض لعملية نصب».
ويكمل: «حضر الضحية للقسم الذي كنت أخدم به وسرد حكايته وأمسكت عقد البيع وكان مضمونه الآتي: (السلام عليكم يا أمي أنا فلان الفلاني نزلت مصر وزرت حديقة الحيوانات وبها أسود نمور قرود كثيرة وشيء جميل جدًا وفي النهاية إمضاء النصاب وبصمت الضحية)» مؤكدًا هذا هو مضمون عقد بيع مستشفى أم المصريين، على يد مسجل خطر نصب وأسلوب مبتكر يدعى «حسين عبد الناصر»، تم ضبطه وقتها، فكل ما العلم يتطور تتطور أساليب النصابين.