رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الممر.. كيف أنعشت ملحمة الـ«145» دقيقة سوق الأفلام الحربية؟

فيلم الممر
فيلم الممر




ملحمة وطنية جمّعت الأسرة المصرية عن بكرة أبيها أمام شاشات التلفاز الأسبوع الماضي لمشاهدة العرض الأول لفيلم الممر بمناسبة احتفالات الذكرى الـ«46» لانتصارات أكتوبر عام 1973.




لم يكن «الممر» عملا فنيا عابرا يناقش قضية وطنية، أو يعيد لأذهان المصريين مشاهد النصر العظيم وعبور قناة السويس ورفع العلم المصري على أرض سيناء الطاهرة، بل امتلك طابعا خاصا كونه ملحمة تاريخية جديدة تضاف إلى أرشيف الأفلام الوطنية الحربية التي تجسد بطولات القوات المسلحة المصرية عبر تاريخها، مثل «الطريق إلى إيلات» و«الرصاصة لا تزال في جيبي» و«أغنية على الممر» و«العمر لحظة» و«حائط البطولات».








يتميز «الممر» عن غيره من الأفلام التي تناولت نصر أكتوبر؛ في صعوبة التنبؤ بأحداثه حال مشاهدته فهو يتناول زاوية مختلفة تمامًا عن الأعمال السابقة لرصده «الفترة الغائبة» عن عمد طيلة تاريخ السينما المصرية، وهي وقت نكسة 1967 وحرب الاستنزاف وما شاهده الشارع المصري من غليان وغضب عارم تجاه القوات المسلحة وعلاقة الشعب المصدوم بالجيش في هذا التوقيت العصيب وهو ما جسده ببراعة مخرج «الممر» شريف عرفة في مشهد السنترال وتهكم الموظف وعدد من الموجودين على الضابط نور وعدم قدرة الأخير على ضبط النفس والتعدي على الموظف وكسر محتويات السنترال بالكامل ليتصاعد الموقف وتتدخل قوات الأمن بوزارة الداخلية لحل الأمر.



وفي الحقيقة لم يكن مشهد السنترال في فيلم الممر هو الوحيد الذي تناول مسألة السخرية من القوات المسلحة عقب النكسة، فقد سبقه أيضًا فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي خلال مشهد بطل الفيلم محمود ياسين وهو يبحث عن مكان له بالقطار فاتجه إلى آخر عربة وفوجئ بأحد الركاب يقول له «جرى إيه يا دفعة بتنسحب ليه؟»، فقام راكب آخر بالإجابة «سيبه ما هو اتمرن على الانسحاب».








ومن المتوقع أن يشهد سوق السينما انتعاشة قوية لهذه النوعية من الأعمال الفنية الحربية خاصة أن «الممر» مهّد الطريق أمام صناع السينما لإنتاج عدد من الأفلام الوطنية والحربية؛ لاسيما مطالبات الجماهير بإنتاج المزيد من تلك الأعمال لشعورهم بالنشوة والسعادة والتفاخر عقب الانتهاء من مشاهدة العمل وهو ما يُثبت نجاح العمل في مهمته الأساسية ألا وهي إعادة إحياء الروح الوطنية ودحر سهام الفرقة بين أطياف الشعب.




وتأتي أهم ركائز نجاح «الممر» جماهيريًا والذي تخطت إيراداته حاجز الـ«75» مليون جنيه وحصوله على المركز الرابع في قائمة الأفلام الأكثر دخلًا بتاريخ السينما المصرية رغم عدم تناوله أحداث حرب أكتوبر 1973، والاعتماد على الـ«معركة الواحدة» وهي بطولة قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف وعلى رأسهم القائد الباسل «نور» وهو ما وفرّ لكاتب العمل فرصة فرد العديد من التفاصيل وإعطاء مساحة واسعة للدراما والحكايات الإنسانية المرتبطة بالقصة الأساسية وإعداد المعركة بشكل جيد من البداية حتى النهاية وهو ما أدى إلى ارتباط المشاهد بالعمل وأبطاله وأتاحت له فرصة الخوض معهم في الرحلة والتعايش معها كونه جزءٍا منها بدلًا من تشتته وتوهانه في مشاهد الكر والفر وانفجار القنابل وإطلاق النيران والمدافع.




كما ساهمت بشكل كبير اختيارات المخرج شريف عرفة، والتي تميزت بالتنوع ووجود نجوم كبار في نجاح الفيلم مثل أحمد عز وهند صبري، وأحمد فلوكس وأحمد رزق، ومحمد فراج، والتي تعد من أهم عوامل جذب الجمهور للعمل.



نرشح لك: إياد نصار.. شخصية الضابط «ديفيد» تكشف عن «غول تمثيل» لم يظهر بعد







وأدى الإنتاج الضخم للعمل إلى خروجه بشكل فريد عن الأفلام الأخرى التي خرجت للنور للمنافسة في نفس توقيت العرض، فحسبما أعلن المنتج هشام عبد الخالق، منتج العمل، أن التكلفة الإنتاجية لـ«الممر» تجاوزت الـ«100» مليون جنيه، واستغرق «10» أسابيع تصوير على مدار «6» أشهر. 




وواجه المخرج شريف عرفة، صعوبات شديدة خلال التحضير للعمل، لكنه تغلب عليها ببراعة شديدة تستحق الإشادة كما لاقى دعما قويا من القوات المسلحة المصرية خاصة في بناء ديكورات تلك المواقع بالكامل وتصميم المعارك التي استخدم فيها الرصاص الحي ومتفجرات حقيقية.




حيث حظى العمل برعاية خاصة من قِبل المؤسسة العسكرية؛ حيث وفرت عددا من الضباط والجنود لتدريب الممثلين على حمل السلاح وفنون القتال المختلفة والقفز والحركة وتحية القادة والعلم وكافة التفاصيل المُتعلقة بالحياة العسكرية خاصة وقت إندلاع الحروب بالإضافة إلى الاستعانة بفريق عمل أمريكي لتصوير مشاهد الأكشن ليظهروا أمام الشاشة كـ«ضباط حقيقيين وليسوا مجرد مؤدين لأدوارهم».






ويعتبر إنتاج عمل فني حربي صعب للغاية، فخلال العقود الماضية اعتبر غالبية المنتجين وصناع السينما المصرية الإقدام على صناعة عمل هكذا عملية مجازفة للغاية أشبه بـ«الانتحار» فتلك الصناعة تعتمد في الأساس على الربح لكن المعادلة الصعبة هي الجمع بين الربح والأثر الذي يتركه العمل في نفوس مشاهديه والذي قد يستمر لعقود طويلة، فالمنتج يسعى في المقام الأول للربح ما يجعله يعتمد على «تيمات» معروفة وكليشيهات متكررة لضمان النجاح مثل فكرة تجارة المخدرات أو «توريط البطل» في جريمة قتل أو عملية إرهابية أو وقائع فساد وغسيل أموال ليبدأ «بطل العمل» في التعامل مع الأزمة وتتصاعد المشاهد والصراع الدرامي، أو الاعتماد على الكوميديا والتي هيمنت خلال السنوات الماضية على حسبة «شباك التذاكر» فالمزاج العام للجمهور يجد متنفسًا من ضغوط الحياة في أعمال الكوميديا.



وتحتاج الأعمال الحربية إلى تكلفة إنتاجية كبيرة وضخمة كما حدث في «الممر» والذي تعادل كُلفه إنتاجه ميزانية إنتاج «3» أعمال عادية.



كما يعتقد المنتجون أن الأفلام الوطنية والحربية لن تجد القبول أو الحضور الجماهيري المطلوب الذي يُخطى تكاليف الإنتاج ويُحقق المكاسب، بالإضافة إلى حمل أزمة الأجور الضخمة الذي يحددها النجوم الكبار على عاتقه كونها أبرز المعوقات التي تُسبب في تضخم التكلفة.



ومن المتوقع خلال الفترة القادمة استثمار عدد من المنتجين النجاح المُذهل الذي حققه «الممر» والحالة التي خلقها من إعادة روح الوطنية، في إنتاج أعمال تدور في نفس الإطار خاصةٍ وأن المادة الخام متوفرة بغزارة؛ فالتاريخ المصري يحمل الآلاف من البطولات والقصص الملحمية المؤهلة لتحويلها إلى عمل فني وإضافة بعض «الحبكات الدرامية» لها.



نرشح لك: أسماء أبو اليزيد.. حكاية سمراء سيناوية أربكت قلب المجند هلال والمصريين