صبري عبد الحفيظ يكتب: حزب الله.. انتهى زمن المليشيات
تكشف حادثة استهداف هيثم علي طبطبائي – الذي تقدمه المصادر الإسرائيلية كرأس جديد للجناح العسكري لحزب الله وخليفة فؤاد شكر – حجم الهشاشة التي يعيشها التنظيم على الصعيدين السياسي والأمني.
فرغم أنّ الحزب تلقى في السنوات الأخيرة سلسلة ضربات قاسية أدت إلى تصفية الغالبية الساحقة من قادته العسكريين، وصولًا إلى مقتل أمينه العام حسن نصرالله، فإنّه لم ينجح حتى الآن في سد ثغراته أو منع الاختراقات المتكررة التي تنفذها إسرائيل بسهولة لافتة.
تظهر المعلومات المتداولة في الإعلام الإسرائيلي أن طبطبائي، المولود في بيروت عام 1968، تولى قيادة قوة الرضوان، وشارك في عمليات الحزب في سوريا واليمن، قبل أن يصبح مسؤولًا عن العمليات بعد تصفية كبار القادة خلال الحرب الحالية. ورغم خبرته الطويلة ونجاته من محاولات اغتيال سابقة، بقي مكشوفًا أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تمامًا كما حدث مع من سبقوه.
نجاة طبطبائي من الهجوم الإسرائيلي في القنيطرة عام 2015، ثم إرساله إلى اليمن لفترة، كلها شواهد على أن الرجل كان هدفًا دائمًا، وأن الحزب لم يتمكن من حمايته أو حماية أي من قادته فعليًا.
تقول تقارير الجيش الإسرائيلي أن طبطبائي كان يشارك في إعادة بناء البنية العسكرية للحزب مع القيادي محمد حيدر، لكن الوقائع على الأرض تظهر أن عملية "إعادة البناء" نفسها باتت تحت أعين إسرائيل، التي صارت تضرب قيادة الحزب في كل مرة بالطريقة نفسها تقريبًا، لا فرق بين قيادات كبيرة أو متوسطة أو عنصر صغير، كلهم يتم اصطيادهم بسهولة.
منذ توقيع اتفاق وقف النار قبل عام في 27 نوفمبر 2024، تمكنت إسرائيل من قتل نحو 370 قياديًا وعنصر في حزب الله، بعضهم قتل وهو في سيارة أو على دراجة نارية، ما يؤكد أن الاختراق كبيرًا جدًا.
هذا التسلسل المتكرر يكشف فشلًا عميقًا داخل حزب الله، ويؤكد أن التنظيم لم يجرِ أي مراجعة حقيقية لأخطائه، ولم يطور منظومته الأمنية أو أساليب العمل، بل يؤكد أيضا أنه ليس بهذه القوة التي جرى تسويقها خلال السنوات العشرين الماضية، فهو نمر من ورق، الهدف كان تخويف محيطه العربي ولبنان.
الحرب الإسرائيلية الحالية على حزب الله، وما نتج عنها من انكسار عسكري غير مسبوق، تعد أكبر دليل على أن الحزب لم يعد قادرًا على لعب الدور الذي يزعم أنه وجد من أجله. فبدلًا من حماية لبنان، أصبح عبئا أمنيًا وسياسيًا عليه، وأصبح سلاحه عاملًا لزعزعة الداخل، وإدخال لبنان في دوامة صراعات لا مصلحة له فيها.
هذه الهزيمة الساحقة تؤكد أن الوقت قد حان ليسلم الحزب سلاحه وينخرط في الحياة السياسية اللبنانية كحزب مدني طبيعي، بعيدًا عن منطق الميليشيا، فالعمل العسكري يجب أن يبقى حصرًا في يد الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية، وليس في يد تنظيم يجر البلاد من حرب إلى أخرى دون حساب أو مسؤولية.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن السلاح الذي يحمله حزب الله لم يستخدم للدفاع عن لبنان، بل لتأدية أدوار عنيفة لصالح إيران في سوريا واليمن ولبنان وبعض الدول العربية.
وفي الوقت نفسه، لم يحدث أي تأثير فعلي في مسار الصراع العربي– الإسرائيلي، ولم ينجح في فرض معادلة ردع حقيقية، بل على العكس، كانت نتيجة هذا السلاح:
انهيار أمني داخلي، وخسائر بشرية ضخمة داخل الطائفة الشيعية نفسها، فضلًا عن عزلة سياسية للبنان، وفتح الباب واسعًا أمام الاختراق الإسرائيلي.
ما يتعرض له حزب الله اليوم ليس مجرد سلسلة اغتيالات، بل انكشاف كامل لمنظومته الأمنية، وفشل ذريع في حماية داخل التنظيم نفسه. ومع الهزيمة العسكرية المدوية التي يتلقاها في الحرب الأخيرة، يصبح استمرار حمله للسلاح خارج المنطق وخارج المصلحة الوطنية.
لقد انتهى الزمن الذي كان فيه الحزب ممانعة، وسقطت عنه ورقة التوت المسماة مقاومة، وعلى اللبنانيين – وعلى الحزب نفسه – أن يدركوا أن مستقبل لبنان لا يبني بمليشيات، بل بدولة وجيش ومؤسسات.

