رئيس التحرير
خالد مهران

المستشار وليد عز الدين يكتب: هل الامتناع عن رد تحويل «إنستاباي» الخاطئ جريمة أم التزام مدني؟

المستشار وليد عز
المستشار وليد عز الدين

في زمن التحويلات الفورية والاقتصاد الرقمي، لم يعد الخطأ المالي مجرد زلة حسابية، بل قد يتحوّل إلى قضية جنائية تُشغل الرأي العام.

فبين ليلة وضحاها، قد تجد في حسابك مبلغًا لم ترسله جهة تعرفها، ثم تنهال عليك المكالمات والمطالبات: رجّع الفلوس!

وهنا يثور السؤال القانوني الأهم: هل من يتلقى تحويلًا خاطئًا ويحتفظ به يُعتبر مجرمًا أمام القانون، أم أن ما فعله لا يعدو كونه التزامًا مدنيًا بالردّ؟

أولًا: القانون لا يعرف التجريم بالنية

الأصل الدستوري واضح: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

والامتناع عن رد تحويل خاطئ لا يرقى بذاته إلى فعل جنائي، إلا إذا اقترن بسلوك احتيالي أو تدليس متعمّد.

فالمبدأ أن الخطأ لا يُنشئ جريمة، وأن الشك دائمًا يُفسَّر لصالح المتهم.

ثانيًا: التكييف الواقعي للواقعة

القصة ببساطة: شخص تلقّى مبلغًا عبر «إنستاباي» بطريق الخطأ، فعلم بذلك وامتنع عن رده.
القانون هنا يميز بين النية الجنائية والمسؤولية المدنية.

فلا يوجد اختلاس ولا احتيال، وإنما إثراء بلا سبب يجب ردّه، وليس استيلاء يعاقب عليه.

 ثالثًا: لماذا لا تنطبق الجرائم التقليدية؟

السرقة؟ لا، لأن المال أُرسل برغبة من صاحبه، ولو عن طريق الخطأ.

خيانة الأمانة؟ لا، لأن العلاقة بين الطرفين لم تنشأ من عقد أمانة.

الاحتيال الإلكتروني؟ لا، إذ لم يحدث اختراق أو تلاعب تقني، بل مجرد خطأ مصرفي مشروع.

كل هذه الجرائم تفترض نية إجرامية غير متوافرة في هذه الحالة.

رابعًا: الوجه المدني للحقيقة القانونية

من زاوية القانون المدني، الواقعة تخضع لنص المادة (182) من القانون المدني المصري:
كل من تسلّم شيئًا بغير حق وجب عليه رده.

إذن، الالتزام هنا مدني خالص — التزام بردّ ما أُثرِي به دون وجه حق.

ولا يُعتبر الجاني مجرمًا، بل مدينًا في ذمته بالتزام مالي تجاه من أرسل التحويل.

خامسًا: ضرورة تدخل المشرّع

رغم وضوح المبدأ، إلا أن التطور التقني خلق فراغًا تشريعيًا يستوجب تدخلًا عاجلًا:

1. استحداث نص جنائي خاص يُجرّم الامتناع العمدي عن ردّ التحويلات الخاطئة بعد ثبوت العلم.

2. تخويل البنوك سلطة تجميد المبالغ المشتبه فيها فور الإبلاغ لحين تسويتها قانونيًا.

3. وضع آلية إلكترونية موحدة لتصحيح التحويلات الخاطئة بين البنوك.

4. نشر الوعي القانوني بين المستخدمين بأن الاحتفاظ بالمبلغ ليس حقًا مكتسبًا.

سادسًا: الخلاصة

إن الامتناع عن ردّ تحويل إنستاباي الخاطئ ليس جريمة جنائية بالمعنى القانوني،
لكنه إخلال بالتزام مدني يُوجب الردّ وفقًا لمبدأ الإثراء بلا سبب.

غير أن استمرار هذا الفراغ التشريعي قد يفتح الباب أمام استغلالات أو نزاعات متكررة، ولهذا فإن التدخل التشريعي ليس ترفًا، بل ضرورة لحماية الثقة في أنظمة الدفع الرقمية وضمان العدالة في الفضاء المالي الحديث.