رئيس التحرير
خالد مهران

المستشار وليد عز الدين يكتب: جريمة خيانة الائتمان على ورقة ممضاة على بياض بين الحماية الجنائية للثقة وحدود التزوير في القانون المصري

المستشار وليد عز
المستشار وليد عز الدين

لا تزال جريمة خيانة الائتمان على الورقة الممضاة على بياض من أكثر الجرائم شيوعًا في الواقع العملي، وأكثرها إثارة للجدل أمام المحاكم، نظرًا لتداخلها الدقيق مع جريمة التزوير، واعتمادها في جوهرها على عنصر الثقة التي يمنحها صاحب التوقيع لمن ائتمنه على ورقة تحمل إمضاءه أو ختمه.

وقد أفرد المشرع المصري لهذه الجريمة نصًا خاصًا في المادة (340) من قانون العقوبات، إدراكًا منه لخطورة إساءة استعمال التوقيع، وتحويله من أداة قانونية مشروعة إلى وسيلة للإضرار بالذمة المالية أو القانونية لصاحبه.

أولًا: الإطار القانوني للجريمة

تنص المادة (340) من قانون العقوبات على أنه: «كل من اؤتمن على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض فخان الأمانة وكتب في البياض الذي فوق الختم أو الإمضاء سند دين أو مخالصة أو غير ذلك من السندات التي يترتب عليها حصول ضرر لصاحب الإمضاء أو الختم أو لماله، يعاقب بالحبس».

ويُستفاد من هذا النص أن المشرع لا يجرم مجرد الكتابة فوق التوقيع، وإنما يجرم خيانة الثقة الممنوحة، متى اقترنت بإرادة الإضرار.

ثانيًا: ماهية خيانة الائتمان على التوقيع

تفترض هذه الجريمة أن يقوم صاحب التوقيع بتسليم ورقة موقعة أو مختومة على بياض إلى شخص آخر، على سبيل الأمانة، لغرض قانوني محدد، فيقوم الأخير بملء الفراغ على غير ما تم الاتفاق عليه، وبما يترتب عليه ضرر.

ومن ثم، فإن محل الحماية في هذه الجريمة ليس الورقة ذاتها، وإنما الثقة التي أولاها صاحب التوقيع لمن ائتمنه عليها.

ثالثًا: التفرقة بين خيانة الائتمان والتزوير

استقر قضاء محكمة النقض على أن:

• تغيير الحقيقة في الورقة الموقعة على بياض ممن استؤمن عليها يعد خيانة ائتمان.
• أما إذا حصل الجاني على الورقة دون تسليم اختياري، فإن ملء الفراغ يُعد تزويرًا في محرر عرفي.

كما أن تجاوز مجرد ملء الفراغ إلى محو بيانات ثابتة أو إزالة بيان يحدد الغرض من الورقة ينقل الفعل من نطاق خيانة الائتمان إلى جريمة التزوير المادي.

رابعًا: أركان جريمة خيانة الائتمان

1- وجود ورقة ممضاة أو مختومة على بياض

ولا يشترط خلو الورقة تمامًا من الكتابة، بل يكفي وجود فراغ مقصود لملئه لاحقًا، ويتم ملؤه على خلاف الاتفاق.

2- تسليم الورقة على سبيل الأمانة

وهو الركن الجوهري في الجريمة، إذ لا تقوم خيانة الائتمان إلا إذا كان التسليم:

• اختياريًا
• صادرًا من صاحب التوقيع
• ناقلًا لحيازة أمانة لا حيازة نهائية

أما إذا حصل الجاني على الورقة خلسة أو بطريق الاحتيال، انتفت الجريمة وحل محلها التزوير.

3-  خيانة الأمانة

وتتحقق بكل كتابة تخالف الغرض المتفق عليه، ولو في بيان واحد فقط، دون اعتبار لشكل الكتابة أو لغتها.

4- تحقق الضرر

ويكفي أن يكون الضرر:
• ماديًا أو أدبيًا
• محققًا أو محتملًا
• واقعًا على صاحب التوقيع ذاته

فإذا انتفى الضرر، انتفى الركن.

5- القصد الجنائي

ويتمثل في علم الجاني بمخالفة ما يكتبه لما اتُفق عليه، وبأن من شأن هذا الفعل الإضرار بصاحب التوقيع، ويكفي في ذلك القصد الاحتمالي.

خامسًا: التصالح وأثره على الدعوى الجنائية

أجاز المشرع، بنص المادة (18) مكرر (أ) من قانون الإجراءات الجنائية، التصالح في جريمة خيانة الائتمان، ويترتب عليه:

• انقضاء الدعوى الجنائية
• ولو كانت مرفوعة بالادعاء المباشر
• دون مساس بالحقوق المدنية للمجني عليه

وقد استقر قضاء النقض على أن التصالح يوجب الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية بقوة القانون.

وتمثل جريمة خيانة الائتمان على الورقة الممضاة على بياض صورة دقيقة لإساءة استعمال الثقة، وهو ما واجهه المشرع المصري بتجريم واضح، وضبطه القضاء بحدود فاصلة بين خيانة الائتمان والتزوير، حمايةً للمعاملات واستقرارًا للثقة في التعامل القانوني.

وتبقى القاعدة الأهم: التوقيع على بياض ثقة… وخيانتها جريمة لا يغفرها القانون