رئيس التحرير
خالد مهران

شبكات التزوير تهدد الثقة في المحررات الرسمية.. ستيني في قفص الاتهام وأراضٍ مهددة بالاستيلاء

ستيني في قفص الاتهام
ستيني في قفص الاتهام وأراضٍ مهددة بالاستيلاء

في واحدة من أخطر القضايا التي تكشف حجم التلاعب بالأوراق الرسمية في مصر، كشفت تحقيقات النيابة العامة وتحريات الأموال العامة وتقارير الطب الشرعي عن خيوط شبكة تزوير محكمة، بطلها رجل ستيني، لم يكتفِ باصطناع توكيل مزور للاستيلاء على أرض بمدينة العبور، بل امتدت جرائمه إلى تقليد أختام حكومية، واستغلال موظفين عموميين حسني النية، وتوريط أطراف أخرى في محررات مشبوهة تهدد الثقة في منظومة التوثيق بأكملها.

البداية: توكيل عام مزور

القضية بدأت عندما انتهت النيابة العامة على اتهام رجل يبلغ من العمر 64 عامًا بالاشتراك مع آخر مجهول في اصطناع توكيل رسمي عام، منسوب صدوره زورًا إلى مكتب توثيق الشهر العقاري بالإسماعيلية.

المتهم لم يكن وحده، بل شارك شريكًا مجهولًا زوده بالبيانات اللازمة، ليقوم الأخير باصطناع المحرر على غرار الصحيح، ممهورًا بتوقيعات منسوبة زورًا للمجني عليه حازم يوسف صلاح الدين، ومذيلًا بخاتم مقلد لشعار الجمهورية.

استغلال موظف حسن النية

لم يتوقف الأمر عند التوكيل المزور الأول، إذ لجأ المتهم إلى مكتب توثيق الأهرام، حيث مثُل أمام أحد الموظفين العموميين "حسن النية"، مقدمًا المحرر المزور الأول على أنه صحيح، طالبًا تحرير توكيل ثانٍ جديد.
وبالفعل، دوّن الموظف بيانات التوكيل استنادًا إلى المحرر المزور، ليكتمل بذلك ركن جديد من الجريمة، ويُفتح الباب أمام محاولة الاستيلاء على أراضي المجني عليه عبر محررات ظاهرها قانوني وحقيقتها باطلة.

تقليد خاتم رسمي

الأخطر في القضية أن التحقيقات أثبتت اشتراك المتهم مع آخر مجهول في تقليد خاتم مكتب توثيق الشهر العقاري بالإسماعيلية.
فقد جرى إعداد قالب مقلد للخاتم، استُخدم في طبع بصمتي شعار الجمهورية على المحررات المزورة. وعُرضت هذه المحررات لاحقًا على الموظفين المختصين بمكتب الهرم للاعتداد بها كمستندات رسمية.

صدمة المجني عليه: اكتشاف توكيلات للاستيلاء على أرضه

المجني عليه، وهو مالك قطعة أرض بمدينة العبور، فوجئ بوجود توكيلات مزورة منسوبة إلى أكثر من مكتب توثيق، تخول الغير حق التصرف في ملكيته.
المفاجأة الأكبر أنه قدم ما يثبت عدم وجوده داخل البلاد بتاريخ صدور التوكيل الأول، ما أسقط أي شبهة عن مسؤوليته، وأكد وجود شبكة منظمة تقف خلف تلك المحررات.

شهادة موظف الأهرام: ثغرة إجرائية

في شهادته أمام النيابة، أوضح موظف مكتب توثيق الأهرام أنه حرر التوكيل الثاني بالفعل، مؤكدًا أن إجراءاته تقتصر على الشكلية دون التحقق من صحة المحررات المقدمة من مكاتب أخرى.
التصريحات كشفت عن ثغرة خطيرة في منظومة التوثيق، إذ يمكن تمرير توكيل مزور في مكتب ما، ليُبنى عليه لاحقًا توكيل صحيح شكليًا بمكتب آخر.

تحريات الأموال العامة: جريمة مركبة

تحريات المقدم كمال سليم، الضابط بإدارة مكافحة جرائم الأموال العامة، أوضحت أن المتهم ارتكب جرائم تزوير مادي ومعنوي بالاشتراك مع آخرين، مستخدمًا بيانات وهمية وأختامًا مقلدة.
كما أشارت التحريات إلى أن المتهم استعمل التوكيل الأول المزور في استصدار توكيل ثانٍ لصالح شخص يدعى ريمون إبراهيم، في محاولة لتمكينه من التصرف في أرض المجني عليه، تاركة مدى تورط الأخير للتحقيقات القضائية.

تقرير الطب الشرعي: الدليل الحاسم

الإدارة المركزية لشؤون أبحاث التزييف والتزوير بقطاع الطب الشرعي حسمت الجدل، حيث أكدت أن المتهم هو كاتب التوقيعات المنسوبة زورًا للمجني عليه على التوكيلات.
كما أثبت التقرير أن بصمات الأختام على التوكيل الأول لم تُنتج من الخاتم الرسمي، وإنما من قالب مقلد، هذه النتائج شكلت الدليل الفني القاطع الذي يربط المتهم مباشرة بجريمة التزوير.

أبعاد قانونية


يواجه المتهم سلسلة اتهامات ثقيلة تشمل الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة في تزوير محررات رسمية، وتقليد أختام حكومية، واستعمال محررات مزورة للإضرار بحقوق الغير.

خطورة القضية على المجتمع

القضية لا تخص أرض المجني عليه وحده، بل تمثل تهديدًا مباشرًا للثقة العامة في المحررات الرسمية، 
فالثغرات في إجراءات مكاتب التوثيق تسمح بتمرير محررات مزورة قد تؤدي إلى الاستيلاء على أموال وممتلكات المواطنين، بل وربما استصدار قرارات إدارية أو قضائية باطلة.


مطالب بالإصلاح

قانونيون وخبراء طالبوا بضرورة تفعيل الربط الإلكتروني بين مكاتب التوثيق على مستوى الجمهورية، وإتاحة آلية للتحقق الفوري من صحة التوكيلات السابقة قبل إصدار أي محرر جديد، وتشديد الرقابة الداخلية على الموظفين والإجراءات، وتغليظ العقوبات على المتورطين في شبكات التزوير المنظمة.


من توكيل واحد مزور، إلى شبكة تضم محررات رسمية وأختام مقلدة وشركاء مجهولين، تكشفت خيوط قضية معقدة باتت نموذجًا صارخًا على خطورة التلاعب بالمحررات الرسمية.

ومع صدور تقرير الطب الشرعي، باتت أوراق القضية شبه مكتملة، في انتظار كلمة المحكمة التي ستحدد مصير المتهم الهارب، بينما يبقى السؤال الأكبر مطروحًا: كيف نغلق ثغرات التوثيق ونحصّن حقوق المواطنين من أيدي المزورين؟