رئيس التحرير
خالد مهران

خطة الحكومة للاستغناء عن قروض صندوق النقد الدولى

صندوق النقد الدولى
صندوق النقد الدولى

تشهد الفترة الحالية حالة من الجدل حول بداية عصر جديد من الإصلاحات الاقتصادية تمتد حتى عام 2030، بعيدًا عن القروض وصندوق النقد الدولي، لا سيما مع اقتراب انتهاء البرنامج الحالي شهر نوفمبر 2026.

وتأتي حالة الجدل، بالتزامن مع فرض الصندوق شروط «لا يقبل التنازل عنها»، مقابل صرف دفعات المراجعة الخامسة والسادسة لمصر بقيمة 2.5 مليار دولار، وهو ما يتبعه صرف 274 مليون دولار قيمة الشريحة الأولى، ضمن برنامج الصلابة والاستدامة.

وتتمثل الشروط في تنفيذ إصلاحات في برنامج الطروحات، وخفض دعم الوقود، وهو ما لاقى هجوما كبيرا، وخاصة مع موجة الغلاء الذي يعيش فيها المواطنين.

وكانت مصر تتبنى برنامجًا مع صندوق النقد الدولي بدأ في 2022، بعد مطالبتها بقرض بقيمة 3 مليارات دولار؛ للخروج من الأزمة الاقتصادي إثر الحرب الأوكرانية الروسية وهروب 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وعليه أقرَّ الصندوق الموافقة بشرط تنفيذ حزمة من الإصلاحات.

ووافق صندوق النقد، مارس 2024، على رفع قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار؛ بهدف تدعيم الإصلاحات الاقتصادية.

وأنجزت مصر 4 مراجعات بالبرنامج، تلقت خلالها نحو 3.3 مليار دولار، لكن الصندوق أرجأ الموافقة على المراجعة الخامسة مع السادسة، إلى سبتمبر الحالي؛ لتحقيق الأهداف الأساسية لبرنامج الإصلاح.

رؤية اقتصادية جديدة بعيدة عن الصندوق

وفي مايو الماضي، أعلن الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن مصر لن تكون بحاجة إلى برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي مكتفية بالبرنامج الحالي الذي ينتهي في عام 2026.

وخلال الأيام القليلة الماضية، كشفت الحكومة عن رؤية اقتصادية متكاملة تمتد حتى عام 2030 تحمل عنوان «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل» والابتعاد عن القروض والدعم الخارجي والديون.

ومن المقرر، أن تُطرح السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، للحوار المجتمعي بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين، بهدف التوصل إلى توافق وطني واسع حول أولويات الاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة.

واعتبر خبراء الاقتصاد، أن «السرية الوطنية للتنمية الاقتصادية»، هي «توديع» صندوق النقد الدولي والاعتماد على الاقتصاد الوطني بشكل نهائي.

جاء ذلك في الوقت نفسه الذي قال فيه المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، ووزير الاستثمار السابق، محمود محيي الدين: «العلاقة الحالية بين مصر وصندوق النقد تأتي في إطار (اقتصاد إدارة أزمات) منذ عام 2015»، لافتًا إلى أن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على النمو والتنافسية.

وأشار «محيي الدين»، إلى أن الوقت حان للتمرد على تلك العلاقة المقيِّدة للحركة، التي كانت مطلوبةً في وقتها؛ نتيجة وجود اختلالات مالية ونقدية منذ عام 2015.

ولكن ظل المشهد بعد تصريحات محيي الدين، ضبابًا لما فيه من قطع العلاقات مع الصندوق، ليخرج فيما بعد لتوضيح ما يقصده، قائلًا: «علاقتنا مع صندوق النقد الدولي سوف تنتهي في نوفمبر 2026، من العبث أن أقول إننا لا نكمل هذا البرنامج».

وتابع «محيي الدين»: «كنت أتحدث عن علاقة مصر مع صندوق النقد الدولي بعد انتهاء البرنامج، وهي إننا لا بد من تنفيذ برنامج أكثر شمولا مع غياب الصندوق، وهذا لا يعني انقطاع علاقتنا مع صندوق النقد، خاصة أن علاقة مصر مع الصندوق مستمرة كدولة مؤسسة في الصندوق، لكن التحول إلى برنامج جديد ينشد النمو والانتعاش».

اتفاقيات دولية لا يمكن فسخها بسهولة 

وتواصلت جريدة «النبأ»، مع عدد من الخبراء، حول إنهاء علاقة مصر بصندوق النقد الدولي والطرق البديلة أمام مصر، حيث قال الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي، ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، إن الهجوم على برنامج صندوق النقد الدولي الحالي والمطالبات بالخروج منه، أمر غير مبرر أو مدروس.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن الحديث عن خروج مصر من عباءة صندوق النقد يجب أن يُفهم في سياقه الصحيح، حيث المقصود هو انتهاء البرنامج الحالي في 2026، وليس قطع العلاقة نهائيًا.

وأشار «الشافعي»، إلى أن الحكومة لديها توجهات سياسية واقتصادية واضحة متكاملة للتعامل مع صندوق النقد الدولي، حيث يربط الطرفان اتفاقيات دولية لا يمكن فسخها بسهولة.

وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الدولة تعمل لصالح المواطن البسيط، متابعًا: «إذا كانت شروط صندوق النقد الدولي ليست في صالح المواطن لن يتم التعامل معه، وذلك بتوجيهات من القيادة السياسية».

ذات طابع تضخمي

ومن ناحيته، قال الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية النقل البحري، إن مصر يمكنها وقف التعامل مع صندوق النقد الدولي، لافتًا إلى أن الرئيس الأسبق حسني مبارك اعتمد طوال فترة نظامه الذي امتد إلى 30 سنة، على إيرادات الحكومة.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن يمكن لمصر تنفيذ برنامج إصلاحي بعيد عن صندوق النقد ولكن يظل الرهان على خطة الحكومة ورؤيتها، حول الكوادر الاقتصادية التي على قدر من المسئولية لأخذ القرارات المناسبة للوضع الحالي.

وأشار «الإدريسي»، إلى أن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، التي أطلقتها الحكومة مؤخرًا ما هي إلا شعارات حيث المواطن يتنظر انخفاض أسعار السلع الأساسية، وخاصة مع حديث عن الخروج من الأزمة الاقتصادية.

وتابع: «شروط الصندوق واضحة وهي خاصة برفع الدعم عن المحروقات، والطروحات الحكومية في البورصة، وعلاج عجز الموازنة العامة للدولة، وهو ما يخالف تحركات الحكومة حيث يجب عليها أخذ قرارات ذات طابع تتضخمي يزيد من غضب المواطنين».

وأكد الخبير الاقتصادي، أن الهجوم الحالي على برنامج الصندوق نتيجة الشروط، ولكنه لا يفيد فبرنامج الحكومة مع الصندوق الحالي سيستمر حتى انتهائه في 2026، متوقعًا تنفيذ مصر الشروطه نهاية عام 2025.

وواصل: «الدولة في حالة وقف التعامل مع الصندوق ستسدد الديون ديونها في الأوقات المحددة، ولكن الفكرة في عدم فتح باب للقروض دون جدوى قصيرة لآجل، حيث الحكومة تنفذ مشروعات وطرق وكباري، ستجنى منها العائد بعد 20 و30 سنة، في وقت الهيكل الاقتصادي المصري لا يحمل عوائد بعيدة المدى».

واستكمل: «الدولة تحتاج إلى مشروعات تجني منها عائد قريب لسداد الديون، دون اللجوء إلى قرض جديد لسد القروض القديمة، وهو ما يعتبر تحدي يجب معالجته في الخطط القادمة في حالة تنفيذ برنامج إصلاحي دون صندوق».

وشدد على ضرورة إعادة الثقة بين الشارع المصري والحكومة مرة أخرى ووضع خطة لأي احتمالات وصدمات اقتصادية دون تحميل المواطن ضغوط جديدة، قائلًا: «المواطن يتنظر الزيادات القادمة، في البنزين والكهرباء، وهو في نفس الوقت يعاني من ارتفاعات في السلع الأساسية، والمصروفات المدرسية والأدوية والمستشفيات».