رئيس التحرير
خالد مهران

عادل توماس يكتب: البرلمان شدد على المستأجر "القانوني".. وسايس واضع اليد!

عادل توماس
عادل توماس

في مفارقة قانونية واجتماعية صارخة، وقف مجلس النواب المصري بكل صرامة في مواجهة المستأجرين القدامى الذين يسكنون بموجب عقود قانونية موثقة منذ عشرات السنين، بينما تعامل بمنتهى المرونة والرفق مع واضعي اليد على أراضي الدولة والشقق السكنية، الذين لا يملكون أي سند قانوني، بل إنهم في أغلب الأحوال فرضوا أمرًا واقعًا بالقوة أو الحيلة أو الاستغلال.

المفارقة أن من التزم بالقانون ووقع عقدًا رسميًا ودفع إيجارًا منتظمًا لعقود طويلة، أصبح اليوم مُطالبًا بالإخلاء، ومُتهمًا في بعض الخطابات بأنه "مغتصب للوحدة"، بينما من خالف القانون واستولى على أرض أو عقار دون وجه حق، يحصل على فرصة للتقنين، وربما التمليك، بل وتُمنح له مهل زمنية وخصومات وتشريعات تصالحية!

مجلس النواب، منذ فتحه لملف الإيجار القديم، تعامل مع القضية من زاوية واحدة فقط: "حق المالك"، دون أن يوازن بينه وبين الحق الاجتماعي للمستأجر الذي لم يعتدِ على أحد، ولم يقتحم شقة أو يستولِ على أرض، بل سكن بموجب عقد شرعي، وبرغم أن العقود شريعة المتعاقدين، إلا أن البرلمان تحرك لتعديل هذه الشريعة بأثر رجعي، لصالح فئة على حساب أخرى، دون توفير بدائل عادلة أو ضمانات كافية.

وفي المقابل، نرى البرلمان والحكومة قد سبق وتعاملوا مع واضعي اليد بمنطق "العفو العام"، فصدر قانون التصالح في مخالفات البناء، وتم فتح باب تقنين الأوضاع، ومنحت الدولة فترات سماح متعددة، بل وأحيانًا تمليك ما تم الاستيلاء عليه، تحت مسمى "استقرار الملكية" و"الإدماج في المنظومة الرسمية".

هنا تظهر المفارقة بوضوح: المستأجر صاحب العقد القانوني يُطارد باسم القانون، ويمثل عبئًا يجب التخلص منه، بينما واضع اليد غير القانوني يُحتضن ويُدمج ويُمنح صكوك الغفران!

أي رسالة تُرسل للمواطن عندما يرى هذا التناقض؟ هل يُفهم منها أن احترام القانون لا ينفع؟ وأن من يخالفه يُكافأ؟ وهل هذه هي العدالة التي وعد بها الدستور؟

العدالة ليست في تحرير شقة ولا تقنين أرض، العدالة أن يُطبّق القانون على الجميع، لا أن يُستخدم سيفًا على رقاب الضعفاء، وغصن زيتون للمتجاوزين.

المستأجرون ليسوا لصوصًا ولا مغتصبين، هم مواطنون التزموا بالقانون وقتما طُلب منهم ذلك، ويستحقون معاملة تليق بما قدموه للدولة من استقرار اجتماعي، أما واضعو اليد، فقبل أن نمنحهم عقود ملكية، كان من الأَولى محاسبتهم على سنوات الاستيلاء المجاني على حقوق الغير.

ما يحدث الآن خلل تشريعي واضح، وعلى البرلمان أن يراجع بوصلته، ويجيب عن سؤال بسيط لكنه موجع: لماذا شددت يدك على من احترم القانون.. وسايست من ضرب به عرض الحائط؟