عادل توماس يكتب: حين يتحول "الطريق الأوسطي" إلى طريق بلا عودة

في مساء الثلاثاء 24 يونيو، لم تكن رحلة العودة إلى منازلهم بالبدرشين ودهشور وأبو النمرس مختلفة عن الأيام السابقة، خمسة عمال أنهوا يومهم في مواقع بالقاهرة الجديدة، وصعدوا إلى سيارة ميكروباص تحملهم إلى منازلهم، لكن الرحلة التي تبدأ بآمال العودة، انتهت عند مؤخرة مقطورة، في واحد من أكثر الحوادث المأساوية التي شهدها الطريق الأوسطي هذا العام.
اصطدم الميكروباص بمؤخرة شاحنة نقل تسير أمامه، في قطاع الطريق الواقع ضمن دائرة قسم شرطة مدينة 15 مايو، والاصطدام لم يكن اصطدامًا بين متسابقَين أو نتيجة مشاجرة مرورية، بل وقع في صمت ميكروباص مسرع وشاحنة تفتقر للإنارة الكافية أو العلامات التحذيرية، وظلام يغلف الطريق، فتتحول السيارة إلى كتلة من الحديد الملتف على أجساد الضحايا.
النتيجة كانت صادمة: خمسة قتلى في الحال، وإصابات بالغة
هذه الحادثة، رغم قسوتها، لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، فالطريق الأوسطي، الذي يفترض أنه أحد أعظم إنجازات البنية التحتية الحديثة في مصر، بات عنوانًا للحوادث المميتة.
لماذا يموت الناس على "الطريق الأوسطي"؟
تتكرر الأسئلة بعد كل حادث، ولا تأتي الإجابات.. السرعة؟ نعم، موجودة، الإهمال؟ واضح، غياب الإنارة؟ مؤكد، لكن هناك ما هو أبعد: غياب الرقابة الصارمة، وقصور تطبيق القانون، وتفكك المسؤولية بين جهات متعددة لا يتحمل أيٌّ منها وزر الأرواح التي تُزهق على الأسفلت.
الشاحنات التي تسير ليلًا على الطريق كثيرًا ما تفتقر للإشارات الخلفية والعواكس الفسفورية، بعضها يسير ببطء شديد في حارات السير السريع، وبعضها الآخر يقف فجأة دون تحذير، وفي الظلام، لا يرى السائقون المقطورات إلا عندما يكون الوقت قد فات، أما سيارات الركاب – خاصة الميكروباصات – فغالبًا ما يقودها سائقون مجهدون، بسرعة مفرطة، دون أن يعرفوا أنهم في طريق مفتوح على الاحتمال الأسوأ.
الطريق الذي وعد بالأمان.. ووزّع النعوش
حين بدأ الحديث عن الطريق الأوسطي، قيل إنه سيخفف الضغط عن الدائري، وسيوفّر مسارات آمنة وسريعة بين جنوب وشرق القاهرة وغربها، ورغم أن التنفيذ جاء بسرعة وجودة هندسية عالية، فإن التشغيل الفعلي للطريق كَشف عن خلل فادح: لا كاميرات رقابة مرورية كافية، ولا إنارة شاملة، ولا إشراف دائم على حركة النقل الثقيل، ولا خطط واضحة للإغاثة والطوارئ، فالحوادث لا تقع فقط بسبب أخطاء فردية، بل لأنها تقع على أرضية من الفوضى الممنهجة.
من يُحاسب؟
هل نحمّل السائق وحده المسؤولية؟ وهل نكتفي بلوم الضحايا على "عدم الحذر"؟ أم نعيد النظر في كل ما يتعلق بتشغيل الطرق، خاصة تلك التي تحمل على ظهرها آلاف المواطنين يوميًا؟
المسؤولية تبدأ من الرقابة المرورية، مرورًا بتجهيز الشاحنات، ووصولًا إلى الحملات الدورية لفحص الطريق، وإنارته، وضبط سرعات مستخدميه، والأهم: لا بد من محاسبة من يُقصّر في عمله، لأن إزهاق الأرواح لم يعد مجرد "حادث عارض"، بل نتيجة حتمية لسوء الإدارة.
موت مجاني.. ومشروع معطّل
الطريق الأوسطي كان من المفترض أن يكون مشروعًا تنمويًا يقلل الحوادث ويُسهّل التنقل، لكنه الآن، كما يرى كثيرون، طريق سريع إلى الموت، وفي كل مرة يُطوى فيها ملف حادث دون تحقيق حقيقي أو إصلاح فعلي، فإننا نؤجّل الحادث التالي فقط.. لا نمنعه.
الذين ماتوا مساء الثلاثاء الماضي، لم يكونوا مجرمين، ولا متهورين، كانوا عمالًا بسطاء، يسعون إلى رزقهم، فقابلهم الطريق بقسوته، ولعل موتهم يكون صحوة، لا مجرد رقم يُضاف إلى إحصائية لا يقرؤها أحد.