رئيس التحرير
خالد مهران

فضيحة في قلب العدالة..

سكرتير محكمة الأسرة يزوّر حكمًا ويصرف النفقة لنفسه

محكمة الأسرة
محكمة الأسرة

في واحدة من أخطر قضايا التزوير التي تمس منظومة العدالة من داخلها، كشفت التحقيقات في محكمة الأسرة بالزاوية الحمراء عن واقعة صادمة تورط فيها موظف يعمل سكرتيرًا بإحدى دوائر المحكمة، أقدم على تزوير حكم قضائي بالكامل، واستخدمه لاحقًا لصرف مبالغ مالية من خزينة الدولة مخصصة للنفقة، بمساعدة شريك خارجي.

قضية نسب مرفوضة

تفاصيل القضية تعود إلى دعوى أقامتها سيدة أمام محكمة الأسرة، تطالب فيها بإثبات نسب طفلها إلى أحد الأشخاص، مدعية وجود زواج عرفي، والمحكمة نظرت الدعوى، ورفضتها بحكم نهائي لعدم كفاية الأدلة، وانتهى الأمر عند هذا الحد قانونًا.

حكم جديد من العدم

لكن بعد فترة، فوجئت المحكمة بطلب مقدم من نفس السيدة لصرف نفقة على أساس حكم جديد يثبت النسب، ويحمل توقيع القاضي وأختام المحكمة، ويبدو من الناحية الشكلية سليمًا وقانونيًا، غير أن مراجعة الحكم كشفت أنه لا وجود له في سجلات المحكمة ولا دفاتر الجلسات أو المسودات، ما أثار الشكوك.

بلاغ من موظف نزيه

الموظف المسؤول عن مراجعة الطلب اشتبه في توقيت إصدار الحكم ومصدره، وحرّر بلاغًا رسميًا إلى النيابة الإدارية، التي بدورها أحالت الأمر إلى نيابة شرق القاهرة الكلية، فبدأت تحقيقات موسعة كشفت تفاصيل خطيرة عن استغلال المنصب واختراق نظام العدالة من الداخل.

جلسة وهمية وحكم مختلق

التحقيقات أثبتت أن الموظف المتهم، وكان يعمل سكرتيرًا للجلسة في دائرة الأسرة، أدخل جلسة غير موجودة في الواقع ضمن دفاتر الجلسات، ثم صاغ حكمًا وهميًا بثبوت النسب، وأدرجه يدويًا، ووقّعه بتوقيعات منسوبة زورًا للقاضي وسكرتير الجلسة.

طرف خارجي يشارك التزوير

لم يكن الموظف وحده، فقد تبين وجود طرف خارجي – ليس موظفًا عامًا – شارك في تنفيذ الجريمة، وساعد في تقديم الحكم المزور للجهات المعنية، بل واستخدمه لاستخراج شهادة ميلاد للطفل، وتمكن بموجبه من صرف ما يزيد على 60 ألف جنيه من النفقة على دفعات.

التوقيعات لا تطابق

النيابة استمعت إلى عدد من الشهود من موظفي المحكمة، أكدوا أن الحكم لم يصدر عن الجلسة المذكورة، وأن التوقيعات مختلفة عن الأصل، وأن الجلسة المدعاة كانت مؤجلة أصلًا، ولا يوجد لها أي مسودات أو أحكام محفوظة، كما أكد تقرير مكافحة جرائم الأموال العامة أن الحكم مزور عمدًا واستُخدم للاستيلاء على المال العام.

الإحالة إلى الجنايات

بناءً على ما توفر من أدلة، قررت النيابة إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات، مع استمرار حبس السكرتير المتهم، واعتبار الطرف الخارجي هاربًا. ووُجهت إليهم تهم التزوير في محررات رسمية، واستخدام محرر مزور، والاحتيال، واختلاس أموال عامة.

دلالات خطيرة

تكمن خطورة هذه الواقعة في أنها حدثت من داخل جهاز العدالة، واستغل فيها موظف موقعه لاختلاق حكم رسمي، والواقعة كشفت ضعف الرقابة على دفاتر الجلسات، وغياب التحقق الإلكتروني لتوقيعات القضاة، مما يجعل من السهل تمرير أحكام مزيفة في غياب نظم تحقق فوري.

العدالة ما زالت تبحث عن نفسها

القضية تطرح تساؤلات حقيقية عن حجم الثغرات داخل محاكم الأسرة، وعن مدى إمكانية تكرار الوقائع في ظل الاعتماد على التدوين الورقي وضعف الرقابة التقنية، من يضمن أن ما حدث لم يتكرر بصيغ أخرى؟ وما مصير الحالات التي تُبنى قراراتها على أحكام لا أصل لها؟

ففي محكمة يُفترض أن تنصف الطفل وتحمي الأسرة، تم تزوير نسب وصُرف مال عام بغطاء قضائي وهمي، والجريمة وقعت من داخل المؤسسة التي يُفترض أنها تحرس العدالة، وما زال المتهم الرئيسي رهن الحبس الاحتياطي، لكن الحقيقة الأهم أن العدالة نفسها تعرضت للاختطاف، وتحتاج إلى حماية من الداخل.