"ملاءة حلوان".. منطقة منكوبة خارج خريطة الخدمات

وسط التمدد العمراني المتسارع في جنوب القاهرة، تبرز "ملاءة حلوان" كمثال حي على غياب العدالة في توزيع الخدمات، وكمؤشر خطير على ما يمكن أن تصل إليه مناطق كاملة حين تخرج من حسابات الحكومة، أو تُعامل باعتبارها "شبه قانونية".
رغم أن عدد سكان المنطقة يتجاوز 400 ألف نسمة، حسب تقديرات غير رسمية، إلا أن "ملاءة حلوان " لا تزال أقرب إلى حالة صحية وبيئية خطيرة، تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات المعيشة، وتواجه أزمات متراكمة في الكهرباء والصرف والمياه والصحة.
موقع حيوي.. وخدمات غائبة
تقع "ملاءة حلوان" في موقع استراتيجي، يحدها شارع عمر بن عبد العزيز ومنطقة حلوان البلد والمنشية من الجنوب، وعزبة الوالدة من الشمال، ورغم ذلك، فإن البنية التحتية تكاد تكون معدومة، والبعض يصف المنطقة بأنها "معزولة إداريًا"، فلا هي داخل مشروعات التطوير، ولا تستفيد من المخصصات الرسمية للمرافق.
كارثة بيئية وسط العمران: "رشاح مكشوف"
واحدة من أخطر المشكلات التي تواجه السكان هي وجود رشاح مكشوف يمر وسط الكتلة السكنية، ما جعله مصدرًا دائمًا للتلوث والأمراض، فالمنطقة تعاني من انتشار الحشرات والثعابين والقوارض، بسبب تراكم المخلفات والنفايات، بما في ذلك الحيوانات النافقة، وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة المواطنين، واللافت أن الرشاح ذاته كان ممتدًا حتى طرة، وتم ردم أجزاء كبيرة منه، باستثناء الجزء المار بـ "ملاءة حلوان "، رغم توصيات سابقة بردمه أو تغطيته، لم تُنفذ حتى اللحظة.
صيف ملاءة.. موسم العذاب الرسمي
مع دخول شهور الصيف وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، تحوّلت الحياة في "ملاءة حلوان" إلى كابوس يومي، ففي منطقة تعاني أساسًا من انقطاع الكهرباء، واختلاط مياه الشرب بالصرف، وانتشار الروائح الكريهة من الرشاح المكشوف، يصبح الصيف أكثر من مجرد فصل في السنة.. يصبح موسمًا للعذاب الجماعي، فالبيوت — وغالبيتها من الطوب الأحمر والأسقف الصاج أو الخشب تتحول إلى "أفران" نهارًا، وفي ظل غياب الكهرباء، تعجز الأسر عن استخدام المراوح أو أجهزة التبريد البدائية، أما الأطفال وكبار السن، فهم الأكثر تضررًا، ودرجات الحرارة المرتفعة، مع التلوث المستمر، تسبب حالات إعياء وهبوط وضيق تنفس، ولا توجد وحدة صحية قريبة تُسعف أو تتابع.
"بنقعد في العتمة والحر.. لا في نور ولا ميّه نضيفة ولا حتى هوا نقدر نفتحله الشباك، لأن الريحة من الرشاح بتخنقنا"، هكذا يصف أحد سكان المنطقة معاناتهم اليومية.
كهرباء غير مستقرة.. وعدادات غائبة
ورغم أن شركة الكهرباء قامت بمد كابلات رئيسية في شوارع "ملاءة حلوان"، وتم تحديد مواقع لتركيب المحولات، فإن الأهالي لا يزالون يعانون من الانقطاع المزمن للتيار، والذي يمتد أحيانًا لأسبوع كامل، في ظل غياب العدادات، واعتماد بعض المنازل على توصيلات "مؤقتة" قديمة، والمثير للدهشة أن فواتير الكهرباء تُحصَّل بانتظام من قبل المحصلين، رغم الشكوى المستمرة من سوء الخدمة، وانعدام العدادات الرقمية.
مشروع صرف متوقف.. ومواسير مدفونة تنتظر قرارًا!
قبل سنوات، تم البدء فعليًا في مد مواسير الصرف الصحي في عدة شوارع بالمنطقة، في خطوة لربط "ملاءة" بالشبكة العامة، لكن المشروع توقف فجأة، دون إعلان السبب، ما يهدد بتلف المواسير نتيجة الزمن والتعرية، وتحول المشروع من أمل للإنقاذ إلى أثر تحت الأرض.
مساكن تحت خطوط الضغط العالي
جانب آخر لا يقل خطورة، هو وجود منازل سكنية قائمة أسفل خطوط الضغط العالي، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على حياة السكان، دون أي تدخل حاسم من الجهات المختصة، سواء بتعويض السكان، أو بإيجاد حلول هندسية بديلة.
عشوائية أم غياب إرادة تنفيذ؟
الوضع الحالي في "ملاءة حلوان" يعكس أزمة إدارية ممتدة، تتجاوز الفقر أو العشوائية، لتصل إلى غياب الرؤية الرسمية تجاه منطقة بأكملها، يعيش سكانها دون إطار قانوني واضح، ولا يدخلون في خطط التطوير، بينما يُعاملون كمواطنين كاملي الالتزام من حيث الفواتير والرسوم والتحصيلات، حتى شركة المياه — وفق شهادات السكان — تحصل رسوم "صرف صحي" من المنتفعين، رغم عدم وجود شبكة فعليًا.
شهادات من الأهالي:
يقول “ر.ج” من سكان شارع الجمهورية بمنطقة ملاءة: "دفعنا فلوس للكهرباء، لكن مفيش عداد ولا نور ثابت.. وساعات بنعيش في ظلام تام بالأسابيع".
وأضافت سيدة أربعينية -رفضت ذكر اسمها-: "ابني تعب أكتر من مرة من ريحة الرشاح.. والمياه اللي بنشربها الله أعلم جايه منين!"
والتقط أطراف الحديث “م.س” موظف على المعاش، وأحد المتضررين: "المواسير اتدفنت في الشارع بقالها سنين، مفيش شغل، ومفيش رد.. الناس بقت تعيش وتموت من غير ما توصلهم خدمات أساسية!"
حياة كريمة
إذا كانت الحكومة جادة فعلًا في معالجة أوضاع المناطق غير الرسمية وتحقيق "حياة كريمة" لجميع المواطنين، فإن "ملاءة حلوان" ليست بحاجة إلى وعود، بل إلى قرار إداري حاسم وخطة تنفيذ واضحة تبدأ من إزالة الرشاح، وتمر بتركيب العدادات وتشغيل شبكة الصرف، وتنتهي بوحدة صحية لائقة تخدم أكثر من ربع مليون إنسان لا يظهرون على خرائط المسؤولين.










































