رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

د. محمد حمزة يكتب: المستشرقون الجدد وتعمد تزوير التاريخ ببرامج الفضائيات

د.محمد حمزة عميد
د.محمد حمزة عميد آثار القاهرة سابقا واستاذ الحضارة الاسلامية

نناقش في هذا المقال مسألة وموضوع خطير بات يطفو على السطح مؤخرا وبقوة رغم أن جذوره تعود إلى مايزيد عن قرنين من الزمان ثم زادت خلال النصف الأول من القرن العشرين المنصرم، ولكنها عاودت الظهور في أواخر ذات القرن عقب نهاية الحرب الباردة وظهور من يطلقون على أنفسهم اسم المستشرقون الجدد أو المراجعون أو التنقيحيون أو التصحيحيون أو التنويريون مع العلمانيين وأصحاب الاجندات الخارجية بعيدا عن نظرية المؤامرة؛ ثم لم تلبث أن إمتدت وتعاظمت خلال العقدين الأخيرين من بداية الألفية الميلادية الثالثة ومما ساعد على ذلك وأجج تأثيرها وسائل التواصل الاجتماعي في عصر الكوكبة والشملنة والعولمة.

هذا الموضوع وتلك المسألة الخطيرة فحواها هو إثارة الشبهات والشكوك حول الاديان والرسل والأنبياء إعتمادا على قاعدة خاطئة ولا علاقة لها بالمنهج العلمي السليم وهي أنه لا تاريخ دون أثار من جهة وايضا إثارة الشكوك والشبهات حول الهويات والأصول السلالية للشعوب المعاصرة والنقاء العرقي لتلك الشعوب من جهة ثانية وهذا الاخير نستطيع أن نطلق عليه اسم  حرب الهويات ولا أجافي الحقيقة أو أبالغ إذا قلت إنه ا هي الحرب العالمية القادمة.

الهوية المصرية

ومن تلك الهويات الجاري البحث عنها من خلال التزويروالتضليل والكذب وتزييف التاريخ حولها ومن أجلها الهوية المصرية والهوية الامازيغية والهوية الاشورية والهوية الارامية والهوية السريانية والهوية الزنجية وغير ذلك؛ وتكمن الخطورة في إن هناك مؤسسات ومنظمات وجامعات ومعاهد  أوروبية وامريكية داعمة بقوة وبكافة السبل لهذا الاتجاه المضلل والمزور والمزيف لحقائق التاريخ.

وحسبنا أن نشير في هذا المقال إلى بعضها ومنها معهد إنارة في ألمانيا وتركيزها الأساسي هو هدم وطمس كل ما يمت إلى التاريخ الإسلامي المبكر أي قبل العصر العباسي الذي بدأ عام132هجرية الموافق750م بصلة سواء النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم والسنة النبوية  الصحيحة أو الخلفاء الراشدين والامويين أو مكة المكرمة والكعبة المشرفة وغير ذلك.

وقد رددنا على بعض هذه الموضوعات وسوف نواصل ونستكمل ردنا العلمي الموثق في بحوث ودراسات ومقالات وفيديوهات وبرامج إن شاء الله؛ ومنها منظمة الافروسنتريك والتي تروج إلى أن الهوية الزنجية الإفريقية والنوبية، هي أصل الحضارة المصرية القديمة، ويأتي أنصار تلك الهوية إلى مصر ويزورون أثارها  من الأهرامات وخاصة الهرم الأحمر بدهشور والهرم الأكبر في الجيزة والمعابد في الاقصر وأسوان على إعتبار أنها أثار اجدادهم ويمارسون طقوسا معينة بل وينتجون الافلام والفيديوهات التي تروج لهذا الفكر المنحرف وغير العلمي بالمرة.

هؤلاؤ ليس لهم علاقة بالتاريخ المصري

وللأسف يتم إستضافة أمثال هؤلاء وأولئك في البرامج المشهورة كبرامج ابراهيم عيسى وخالد منتصر وعمرو أديب وغيرهم وبالتالي يركبون الترند وتنتشر أفكارهم بين العامة والشباب وربما الخاصة ممن لاعلاقة لهم بالتاريخ أو أن هذا الأمر مش في دماغهم ولا يعنيهم اصلا؛ وفي المقابل نجد غاليية المتخصصون والباحثون قد أصابهم الخرس العلمي والسكوت فهم لايحركون ساكنا ولا أدري لماذا هذا؛ وكيف ذلك؛؛ ولا يقتصر الخرس والسكوت على المتخصصين والباحثين فحسب وإنما يمتد ليشمل وسائل الإعلام المختلفة الرسمية منها والخاصة وكذلك الجهات المسؤولة عنها حيث لا توجد برامج متخصصة لمناقشة أمثال هذه المسائل وتلك الموضوعات الخطيرة التي تمس في المقام الأول الأمن القومى والهوية المصرية.

السطحية والملل والهمبكة وحكاوي القهاوي

ونحن في ظل الجمهورية الجديدة التي أرسى دعائمها ووضع أساسها فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ وإنما توجد برامج ثقافية عامة يغلب عليها السطحية والتكرار والملل والهمبكة العلمية التي هي أقرب إلى حكاوي القهاوي منها إلى الأسلوب العلمي البحت والحقيقة العلمية؛ فضلا عن الملل من مشاهدتها يقوم عليها غير المتخصصين من هواة التاريخ ومن ذلك برنامج قعدة تاريخ على cbc ومقدمه ومعده محامي؛ وبرنامج حواديت لميس جابر وهي طبيبة وغيرها؛ وكذلك  برامج  د. يوسف زيدان سواء الخاصة به أو التي يستضاف فيها؛ فضلا عن برامج أخرى يتم فيها إستضافة الجيل الثالث والرابع والخامس دون الاستعانة بالعلماء والمتخصصين الكبار من الجيلين الأول والثاني وكأن هذين الجيلين غير موجودين على أرض الواقع وينطبق عليهم  قول الحق سبحانه وتعالى (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر).

وفي ظل ذلك التوجه يغلب على هذه البرامج وما تطرحه السطحية والبساطة والملل والتكرار وربما الأخطاء العلمية أحيانا؛ ويدخل في هذا الاتجاه أيضا بعض المرشدين السياحيين ولا سيما غير الملمين وغير المطلعين على أحدث الاراء والنظريات العلمية الحديثة التي غيرت الكثير مما كان شائعا ومتداولا في الدراسات والكتب السابقة وعلم الآثار كما نعلم - وديناميكي متحرك وليس استاتيكي ثابت - فكل يوم هناك الجديد مما تلفظه الأرض من كنوز وأسرار دائما وابدا.

إلى هؤلاء: طبقوا ميثاق الشرف وإحذروا ركوب الترند لجلب الإعلانات

وقد لاحظت ذلك مرارًا وتكرارًا، عندما كنت أدرس للمرشدين في الدورات التنشيطية التي كانت تعقدها إدارة المرشدين السياحيين بوزارة السياحة قبل توقفها للأسف؛ حيث كانت فرصة عظيمة  للتعرف على المستجدات والآراء والنظريات الحديثة في التاريخ والآثار؛ فيأيها المصريون عامة والشباب المصري خاصة إنتبهوا إلى ما يحيق بكم ويحاك حولكم من مؤامرات وتضليل وتزييف وحافظوا على هويتكم؛؛ ويأيها العلماء إنهضوا ومارسوا دوركم  العلمي والوطني بحق؛ ويايها الاعلاميون طبقوا ميثاق الشرف الاعلامي بحق وإحذروا الاتجاه الواحد وركوب الترند وكثرة المشاهدات والإعلانات على حساب هويتنا وأمننا الوطني؛ ويايها المسئولون عن الإعلام، الهوية المصرية والأمن الوطني أمانة في اعناقكم فلا تضيعوها وردوها إلى أهلها بحق؛ ويايها الجامعات المصرية وخاصة أقسام التاريخ والآثار بكليات الآداب وكليات الاثار، كفاكم موضوعات سطحية ومكررة - لا جدوى للكثير منها - على مستوى رسائل الماجستير والدكتوراه بل يجب فتح أفاق ومجالات بحثية جديدة تساير الاتجاهات العالمية في علمي التاريخ والآثار على السواء، ومن ثم البعد عن الموضوعات  التقليدية المكررة مع تغيير العناوين فقط سواء على مستوى الرسائل أو مستوى بحوث الترقية للأساتذة والأستاذة المساعدين وإحترام التخصص اشرافا ومناقشة وتحكيما؛؛؛ ويا وزارة الثقافة، الهوية المصرية والامن القومى أمانة في عنقك فلاتضيعيها ورديها إلى أهلها.

انقذوا المشروع الثقافي المصري 

ومن ثم يجب إعداد المشروع الثقافي المصري وتنفيذه على وجه السرعة بعد الاعداد الجيد له بعيدا عن الوجوه المكررة في كل اللجان وكأن مصر عقيَمة لم تنجب سوي هؤلاء؛؛ ويايها الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، الهوية المصرية والامن الوطني أمانة في عنقك فلا تضيعيها ورديها إلى أهلها ومن ثم يجب أن  يتوفر لك الدعم المادي والمعنوي الكامل والكبير من الجهات المعنية في الدولة إسوة بما يحدث في الخارج لتؤدي دورك وتقومي به خير قيام سواء على المستوى البحثي أو المستوى البرامجي في وسائل الإعلام المختلفة أو على مستوى مراجعة الافلام والفيديوهات والدراما التاريخية والمنصات المختلفة أو على مستوى المشروع الثقافي المصري والذي هو معيار الخصوصية وإثبات وتأكيد الهوية والذات المصرية.

وأمام تلك الهجمة الشرسة المنظمة والمدعمة والممنهجة علينا جميعا كل في موضعه وموقعه أفرادًا وعلماء واعلاميين ومسئولين أن يمارس دوره الوطني بحق دون تخاذل أو تقاعس أو تهاون، فالأمر جد خطير؛؛؛ وعلى رجال الأعمال والبنوك والشركات، يجب ان تخصصوا جزءًا من عوائدكم السنوية للبحث العلمي في هذا الاتجاه.

اللهم  قد بلغت اللهم فإشهد؛؛ حفظ الله مصر أرضا وشعبا وقيادة وهوية وتاريخًا وتراثًا واثارًا وثقافة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها اللهم أمين يارب العالمين.