رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الأزمة الأوكرانية ونظرية: يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار.. تداعيات «مفجعة» على بعض بلدان الشرق الأوسط

الأزمة الأوكرانية..
الأزمة الأوكرانية.. تداعيات مفجعة على الدول الفقيرة

« يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار »، هذه المقولة أصبحت تنطبق على الأزمة الأوكرانية، والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، حيث أن الدول الفقيرة أو ما يطلق عليها دول العالم الثالث هي الضحية الأولى لأي حروب تنشب بين الدول الكبرى أو ما يطلق عليها دول العالم الأول.

الأزمة الأوكرانية ونظرية: يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار

فقد رفعت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أسعار السلع الأساسية، مسببة صدمة اقتصادية جديدة في البلدان النامية التي أضعفها وباء كورونا أصلًا، فيما حذرت «لجنة الإنقاذ الدولية»، من أن استمرار القتال في هذا البلد، يزيد حدة مشكلة الجوع في كثير من دول العالم، التي تشهد أزمات من الأصل، خصوصًا في بُلدان مثل اليمن وسوريا وأفغانستان والصومال، مع دخول الهجوم الروسي شهره الثاني.

«غوتيريش» يحذر من إعصار جوع وانهيار نظام الغذاء العالمي وتداعيات الحرب أشد على الدول الأكثر فقرا

وحذر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، من الضرر الاقتصادي الهائل الذي قد يسببه التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا، في مناطق كثيرة من العالم النامي.

وقالت ريبيكا جرينسبان أمين عام الأونكتاد "واجهت دول نامية عديدة صعوبة في تحقيق تعاف اقتصادي ديناميكي من الركود المرتبط بـ/كوفيد-19/ وتواجه الآن تداعيات كبيرة جراء الحرب. وسواء أدى ذلك إلى اضطرابات أم لا، فهناك انتشار واسع قلق اجتماعي عالمي".

وترى جرينسبان أنه بشكل عام ستؤدي الآثار الاقتصادية للحرب في أوكرانيا إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي الحالي في العالم وإضعاف التعافي من جائحة كوفيد-19.

ويخشى «الأونكتاد» أن يؤدي تزامن ضعف الطلب العالمي، وعدم كفاية تنسيق السياسات على الصعيد الدولي، وارتفاع مستويات الدين العالمي بسبب الوباء، إلى إحداث صدمة مالية قد تدفع بعض البلدان النامية إلى دوامة من الإعسار المالي والركود وتعطيل للتنمية.

وخفضت الأونكتاد في تقريرها توقعاتها للنمو العالمي إلى 2.6 بالمائة لعام 2022، مقابل توقعات أولية في سبتمبر بلغت 3.6 بالمائة.

وسيكون النمو العالمي عام 2022 أبطأ وأكثر تفاوتا وهشاشة، وفق التقرير الذي يوضح أن التقديرات الجديدة تأخذ في الاعتبار الحرب في أوكرانيا وكذلك تشديد سياسة الاقتصاد الكلي في الاقتصادات المتقدمة.

وكان «أونكتاد» قد حذر في منتصف مارس الجاري من التدهور السريع في آفاق الاقتصاد العالمي مع الحرب في أوكرانيا، نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والأسمدة وزيادة التقلبات المالية وإعادة التشكيل المعقدة لسلاسل الإمداد العالمية وارتفاع التكاليف التجارية.

وحذر أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من إعصار جوع وانهيار نظام الغذاء العالمي بسبب عدم تصدير الإنتاج الزراعي من أوكرانيا وروسيا، وستكون تداعيات الحرب أشد على الدول الأكثر فقرا.

البنك الدولي: سيكون للصدمات المُضاعَفة للحرب في أوكرانيا تداعيات مفجعة على بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط

ويقول فريد بلحاج، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: لقد كانت التطورات السريعة للحرب في أوكرانيا وعواقبها الإنسانية المروعة مثار دهشةٍ لكثير مِنَّا. ومن المؤسف أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مُعرَّضة لتداعيات هكذا عنف غاشم. فالمنطقة بمثابة جار لأوكرانيا، لا تفصله عنها سوى مسافة تبلغ قرابة ألف كيلومتر (إذا رسمنا خطًا مستقيمًا مُتصوَّرًا من أوكرانيا إلى بلدان الشرق الأوسط). وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن بعض بلدان المنطقة أيضًا قريبة جدًا من أوكرانيا وروسيا كشركاء تجاريين. وبالتالي، فإن آثار الأزمة ستكون ملموسة -وإن كانت بدرجات متفاوتة- على اقتصادات المنطقة، ومما يبعث على الأسى أنه قد تكون لها تبعات سلبية مُضاعفة على مستويات الأمن الغذائي والرفاه عبر أرجاء المنطقة، فضلًا عن جائحة كورونا، وتعطُّل سلاسل الإمداد، ومشكلات داخلية تخص كل بلد من بلدانها.

وعلى هذا النسق، يمكننا تلخيص القنوات الرئيسية لتأثير الأزمة في خمس فئات وهي: 1) صدمات أسعار الغذاء (لا سيما القمح)، 2) زيادات أسعار النفط والغاز، 3) عزوف المستثمرين عن المخاطر/جنوحهم إلى الاستثمارات الآمنة (الأمر الذي قد يؤثِّر على تدفقات رؤوس الأموال الخاصة على الأسواق الصاعدة ككل، 4) تحويلات المغتربين، و5) السياحة.

لا يمكن أن يكون هناك رابح من حرب مدمرة كالحرب في أوكرانيا، لكن البلدان المصدرة للمواد الهيدروكربونية مثل قطر والسعودية والكويت وليبيا والجزائر، قد تشهد تحسنًا في أرصدة المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية وتعزيز معدلات النمو. ومن المحتمل أيضًا أن تشهد البلدان المصدرة للغاز، على وجه الخصوص، زيادة هيكلية في الطلب من أوروبا، حيث أعلنت سلطات الاتحاد الأوروبي عن اهتمامها بتنويع مصادر إمداداتها من منتجات الطاقة.

أمَّا البلدان غير المنتجة للنفط فسوف تتعرض لتداعيات سلبية قد تقود إلى توترات اجتماعية إضافية. وفيما يتعلق بالتحويلات -لا سيما تلك التي يرسلها المغتربون في دول مجلس التعاون الخليجي- فإنها لن تُعوِّض إلا عن جزء يسير من صدمة الهيدروكربونات (مثل الأردن ومصر)، أمَّا البلدان الأكثر تأثرًا بحركة السياحة مثل مصر (التي يُشكِّل الروس والأوكرانيون على الأقل ثلث السياح الوافدين إليها) فمن المتوقع أن تشهد ركودًا في هذا القطاع، وما لذلك من تداعيات سلبية على معدلات التشغيل وميزان المدفوعات.

الأزمة الأوكرانية ونظرية: يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار

وأخيرًا، سيُؤثِّر الصراع في أوكرانيا تأثيرا ملموسا وسلبيا على عدة اقتصادات في المنطقة «مثل لبنان وسوريا وتونس واليمن». فهذه البلدان تعتمد اعتمادًا أساسيًا على أوكرانيا أو روسيا في الحصول على وارداتها الغذائية، ولا سيما القمح والحبوب. ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة إلى تعطُّل سلاسل توريد الحبوب والبذور الزيتية، وزيادة أسعار الأغذية، وارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج المحلية في قطاع الزراعة. وستكون لانخفاض غلات المحاصيل والدخول لا سيما لصغار المزارعين آثار سلبية على سبل كسب العيش، وقد يؤثِّر ذلك على المنتمين إلى الفئات الفقيرة والأكثر احتياجًا الذين يعتمدون على الزراعة في كسب أرزاقهم أكثر من غيرهم.

وتأتي على رأس اهتماماتنا البلدان الهشة بالفعل في المنطقة مثل سوريا ولبنان واليمن التي تُنذر الأزمة الأوكرانية بتعريض أمنها الغذائي لخطر بالغ. فسوريا تستورد نحو ثلثي احتياجاتها من المواد الغذائية والنفط، ويأتي معظم وارداتها من القمح من روسيا. ولبنان يستورد من أوكرانيا وروسيا أكثر من 90% من احتياجاته من الحبوب، واحتياطاته من الحبوب لا تكفي إلا لمدة شهر تقريبا. ويستورد اليمن نحو 40% من احتياجاته من القمح من هذين البلدين المتحاربين. وعدد من يعانون من الأزمة أو -الأسوأ- من نقص حاد في الأمن الغذائي في اليمن قفز من 15 مليونًا إلى أكثر من 16 مليونًا في ثلاثة أشهر فقط في أواخر عام 2021. وستؤدي الحرب في أوكرانيا حتمًا إلى تفاقم هذه الدينامية القاتمة بالفعل في اليمن.

وقد تكون للصدمات المُضاعَفة للحرب في أوكرانيا تداعيات مفجعة على بعض بلدان المنطقة إذا لم يتم تعزيز المساعدات الإنسانية والإنمائية إليها في 2022. وللإحساس بضخامة الأزمة وهول الخطب، على الصعيد الإقليمي، فلننظر إلى أن المنطقة وإن كانت تُمثِّل 6% فقط من إجمالي سكان العالم، فإن بها أكثر من 20% من الذين يعانون من نقص حاد في الأمن الغذائي في العالم.

وإننا في البنك الدولي على أهبة الاستعداد للاستجابة بكل الأدوات المتاحة الملائمة لطبيعة مواطن الضعف والقصور على المستوى القطري. وفي بلدان مثل المغرب وتونس ومصر، يمكن أن يكون لعملياتنا الخاصة بدعم موازناتها دورها الفعَّال، حيث من المتوقع أن تكون آثار الأزمة أكثر شدة على مستوى قيود المالية العامة الكلية الوطنية بهذه البلدان. 

وإننا على استعداد أيضا لزيادة مساندتنا للإنتاج المحلي والتسويق التجاري للأغذية الزراعية، وإدارة المخاطر الزراعية والاحتياطيات الغذائية في البلدان التي تتعرض لصدمات على ذلك المستوى سواء من خلال زيادة تكاليف الطاقة أو الأسمدة، أو عوامل أخرى مثل الأزمات المرتبطة بالجفاف،تغير المناخ «مثل العراق واليمن وتونس ولبنان ومصر». وفي الأجل القريب، نحن على استعداد لتوسيع برامجنا للحماية الاجتماعية الموجَّهة للتغذية في بلدان مختارة عن طريق البناء على الأعمال التي أُنجزت منذ 2020 في سياق الاستجابة والتصدي لجائحة كورونا.