رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

دمج ذوي الهمم بالمدارس.. تجربة إنسانية تضع تلاميذ «قليلي الحيلة» بين شقي رحى التنمر وسوء التطبيق

مأساة طلاب الدمج
مأساة طلاب الدمج من ذوي الهمم داخل المدارس العادية

التعليم: كل المدارس «دامجة» ويحق للطالب ذي الإعاقة أن يكون بأقرب مدرسة لـ«بيته»

قرار وزاري: لا تزيد نسبة التلاميذ ذوي الإعاقة على 10% فى الفصل وبحد أقصى 4 تلاميذ

ولية أمر: القرار دا طبقوه إرضاءً للأهالي اللي رافضين يدخلوا أولادهم مدارس معاقين علشان ما يتعايروش

أُم: نسبة ذكائه 67% دخلته دمج واكتشفت إن المدرسين غير مؤهلين للتعامل معاه قعدته في البيت

إيناس: المدرسين مش متقبلين ابني وبيخلوه في الكوريدور مع المشرفة

أخصائية نفسية: المدارس تتعمد إنجاح طلاب الدمج دون الاهتمام بتحصيله الدراسي منه أو عدمه

معالجة نفسية: لم أر صداقات بين تلاميذ أسوياء وذوي همم في مدارس الدمج وإن حدثت تأتي من باب الشفقة

استشارية نفسية: أشفق على طالب الدمج من ذوي الإعاقات الذهنية والمعلم وولي الأمر 

محب عبود: نظام الدمج الحالي يخلق بيئة للتنمر والاعتداء على الطلاب ذوي الهمم من قِبل زملائهم ومعلميهم

خبير تربوي: نظام الدمج ليس سيئًا.. وتطبيقه دون توفير مقومات النجاح حوله إلى مسخ

أخصائي بالتعليم: الإعاقات الذهنية تحتاج إلى مدارس خاصة.. والفئة التي يُطبق عليها الدمج ليست ضمن التصنيف

إسلام مصطفى

معاناة وضغوط وعدم استيعاب، نظرات فاحصة من الجميع وكلمات ساخرة في أحيانٍ كثيرة، مناهج لم تراعِ الفروقات والاختلاف، ومعلمون يجهلون طريقة التعامل، للدرجة التي وصلت إلى تعدي بعضهم بالضرب على التلاميذ أو التنمر عليهم، في بيئة تخلو من مناخ ملائم لهم.. تلك الكلمات ربما تصف جزءا بسيطا من مأساة التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس الدمج، الذين ظنوا وأولياء أمورهم أن الحياة بدأت تزدهر لهم، بعد تطبيق قرار وزارة التربية والتعليم عام 2018، بتحويل كل المدارس المصرية الحكومية والخاصة ومدارس الفرصة الثانية إلى مدارس «دامجة»، بنسبة 10% كحد أقصى، كامتياز لهم.

لم يكن يعلم أولياء أمور طلاب مدارس الدمج من ذوي الهمم أن الرحلة الشاقة التي قطعونها من أجل إلحاق أبنائهم بالمدارس، كامتياز لهم، ستتحول إلى معاناة وضغوط على كاهلهم وكاهل أبنائهم «قليلي الحيلة»، بسبب عدم استعداد الوزارة لتطبيق الدمج كما يجب أن يكون، فهل نجحت سياسة الدمج في هدفها؟، وما المشاكل التي تواجه التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة وأولياء أمورهم؟، وماذا عن أسلوب تعامل زملائهم الطبيعيين معهم؟، وهل أهَّلَت الوزارة المُعلمين للتعامل مع طلاب الدمج؟

دمج بلا فائدة

بلغ عدد الطلاب المدمجين 108 آلاف و224 طالبا وطالبة، موزعين على 19005 مدارس على مستوى الجمهورية للعام الدراسي 2020-2021 مقارنة بـ17 ألفا و229 طالبا وطالبة للعام الدراسي 2016-2017، وفقًا لوزارة التربية والتعليم في تقريرها 31 ديسمبر الماضي.

«الحاجة الوحيدة اللي اتطبقت في قرار الدمج إن الولاد يدخلوا المدارس دون إعداد لهم ولا للمدرسين، ولا تجهيزات خاصة»، بهذه الكلمات وصفت مي عطية، ولية أمر، لـ«النبأ الوطني»، حجم القصور في تطبيق القرار، والمعاناة التي يعانيها الطلاب.

تطبيق قرار الدمج جاء إرضاءً للأهالي الذين لا يرغبون في إلحاق أبنائهم من ذوي الإعاقة بمدارس خاصة بهم حتى لا يوصموا بالإعاقة، من وجهة نظر «مي» -ولية أمر-: «أنا شايفة إن القرار دا طبقوه علشان يرضوا الأهالي اللي مش عايزين يدخلوا أولادهم مدارس معاقين، علشان ما حدش يعايرهم، حتى لو على حساب مصلحتهم في التعليم والتحصيل الدراسي».

نبذ ورفض ومحاولة هروب

«ابني سمات توحد ونسبة ذكائه 67% قدمت له في المدرسة بنظام الدمج، وبعد ما دفعت المصاريف اكتشفت أن المدرسين غير مؤهلين للتعامل معاه وقعدته في البيت»، معاناة إيناس مجدي ولية أمر تلميذ من ذوي الهمم، لم تقتصر فقط على عدم تأهل المعلمين للتعامل مع حالة طفلها كما حكت لـ«النبأ الوطني».

اعتقدت «إيناس»، أنها ستجني ثمارًا طيبة من تطبيق قرار الدمج، لا سيما وأنه لا يتحدث، والمدرسة بالنسبة لها المكان الذي سيوفر له الاختلاط والتعامل مع الأطفال الطبيعيين عله يتعلم منهم وتتأثر حالته بالإيجاب، إلا أنه عانى من النبذ والرفض من قِبل المعلمين، للدرجة التي تجعلهم يمنعونه من حضور الحصص، ويتركونه في الممر مع مُشرفة الدور، «المدرسين مش متقبلينه وبيخلوه في الكوريدور مع المشرفة، وقعدته في البيت وبدور على مدرسة فيها مدرسين مؤهلين أحول له عليها».

إلحاق «إيناس» لطفلها بنظام الدمج في مدرسة عادية، لم يكن قرارا عشوائيا، إلا أنه جاء بناءً على نصيحة الأخصائي المُعالج له: «الأخصائي قال لي وديه مدرسة عادية، لأنه بيتصرف كويس وذكي، ولكن مشكلته عنده قصور في اللغة التعبيرية ودا مخليه عصبي».

وتأمل سارة مصطفى أم لطفل من أطفال الدمج، في إلغاء دمج ابنها بعدما ألحقته به، لأنه لم يستفد شيئًا من دمجه، بيد أن شكاوى المعلمين المتكررة من طفلها، وبعض زملائه الطبيعيين، لأنه يعاني من تأخر في الكلام وتشتت في الانتباه.

وتخشى «سارة» أنها لو أكمل طفلها مسيرته التعليمية بنظام الدمج يظل يعاني من التنمر والمعايرة من زملائه والمعلمين، «أنا خايفة ابني يكمل يفضلوا يعايروا فيه، مع إني شغالة معاه جلسات تخاطب، بس كل شوية المُدرسة تشتكي منه».

قرار وزاري بالدمج

وحددت وزارة التربية والتعليم في قرارها رقم «252» الصادر في 5 أغسطس من عام 2017، الشروط والضوابط الواجب توافرها الطلاب ذوي القدرات الخاصة للالتحاق بالمدارس العادية، على أن يتم تطبيق نظام الدمج على الطلاب ذوي الإعاقة البسيطة بالفصول النظامية بمدارس التعليم العام الحكومية، المدارس الخاصة، مدارس الفرصة الثانية، والمدارس الرسمية للغات والمدارس التي تدرس مناهج خاصة في جميع مراحل التعليم قبل الجامعي ومرحلة رياض الأطفال وبما يختاره ولي أمر الطفل ذي الإعاقة في إلحاق طفله بمدرسة دامجة أو مدرسة تربية خاصة وتلتزم المدارس التي تطبق هذا النظام بالإعلان عنه داخل وخارج المدرسة.

ووفقًا للقرار تعد كل المدارس «دامجة» ويحق للطالب ذي الإعاقة أن يُدمج بأقرب مدرسة لمحل إقامته، ويفضل أن تتوافر بها غرفة مصادر أو غرفة مناهل المعرفة، وألا تزيد نسبة التلاميذ ذوي الإعاقة على 10% من العدد الكلي للفصل بحد أقصى 4 تلاميذ، وأن يكونوا من نفس نوع الإعاقة.

ويتراوح سن الالتحاق بالصف الأول الابتدائي بمدارس الدمج بين 6 إلى 9 سنوات، وفقًا لقانون التعليم، وفي حالة وجود أماكن يجوز النزول بالسن إلى 5 سنوات ونصف، وفقًا للكثافة المُقررة. 

إعاقات يشملها القرار

وحدد القرار حالات الإعاقة البسيطة التي ينطبق عليها القرار، وهي، جميع درجات الإعاقة البصرية (الكفيف- ضعيف البصر)، وجميع درجات الإعاقة الحركية بما فيها الشلل الدماغي، كأحد أنواع الإعاقة الحركية، باستثناء الحالات الشديدة والحادة، واشترط القرار لقبول الطلاب ذوي الإعاقة السمعية، ألا يزيد مقياس السمع لدى الطالب على 70 ديسبيل ولا يقل عن 40 ديسبيل باستخدام المعينات السمعية.

ويتم قبول ذوي الإعاقة الذهنية بشرط ألا تقل درجة الذكاء عن 65 ولا تزيد على 84 باستخدام مقياس «ستانفورد بينيه» مع مراعاة الصحة النفسية، بما يتوافق مع نتائج مقياس السلوك التكيفي المناسب للدمج الكلي.

كما يتم قبول الطلاب بطيئي التعلم، والذين يكون التحصيل الدراسي لديهم منخفضًا في جميع المواد الدراسية بشكل عام، وغير قادرين على الاستيعاب بسبب انخفاض معدل الذكاء لديهم، وتتراوح درجة ذكائهم من 68 إلى 84 بمقياس «ستانفورد بينيه».

واشترط القرار الوزاري أنه بالنسبة لإعاقات اضطراب طيف التوحد وفرط الحركة وتشتت الانتباه يصدر بشأنها قرار من التأمين الصحي أو المستشفيات الحكومية أو الجامعية المعتمدة من وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني على أن يكون القرار ممهورًا بخاتم شعار الجمهورية.

كما نص القرار على عدم قبول التلاميذ متعددى الإعاقة بمدارس الدمج، ويستثنى من ذلك الإعاقة الحركية حيث إنها لا تؤثر على عملية التحصيل الدراسى.

دمج دون جدوى

«الحوش» أو طرقات المدرسة كانت المأوى الوحيد لطالبة دمج بالصف الرابع الابتدائي، بعد رفض معظم المُعلمين حضورها الحصص، بدعوى أنها تتسبب في إزعاج زميلاتها داخل الفصل، ما دفع والدتها «نجلاء عزت» إلى عدم إرسالها إلى المدرسة على مدار الفصل الدراسي بأكمله، وقالت لـ«النبأ»: «بنتي في رابعة ابتدائي مش بوديها المدرسة خالص، علشان طول اليوم بيخرجوها بره الفصل وتتجول في المدرسة بلا هدف، بيقولوا بتعمل إزعاج لزميلاتها، ولكن أنا بوديها مركز خدمات تعليمي».

«بنتي كانت بطيئة تعلم، وكنت بوديها المدرسة وكأنها النادي، بحيث تتفرج على الأطفال وتتكلم مع المدرسات وتحكي لهم عن اللي بيحصل في البيت، لكن قليل لما كانت تفهم منهم دروس»، كانت تلك نظرة مروة قنديل ولية أمر طالبة دمج، للمدرسة.

واستطاعت «مروة» أن تكلل مسيرة ابنتها في التعليم ما قبل الجامعي بالنجاح، دون الاكتراث بدور المدرسة، لا سيما وأن المعلمين غير مؤهلين للتعامل مع ابنتها التي تعاني من بطء في التعلم، ورغم ذلك استطاعت أن تحصل على شهادة الثانوية العامة، من خلال مجهود والدتها معها والدروس الخصوصية التي حصلت عليها: «المدرسين غير مؤهلين وبنتي أخدت الثانوية العامة من خلال التدريب المنزلي والدروس الخصوصية».

السواد الأعظم من المدارس تتعمد إنجاح طلاب الدمج دون الاهتمام بتحصيله الدراسي من عدمه، لأنهم لا يملكون المعلمين المؤهلين للتدريس للطلاب ذوي القدرات الخاصة.

الدكتورة أسماء عبدالعظيم

كوارث كبرى وظلم للمعاقين

التنمر والتعدي والنبذ داخل الفصل ليست المعاناة الوحيدة التي يعانيها ذوو الهمم داخل فصول الدمج، إلا أن الكارثة الكُبرى تكمن في أنه لا توجد مناهج خاصة بهم، بل يدرسون نفس المناهج التي يدرسها زملاؤهم من الطلبة الطبيعيين، إلا أنهم لا يؤدون الامتحان ذاته، ويتم وضع أسئلة مختلفة لهم، ورغم ذلك لم يجد ذوي القدرات الخاصة اهتمام داخل اللجان الامتحانية تقديرًا لحالاتهم، حسب بعض أولياء أمورهم.

وتسرد عبير جمال، معاناة ابنتها من عدم الاهتمام بطلاب الدمج، رغم أن تطبيق القرار جاء من أجل تمييزهم والاهتمام بهم، قائلة: «بنتي عندها كهرباء زيادة ومحولة دمج، وجابت ضعيف، بسبب إن ما حدش اهتم يقرأ لها حتى أسئلة الامتحان وسابت أسئلة كتير في العربي، وامتحان الدراسات سابت الورقة فاضية وما حدش اهتم بها».

معلمون بلا تأهيل

ويشكو المعلمون من عدم قدرتهم على التعامل مع الأطفال ذوي القدرات الخاصة، فهم غير مؤهلين لذلك، سواء فيما يتعلق بالشرح والتعامل مع أطفال الدمج داخل الفصل أو خلال الامتحانات.

ووفقًا القرار الوزاري رقم (252) لسنة 2017، على ضرورة تفعيل وحدة التدريب بالمدرسة لخدمة نظام الدمج أو تنظيم تدريبات للمعلمين بشرط أن تكون معتمدة من الأكاديمية المهنية للمعلمين بعد الحصول على موافقة مدير مديرية التربية والتعليم المختص.

وترى منال صالح، معلم خبير بوزارة التربية والتعليم، أن قرار دمج ذوي القدرات الخاصة مع الطلاب العاديين، قرار ظالم لكلاهما، لا سيما ذوي القدرات الخاصة، لعدم قدرة المعلمين على استيعابهم والتعامل معهم، سواء داخل الفصل أو في الامتحانات، متابعة: «كنت بأراقب في لجنة امتحان 3 إعدادي، وكان فيه طالبة دمج من ذوي القدرات الخاصة، حالتها صعبة جدًا وما حدش كان قادر يسيطر عليها، ولذلك قرار الدمج أكبر ظلم لهم».

ويقول خالد عمار، معلم، إنه لم يتم تأهيل المعلمين للتعامل مع الطلاب ذوي القدرات الخاصة، بالشكل الكافي، حتى أولئك الذين حصلوا على دورة دمج، قدموا عليها من أجل الحصول على المال، إلا أنهم لم يدرسوا لطلاب الدمج، في حين يتعامل مع الطلاب مدرسون غير مؤهلين، مستطردًا: «فيه مدرسين أخدوا دورة دمج وبياخدوا فلوس ولكن مش بيدرسوا للطلبة، واللي بيدرس لهم مدرسين عاديين هم اللي بيتعاملوا معاهم».

ورغم شكوى أولياء الأمور من عدم توافر المعلمين المؤهلين للتعامل مع أطفالهم ذوي القدرات الخاصة، والشكوى من أن المناهج لا تتناسب مع قدرات أطفال الدمج، إلا أنه وفقًا لتقرير وزارة التعليم لعام 2021، تم عقد تدريبات تخصصية ونوعية لما يزيد عن 75 ألف معلم، على أساليب نظام الدمج والتعامل مع الطالب  المدمجين، وجاري الإعداد لتدريب 100 ألف معلم، فضلًا عن أنه تم تطوير المناهج بالتعاون مع مديري عموم تنمية المواد الدراسية، ومركز تطوير المناهج، بالإضافة إلى إعداد وثيقة  معايير مناهج التربية الخاصة، وموائمتها لطالب الدمج في ضوء نظام التعليم الجديد.


تنمر واعتداء بالضرب

وشهدت بعض مدارس الدمج وقائع تعد وتنمر على طلاب ذوي إعاقة، على يد المعلمين تارة ومديري المدرسة تارة أخرى، أحدثها واقعة اعتداء مديرة مدرسة السيدة سمية الإعدادية بنين بإدارة شبرا مصر التعليمية، في 16 من شهر ديسمبر الماضي، على طالب دمج بالمدرسة يعاني من إعاقة ذهنية بنسبة 70%، وضعف شديد بالبصر، وعيب خُلقي بالعين، وحبسته داخل مكتبها لمدة ساعة، عقب انتهاء اليوم الدراسي، فضلًا عن التنمر عليه، وإجباره على غسل أكواب شرب الشاي.

وفي مارس 2021، اعتدت معلمة بإحدى مدارس كفر صقر بالشرقية، بالضرب على طالب بالمرحلة الثانوية، من ذوي الاحتياجات الخاصة، يبلغ من العمر 16 عاما، بسبب مشادة كلامية بينه وبين نجلها أثناء لهوهما.

وانتصرت محكمة جنح شبرا في 2 فبراير الماضي، لطالب من ذوي الاحتياجات الخاصة، بإحدى مدارس الدمج، بعد تعرضه للتنمر من قِبل معلمته، وترجع القصة إلى تنمر المعلمة على الطالب -قبل أسابيع من صدور الحكم-، وتعديها عليه بعبارات لائقة والسخرية منه أمام زملائه أثناء انعقاد حصة دراسية بعدما طلب الطالب الجلوس بأحد المقاعد الأمامية بالصف، وقضت المحكمة بحبس المعلمة سنة، وكفالة قدرها ألف جنيه.

شفقة وشعور بالدونية

وترى الدكتورة جيهان عبد الله، استشاري الصحة النفسية وأخصائي كبير بوزارة التربية والتعليم، أن الفئة التي يُطبق عليها نظام الدمج حاليًا ليست ضمن تصنيف بطيئي التعلم، ولكنها فئة الإعاقات الذهنية، التي تحتاج إلى مدارس خاصة ومختصين للتعامل معهم بشكل علمي ومدروس.

وأضافت: «أنا أشفق على طالب الدمج من ذوي الإعاقات الذهنية والمعلم وولي الأمر، بسبب دفع الطفل وإرهاقه نفسيًا بصورة تؤذيه نفسيًا لشعوره بالدونية؛ لضعف قدرته في تحصيل هذا الكم"، وذلك لأن الوزارة اعتمدت المقياس معامل الذكاء لقبول طالب الدمج، وهذا معناه أنه سيتم قبول طلاب ذوي احتياجات خاصة، وهم في حاجة لمدارس فكرية».

واختتمت «عبدالله» حديثها، بتوضيح أن أصل الدمج الأخذ بأيدي الأطفال بطيئي التعليم، ليكونوا في مصافِ الطلاب العاديين، من خلال اعتماد أسئلة الاختيار من متعدد في الامتحانات الخاصة بهم، نظرًا لصعوبة سرد وكتابة طالب الدمج الإجابات في صورة مقال لظروفه الخاصة بطبيعة الإعاقة.

الدكتورة جيهان عبدالله

تزوير في أوراق رسمية

وتقول الدكتورة أسماء عبدالعظيم أخصائي العلاج النفسي، إن الأطفال ذوي الهمم بحاجة إلى الاحتواء، ودمجهم بالصورة التي عليها نظام الدمج الآن سيؤثر على حالته النفسية بالسلب، وتابعت: «سوء تعامل المعلمين والمسؤولين في المدرسة معهم والتنمر والتعدي بالضرب عليهم من قِبل المعلمين وزملائهم».

واستنكرت «عبد العظيم» إصرار الوزارة على دمج ذوي الهمم في ظروف تعوق العملية التعليمية وتؤثر على تحصيلهم الدراسي، لا سيما وأن نظام الدمج الحالي لم يوفر أي وسائل تسهل على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة التعلم، قائلة: «إذا كان الطفل السليم يشتكي من عدم القدرة على الفهم في ظل الكثاقة الطلابية في الفصول، فماذا عن أطفال الاضطرابات الذهينة والمتلازمات».

واستطردت: «حكت لي مديرة إحدى المدارس، أن بعض أولياء أمور الأطفال «ضعفاء الفهم» يستغلون نظام الدمج، ويقومون بتزوير أوراق لأبنائهم لإلحاقهم بالدمج، لا سيما وأن امتحانات طلاب الدمج سهلة، إذًا التساهل في امتحانات طلاب الدمج وفي الاهتمام بدراستهم» وبذلك الأطفال ذوي الهمم لن يحصلوا على حقهم في التعليم كما يجب أن يكون، وفقًا لوصف الدكتورة أسماء عبدالعظيم.

هائم في الملكوت

وأضافت الدكتورة أسماء عبدالعظيم في حديثها لـ«النبأ»: «المعلمون ينظرون إلى طفل الاضطرابات الذهنية باعتباره أهبل ومتخلف عقلي، وينبذه بل يتنمر عليه في أحيانٍ كثيرة، ولذلك وجب أن يكون المعلمون الذين يتعاملون مع أطفال الدمج مؤهلين بشكل علمي للتعامل معهم، ويفهم الفرق بين الاضطراب الذهني وصعوبات التعلم».

وتابعت: «دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع الطلاب الأسوياء، لن يؤثر سلبًا عليهم فقط، بل سيؤثر على الطلاب الأسوياء، لا سيما وأن ذوي الهمم سيكونون عنصر إعاقة لهم داخل الفصل، من خلال تشتيت انتباه زملائهم في ظل عدم قدرة المعلم على التعامل معهم».

وترى «عبد العظيم» أنه بالرغم أن قرار الوزارة يمنع دمج أطفال متلازمة داون، إلا أن هناك مدارس بها دمج حالات متلازمة داون، ومنها ما رأته بنفسها في المدرسة الإعدادية التي تدرس بها ابنتها، مستنكرة كيف تقبل المدارس دمج أطفال متلازمة داون أو طفل سمات التوحد الذي يرى المعلم أنه هائم في الملكوت بمفرده ولم يفهمه -وإن كان الأخيرون يشملهم القرار- وهم بحاجة إلى احتواء، يفتقر إليه المعلمين باعتبارهم غير مؤهلين للتعامل معهم.

صداقات من باب الشفقة

لا بد أن يحصل ذوي الاحتياجات الخاصة على حقهم في التعليم بالصورة التي تناسب اختلافهم، فلا بد من تقديم المعلومة والمناهج لهم بطريقة مختلفة عن أقرنائهم الأسوياء، ويمكن دمجهم في المرحلة الثانوية، حينها يكون الطالب أخذ الفرصة في التعليم الجيد في المرحلتين الابتدائية والإعدادية بوسائل تناسبه، حسب «عبدالعظيم».

واختتمت «عبدالعظيم» حديثها مع «النبأ الوطني»، بأنه يمكن دمج ذوي الهمم في المجتمع بطريقة أخرى لا تؤثر على حقهم أو حق زملائهم الأسوياء في التعليم الجيد، وذلك من خلال تنظيم فعاليات وحفلات ورحلات ترفيهية وتعليمية ومسابقات، مع زملائهم الأسوياء، مُشيرة إلى أن طلاب الدمج لم يتمكنوا من تكوين صداقات حقيقة مع الطلاب الأسوياء، وإن كان هناك صداقات فهي من باب الشفقة عليهم وليس الصداقة، وهذا يشير إلى فشل الهدف من نظام الدمج، الذي يريد دمج ذوي الهمم وتعامل زملائهم الأسوياء معهم دون التنمر عليهم أو الخوف منهم.

محب عبود

بيئة جيدة للتنمر

ويقول محب عبود ممثل المعلمين المستقلين والخبير التربوي لـ«النبأ»، إن نظام الدمج ليس سيئًا، ولكن تطبيقه دون توفير مقومات لإنجاحه حوله إلى مسخ.

وأضاف أن نظام الدمج بما هو عليه الآن، خلق تربة وبيئة للتنمر على الطلاب ذوي الهمم، من قِبل زملائهم ومعلميهم، ولا بد أن تعي الوزارة أن التعامل مع التلاميذ ذوي القدرات الخاصة مَعنِي به كل من ينتمي للعملية التعليمية داخل المدرسة، فلا بد من تدريبهم جميعًا للتعامل معهم بما يتناسب مع اختلافهم. 

واختتم «عبود» حديثه مع «النبأ الوطني»، بالإشارة إلى أنه هناك ضغطا على المعلمين؛ لأنه أمامه طالب غير مستوعب وغير قادر على تلقي المعلومة، وجهلًا منهم يلجأون إلى العنف، وهم بالأساس يعانون من فجوة بينهم وبين الطالب السوي أدت لفشله في التعامل مع الطلاب، فكيف بالتعامل مع طلاب ذوي إعاقات بعضها ذهنية؟