رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

من ربح ومن أخفق فى مجلس الأمن؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

الحقيقة المُرة والمؤلمة التى يجب أن نقر بها أننا لم نحقق ما كنا نتمناه فى جلسة مجلس الأمن ليلة الخميس الماضى بشأن قضية سد النهضة الإثيوبى. صحيح أن المعركة لم تنته لكن من المهم استخلاص الدروس.
كتبت بالأمس عن الدول التى خذلتنا خلال هذه الجلسة، لكن الأمانة والموضوعية تقتضى الاعتراف بأننا أخفقنا أيضا فى بناء حشد وتأييد دولى حقيقى لقضيتنا العادلة داخل المنظمة الدولية، فى حين أن إثيوبيا نجحت للأسف الشديد فى تسويق وجهة نظرها التى نعتبرها خاطئة تماما بل وخطيرة جدا.
إذا كيف يمكن تفسير نجاح إثيوبيا فى تسويق وجهة نظرها الخاطئة وإخفاقنا فى إقناع العالم بوجهة نظرنا العادلة؟!
لا أتحدث عن مجريات جلسة الخميس الماضى فقط، فالسفير سامح شكرى قدم وجهة النظر المصرية بوضوح وسلامة ومنطق وقوة وفند الأكاذيب والمراوغات الإثيوبية، فى حين امتلأت كلمة وزير الرى الإثيوبى بالأكاذيب المفضوحة. لكن أتحدث هنا عن الحصاد الفعلى لهذه الجلسة المحورية التى اعتبرتها إثيوبيا نهاية لمحاولة مصر لتدويل القضية، وبالتالى إعادتها إلى الملعب الذى تفضله أديس أبابا، وهو الاتحاد الإفريقى وللأسف صار ملعبها الخاص، حيث نجحت فى تعبئة وحشد غالبية الدول الإفريقية وإقناعها بأنها تحارب قضيتهم.
السؤال الذى ينبغى أن نسأله لأنفسنا بهدوء ونحاول أن نجيب عليه بأمانة وموضوعية هو: لماذا فشلنا فى بناء تحالف قوى وإقليمى مؤثر لمساندتنا فى قضيتنا العادلة؟
أطرح هذا السؤال لأن غالبية البلدان الكبرى ومعها بعض الدول غير الأعضاء فى مجلس الأمن، إما تبنوا وجهة النظر الإثيوبية، حينما أجمعوا على ضرورة إعادة التفاوض داخل الاتحاد الإفريقى، أو انتقدوا التلويح باستخدام القوة، كما فعلت روسيا، أو كانوا محايدين، وقلة منهم طالبت إثيوبيا بوقف الإجراءات الأحادية مثل أمريكا وفرنسا.
ما حدث فى مجلس الأمن ينبغى أن يكون جرس إنذار لمحاسبة أنفسنا، وأن نسأل كيف وصلنا إلى هذه النهاية الدبلوماسية، وكيف نجحت إثيوبيا التى تعانى من هشاشة داخلية وما يشبه الحرب الأهلية، أن تقنع غالبية العالم بوجهة نظرها؟!
للأسف الشديد عدد كبير من الدول الأوروبية والكبرى شبه مقتنع بأن سد النهضة مشروع تنموى لانتشال إثيوبيا من الفقر والتخلف، وأن على مصر ألا تقف فى طريق هذا السد! وحتى لو كان ذلك صحيحا فكيف لم نستطع نحن أن نقنع هذا العالم الخارجى، بأننا لا نعارض بناء السد أو حتى ملئه وتشغيله أو حق إثيوبيا فى التنمية، لكن نعارض فقط الملء والتشغيل الأحادى، وأن يكون ذلك عبر اتفاق قانونى وملزم؟!
كيف مرت عشر سنوات من دون أن نقنع دولة صديقة جدا مثل روسيا لنا معها علاقات متشبعة فى الطاقة النووية والأسلحة والسياحة والعديد من الملفات، فى أن تتبنى وجهة نظرنا، أو على الأقل لا تساند إثيويبا سياسيا، كما فعلت ليلة الخميس الماضى!
وبنفس المنطق كيف عجزنا عن التأثير فى موقف الصين، التى تقول إن علاقتها بمصر هى الأفضل فى إفريقيا وإننا بوابتها إلى هذه القارة؟!
كيف لم نتمكن من إقناع بريطانيا من أن يكون لها موقف أكثر حسما، بدلا من هذه اللغة الدبلوماسية الباردة؟
وللأسف حتى بعض الدول التى يفترض أنها شقيقة جدا وصديقة جاءت كلماتها مترددة وخجولة ومهتزة وغير حاسمة، وبالتالى كان منطقيا أن تعتبر إثيوبيا أن ما حدث فى «معركة كسر العظم الدبلوماسية بمجلس الأمن» هو انتصار سياسى كبير لها وبالتالى يحق لها أن تواصل بلطجتها على الحقوق المصرية فى مياه النيل.
لا أحب البكاء على اللبن المسكوب رغم أننى أكتب الكلمات السابقة حزنا وكمدا على ما حدث فى مجلس الأمن. وإذا كان المجلس لم يصدر قراره بعد، فإننى أتمنى ضرورة إعادة النظر فى مجمل طريقة تعاملنا مع إثيوبيا ومع الدول التى تؤيدها، حتى نستطيع أن نلحق بما فاتنا.
كلى ثقة فى أن الدولة المصرية لن تفرط فى حقوقها، خصوصا هذا الحق الثابت عبر التاريخ، ومنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.
أتمنى أن نعيد النظر فى طريقة تعاملنا مع قضية السد، وأن تكون هناك خطوات وإجراءات تقنع إثيوبيا بأن المعركة لم تحسم بعد. على إثيوبيا ألا تبدأ الأفراح.. فالمباراة لم تنته بعد.
ما حدث كان مجرد شوط فى المباراة، وما يزال هناك الشوط الثانى، إضافة للوقت الضائع والإضافى وربما «ضربات الجزاء»!!!

نقلا عن "الشروق"