رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«فضيحة» التماثيل المثيرة للجدل تضع الفن التشكيلى المصرى فى «ورطة»

النبأ

بعد إثارتها الجدل على مواقع «السوشيال ميديا»

«فضيحة» التماثيل المثيرة للجدل تضع الفن التشكيلى المصرى فى «ورطة» 

سخرية من تمثال «مصر تنهض»: «تلوث بصرى وليس فنًا»

«عبدالكريم»: أمتلك تاريخًا فنيًا مهمًا وأحب النقد وأحاول الاستفادة منه

«أبو المعاطى»: تجربة «مصر تنهض» حالة خاصة ولا يجب تعميمها تحت مسمى أن الفن التشكيلى يواجه انحدارًا


على مدار عقودٍ، كان الفن التشكيلي المصري إحدى وسائل رفع الذوق العام، وتعزيز الجمال الظاهر فى عدد من التماثيل أبرزها «نهضة مصر» وغيره، ولكن الفترات الأخيرة شهدت ظهور العديد من النماذج التي يمكن تصنيفها على أنها تلوث بصري مثل تمثال "نفرتيتي" في مدينة المنيا، و"محمد عبد الوهاب" بميدان باب الشعرية، و"الفلاحة المصرية" الموجود أمام أكاديمية الفنون بحي العمرانية في الجيزة، وغيرها من التماثيل التي أثارت استياء الرأي العام.

لذا قررنا أن نفتح ملف الفن التشكيلي، وكيفية علاج أسباب انحدار هذا الفن على الرغم من أنه أحد الشواهد على رقي الفن المصري عبر التاريخ. 

تمثال «مصر تنهض»

انتشرت منذ أيام قليلة على مواقع «السوشيال ميديا»، صورة لتمثال منحوت لسيدة تحت عنوان «مصر تنهض» للدكتور أحمد عبد الكريم، الأستاذ بكلية التربية النوعية بحلوان، والذي أثار غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبره البعض ليس فنا تشكيليا بل أصابهم بالتلوث البصري. 

صاحب «تمثال مصر» تنهض يدافع عن نفسه 

واجه الدكتور أحمد عبد الكريم العديد من الانتقادات من المختصين والمسئولين والجمهور أيضا، حيث قال رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة سابقا، الدكتور أحمد نوار، إن قضية فن النحت قضية كبيرة ولها علاقة بالثقافة البصرية في المدن والتحديث العمراني، مؤكدا أن آخر التماثيل الميدانية التي كانت بفن راقي وعميق هو سعد زغلول وأعمال أخرى كثيرة.

 

وأضاف "نوار" أنه أصيب بحالة صدمة شديدة مثل العامة من تمثال "مصر تنهض"  لأن صفتي دكتور بكلية الفنون وأشارك في الأعمال الفنية وأرى تماثيل العالم في الميادين فأرى دائما الجمال الموجود في تلك التماثيل، لافتاً أن التمثال يفتقد الحس التعبيرى ويفتقد إلى النسب الجمالية والتشريح الفني الأكاديمي مؤكدا أن هذا التمثال هو عكس ما يفكر به الفنان وهي "مصر تنهض".

 

وأوضح رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة سابقا، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج التاسعة عبر القناة الأولى المصرية، أن التمثال يفتقد إلى البناء الأكاديمي الجمالي بشكل كبير وليس له أي إضافة جمالية، مشيراً إلى أنه عندما ينشر هذا العمل للرأي العام لا بد أن يكون هناك رد فعل وتقييم لهذه التجربة لأن التماثيل المصرية من آلاف السنين تنبثق منها نسب جمالية بشكل عبقري.


 الأمر الذي اضطر الدكتور أحمد عبد الكريم للرد، قائلًا: «في البداية أحب أن أوضح وبتفهم كامل غيرة الفنانين المصريين وبالأخص النحاتين على مصر، وفن النحت العريق، وكما أحب أن أنوه وأؤكد أن هذا العمل تم تنفيذه لشخصي على سبيل التجريب وعلى مسئوليتي الشخصية دون تكليف من أي جهة رسمية وزارة كانت أو كلية أو يخص الدولة بأي صلة وأنه تجربة فنية شخصية على هامش ورشة خاصة للنحت وليس بتكليف لوضعه في مكان عام أو ميدان».


وأضاف «عبد الكريم»: «هو تجريب للنحت المباشر على الرخام والذي من متطلباته الحذف من كتلة تتطلب مجهودًا عضليًا، ولم ينتهِ التشكيل الفني أو الانتهاء من العمل الذي أسعى لتحقيقه بعد، وأعتذر مرة أخرى لمتابعي صفحتي الشخصية عن هذا الوابل من التعليقات غير المسئولة من أشخاص عامة بصورة مسيئة تؤذي الآداب العامة ما دفعني لحذف المنشور، ولكن للأسف استغله البعض للإساءة إلى كل جميل يحاولون النيل منه، وكلٌ حسب نواياه، وإلصاق العمل بجهات ليس لها أي صلة به لأغراض شخصية والإساءة لها والتي لها كل الاحترام وحتى الإساءة لمصر ولصورة مصر وسابقة أعمالها الفنية العظيمة».


وأوضح «كما تم ربط العمل من قبل البعض بالمهرجانات الدولية لإثارة حفيظة الكثير ولتحقيق وسائل ضغط على بعض الجهات لتحقيق أغراض شخصية، والذين وجدوا ملاذهم في هذا العمل غير المكتمل لتحقيق أهدافهم، وفيما يخص الإساءة لشخصي وجب علىّ التوضيح بأن لي تاريخ فني طويل يعلمه الجميع، وشكرا.. واعتذر لطول المنشور».


وكشف الدكتور أحمد عبد الكريم، لـ«النبأ» أن كلمة «صعوبة» وصلت للجمهور بشكل خطأ، وأوضح: «أن جربت في التمثال أن أستخدم خامة بها درجة صعوبة عالية وهي الرخام، والعديد من الأشخاص فهموا جملة أن الرخام صعب لأنه صلب، ولكن لم يكن هذا قصدي من الجملة ولكن المفهوم الصحيح هو أن التعامل معه هو الشيء الصعب لأن من الممكن عند العمل في جزء من التمثال وكسر جزء منه يمكن أن يتلف ومن الممكن عند استخدام الصاروخ يحدث خطأ بسيط لا تمكن معالجته».


وأكد «عبد الكريم» أنه من الأشخاص الذين يحبون النقد، ويحاول أن يستفيد منه، من خلال التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، متابعًا: «أنا بشكر التمثال رغم أنه لم يكتمل لأنه أثار جدلا كبيرا وأعاد الفن التشكيلي للنقاش الشعبي»، مشبهًا الأمر بـ«الحجر الذي ألقيّ في البحيرة الراكدة». 

أحمد شيحة.. شاهد مشفش حاجة

وكشف عبد الكريم أنه شارك ممثلا لمصر في "بينالي فينيسيا" عام 2019، من خلال عمل كان يجهز له منذ عام 2006 تقريباً حتى نفذه وعرضه في المسابقة العام الماضي بمشاركة زميل له يدعى "إسلام"، وكان عضو لجنة تحكيم تلك المسابقة هو الفنان أحمد شيحة.

وأضاف عبد الكريم "كان معي في فينسيا الفنان أحمد شيحة الذي كان عضوا في لجنة اختيار أعمال "بينالي فينيسيا" ولم يتم اختيار عملي، وبعد مرور عدة سنوات شاركنا الفنان أحمد شيحة في تنفيذ ذات العمل الذي تم رفضه في "بينالي فينيسيا"، فتعجبت ثم زال التعجب بعدما علمت أن العمل لم يعرض عليه من الأساس هناك.


تمثال «عفريتة نفرتيتي» بمحافظة المنيا

أثار تمثال «نفرتيتي» في مدينة المنيا، ضجة كبيرة بعد ظهور مشوهًا بألوان قد تسبب تلوثا بصريا، وتعرض التمثال إلى سخرية كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولُقّب بـ«عفريتة نفرتيتي» حيث إن «نفرتيتي» زوجة أمنحوتب الرابع، معروفة بـ صاحبة «الجمال الفتان»، وتجدر الإشارة إلى أنها من الأسرة الثامنة عشر.

وقرر محافظ المنيا وقتها، إحالة جميع المسؤولين الفنيين بالوحدة المحلية لمركز ومدينة سمالوط للتحقيق، والذين تسببوا بشكل مباشر في إخراج تمثال الملكة «نفرتيتي» بشكل مشوه، وبعد وضعه في مدخل المدينة دون العودة إلى متخصصين أو فنيين بالمحافظة، كما كلف أيضا رئيس الوحدة المحلية بإزالة التمثال من مكانه. 

ويعد قرار إزالة التمثال من مدخل محافظة المنيا، استجابة لمطالب أبناء المركز، بعد موجة الغضب التي عاشوها فور وضع التمثال في الميدان.


تمثال «العقاد» للفنان فاروق إبراهيم في أسوان

تعرض تمثال مثل "العقاد" إلى تشوه بعد تلوين عينه باللون الأخضر، ووضع شارب، وتم التحرك فورًا وإرسال فنان من قطاع فنون تشكيلية عمل إعادة للتمثال وعودته إلى شكله الحقيقي الجمالي. 


وكان صلاح مصباح، محافظ أسوان في التسعينيات، كلف فاروق إبراهيم بنحت تمثال ليوضع على مقبرة العقاد 1991 وتم فعلا، وبعدها في عام 1997، رمم التمثال عن طريق الفنان صلاح حماد بعد تعرضه للتلف، وبعد ذلك تقرر عمل تمثال آخر "كامل" للعقاد يوضع مكانه، نفذه الفنان عبدالعزيز صعب، من البرونز بتمويل من صندوق التنمية، ونقل تمثال فاروق إبراهيم إلى ميدان المحطة.


نقيب الفنانين التشكيليين حمدى أبو المعاطى

وقال الفنان حمدي أبو المعاطي، أستاذ الجرافيك بكلية الفنون الجميلة القاهرة، نقيب الفنانين التشكيليين المصريين السابق، إنّ تمثال «مصر تنهض» لا يرقى أن يُعرض من الأساس على «السوشيال ميديا»، لأن مستوى التمثال جماليًا وفنيًا وتقنيًا، لا يرقى لمستوى صاحبه، لافتًا إلى أنّ ربط التمثال بمسمى «مصر تنهض»، وارتباطه بمصر غير موفق، لأن عند إطلاق اسم مصر يجب أن يرقى المعروض لمستواها وتاريخها.


وأضاف «أبو المعاطي» أنّه يوجه اللوم للدكتور أحمد عبد الكريم، على عرض وإنتاج هذا التمثال واستخدام تلك الخامة في تمثال «مصر تنهض» مشددًا على أنّ من حق كل فنان تجربة خامات جديدة في أعمالهم، ولكن تبقى التجربة في إطار شخصي ولا تطرح للجمهور لاتخاذ القرار فيها، وأشار إلى أن هذا العمل مربوط سلبيًا بالفن التشكيلي، حيث إن العديد من المتابعين علقوا سلبيًا على الأمر وعلى الرغم من أن الإهانة للفنان غير مقبولة، ولكن من حق الناس أن تعبر عن وجهة نظرها.


ويعتقد «أبو المعاطي» أن تمثال «مصر تنهض» فنيًا وجماليًا لا يرقى بمستوى الحدث الذي نُسب إليه وهو اسم التمثال، ولكن دكتور أحمد عبد الكريم على المستوى الشخصي فنان له تجربة في مجال الخزف والأعمال المركبة مع  إسلام عبد الله، وحصدا على العديد من الجوائز في هذا النشاط، وتحترم خبرتهما في هذا المجال، ولكن عندما نتطرق إلى مجال آخر لم يحدث فيه العمل من قبل، فيجب أن تكون تجربة شخصية في مرسمه الخاص ويجمع آراء أصدقائه في إطار خاص، ولكن فكرة عرض التمثال للجمهور تحت هذا المسمى وضعه تحت إشكالية كبيرة. 

وأوضح نقيب الفنانين التشكيليين المصريين السابق، أن تجربة تمثال «مصر تنهض» حالة خاصة ولا يجب تعميمها تحت مسمى أن الفن التشكيلي يواجه انحدارًا، ومواقع التواصل الاجتماعي أتاحت مساحة للهواة أن يعرضوا أعمالهم ويسعدوا بـ«اللايكات»، وهذا عكس حالة سلبية بالنسبة للحركة التشكيلية المصرية، ولكن هناك فنانين لهم أعمال تحترم وتجارب جيدة في مجال الفن التشكيلي قليلون، منهم الذين يعرضون أعمالهم على "فيسبوك".

سوبر ماركت الفن التشكيلي 

بسبب انتشار العديد من الهواة الذين يطلقون على أنفسهم فنانين تشكيليين، روى الدكتور حمدي أبو المعاطي، أسباب إطلاقه على فعاليات الهواة "سوبر ماركت الفن التشكيلي" بمعنى أن كثيرين يعرضون السلع الخاصة بهم، ولكن من المعروف أن السلع الجيدة تظل مستمرة في الأذهان ولكن السلع الرديئة تختفي، وللأسف الشديد نحن في مرحلة كل ما يعرض على «السوشيال ميديا» أعمال ركيكة، لافتا إلى أن الهواة من حقهم أن يعرضوا أعمالهم للجمهور ولكن تعرض بشكل شخصي للأصدقاء والمقربين بعيدًا عن نشرها على السوشيال الميديا. 


أعمال المقاولين في الميادين

وكشف الفنان حمدي أبو المعاطي، أن هناك مرحلة زمنية كانت هناك ظاهرة أعمال المقاولين التي كانت توضع في الميادين العامة، وهذه النماذج لا تقارن بالأعمال التشكيلية "النحت" الناجحة، مثل تمثال "سيدة بديل سمكة" في مدينة شرم الشيخ، وغيرها، وهذا إن دل يدل على عدم وجود وعي ثقافي وتشكيلي عند الناس، وفي بعض الأماكن هناك فقر ثقافي وتشكيلي لدى المسؤولين سواء على مستوى المحليات أو المحافظات.


مناشدة رئيس الوزراء في عام 2016

وأوضح أبو المعاطي، أن وزارة الثقافة تدخلت أخيرا لإنقاذ تراث مصر، واستصدرت قرارا من رئيس الوزراء يحظر ترميم التماثيل وتطويرها دون الرجوع لوزارة الثقافة، وبالأخص قطاع الفنون التشكيلية والجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع للوزارة، ليتم تشكيل لجنة لمعاينة تلك التماثيل التي جرى تشويهها وبحث إمكانية إعادتها لحالتها الأولى، أو إزالة ما لا يمكن إصلاحه، وللأسف الشديد لم يطبق حتى الآن رغم تكليف المسؤولين بتطبيق القرار.


 مستوى النحت في مصر 

وتابع نقيب الفنانين التشكيليين المصريين السابق، أن النحت في مصر لا علاقة له بما يحدث من إشكاليات من فترة لأخرى، ويجب الاستعانة بالأعمال الجيدة التي ينفق عليها مبالغ كبيرة وتستحق العرض لوضعها في الميادين؛ لأنها من صنع فنانين متخصصين لا سيما الذين يستخدمون خامة الجرانيت. 


هل النحت يواجه أزمة أم هناك مبالغة في الهجوم 

قال «أبو المعاطي» إن النماذج السلبية في فن النحت لم تؤثر على مستوى الفن التشكيلي في مصر، لأنها كالمثال (مثل الأغاني الهابطة تأخذ هوجة معينة ويتعامل معها المواطن الأقل ثقافة وناس معينة، ولكن هذا لا يقارن بالفن الراقي الذي يقدمه محمد منير أو عمرو دياب وإيمان البحر درويش ومحمد ثروت وأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم)، إذا فالأعمال الهابطة تأخذ وقتها ثم تختفي، وهناك العديد من الفنانين المعاصرين مثل عصام درويش وناجي فريد شريف عبد البديع وهاني فيصل وغيرهم من النحاتين لأن الإيجابي لن يثير ضجة مثل العمل السلبي.