رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

قصص غريبة وروايات طريفة عن نساء عالم «الفتونة»

«عزيزة الفحلة»
«عزيزة الفحلة»


لم تقتصر مهنة "الفتونة" على الرجال فقط، بل انضمت النساء إلى هذا العالم، واعتلين عرشه في بعض الأوقات، ومن هؤلاء الفتوات النساء، "عزيزة الفحلة"، "فتوة" حي المغربلين في الإسكندرية، و"سكسكة"، "فتوة الجيزة، و"حسن" الشهيرة بأم جاموسة، "فتوة" السيدة زينب، وغيرهن من نساء فتوات تغلبن على الرجال ولهن قصص عجيبة وروايات طريفة.


تطور الحال بعد ذلك لتصبح المرأة الفتوة مطلوبة لإدارة لعبة الانتخابات بطرق وأساليب التحايل، حيث تتولى مثل تلك النساء مهمة تخويف المرشحات والناخبات على حدٍ سواء، ومنعهن من الإدلاء بأصواتهن في الدوائر الانتخابية، في حين تتستر هؤلاء الفتوات على ألاعيب الذين يغشون ويزوِّرن الأصوات.


وعلى أرض الواقع، برزت فتوات من العيار الثقيل، لعل أشهرهن تدعى "سكسكة"، فقد كانت سكسكة سيدةً مرهوبة الجانب، يخشاها الجميع، وتحولت إلى أسطورة مخيفة نسجت حولها العديد من الحكايات المبالَغ فيها؛ لأن الثقافة الشعبية تحب الإضافة والزيادة والمبالغة في التفاصيل.


"سكسكة" كان مقر نشاطها في شارع أبو هريرة في شياخة رابعة بالجيزة، ففي هذه المنطقة كان يوجد "سوق البرسيم" الذي يتردد عليه الكثير من التجار، وكان المعلم مرسي صاحب المقهى الشهير في هذه المنطقة متزوجًا من "أم سيد" التي اشتهرت باسم "سكسكة"، وكان هذا المقهى ملتقى فتوات القاهرة والجيزة، حيث كانوا يقضون فيه سهراتهم التي تمتد إلى الساعات الأولى من الصباح.


وبعد وفاة زوجها، تولت هي إدارة شئون المقهى، وكانت سيدة فارعة الطول، قوية الجسم، ولها "عضلات" تمكنها من التغلب على من يقف أمامها، وكانت ترتدي "الصديري" والجلباب البلدي الرجالي والكوفية، مثل التجار الكبار المعروفين بلقب "المعلمين"، وكانت تمسك بيدها عصا غليظة طويلة "شومة".


أخذت سكسكة توسع نشاطها، حيث كانت تستأجر مع آخرين، أرض السوق من الحكومة، وتؤجرها هي للمترددين على السوق من تجار الدواجن والغلال والأقمشة وما إلى ذلك، ولم يكن لأحد من هؤلاء أن يمتنع عن دفع المستحق لها، فقد كانت تضربه بعصاها، وتضرب كل من ينضم إليه مهما كان عددهم.


توفيت "أم سيد" وتركت وراءها محمد وسيد، واتسم كلاهما بحسن الخُلق والشهامة، كما تركت شقيقة لهما تدعى نفيسة، حاولت أن تتشبه بأمها، ولكنها لم تحظ بأي شهرة، ثم أنجبت نفيسة هذه كلًا من قرني وسلامة، وكانت شقيقتهما جليلة تضربهما في الصغر، وأطلقت جليلة هذه على نفسها اسم جدتها وهو "سكسكة"، وقد فاقت في شهرتها شهرة جدتها، وكانت حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي لا تزال على قيد الحياة.


تزوجت سكسكة الحفيدة من عامل بناء يدعى حسن السمّاك، ثم ارتبطت بآخر من عائلة "الكوامل" وهو صاحب سيارات نقل ركاب وبضائع، وقد أغدق عليها من ماله وأنجبت له ولدين أخذهما بعد انفصاله عنها لعدم استجابتها لأمره بالبعد عن المشاحنات مع الناس، وتمت تربيتهما تربيةً صالحةً مع جدتهما لأبيهما، وتزوجت بثالث يدعى عباس عامر، من فتوات الحي ومن تجار المخدرات، وقد تولت الإتجار في المخدرات مكانه بعد صدور حكمٍ ضده بالسجن، أما الزوج الرابع لها فإنه يدعى حسن.


ومن أشهر النساء الفتوات أيضًا، المعلمة "توحة" فتوة حي المطرية، وعزيزة الفحلة، وزكية المفترية، التي تذكر مراجع عنها أنها فتوة سوق الخضراوات الموجودة في حي المناصرة، إضافة إلى "مجانص الدهل" التي تقول إنها منذ أن دخلت السجن في قضية مشاجرة أفضت إلى موت، وهي تحترف مهنة البلطجة.


وتعتبر "شر الطريق"، كما يسميها أنصارها، أشهر بلطجية "حريمي" في منطقة الجيارة بمصر القديمة، واسمها الحقيقي "كيداهم"، وهناك أيضًا "نفتالين بلية" و"مهبولة الشوارع"، والأخيرة بلطجية تجيد استخدام المطواة قرن الغزال، وتتقن رياضة "الكونغ فو" أيضًا.


حكاية الفتوة توحة، يرويها سيد صديق عبدالفتاح في كتابه "تاريخ فتوات مصر ومعاركهم الدامية"، فيقول عنها:"قبض البوليس على المعلمة توحة فتوة المطرية، بالقاهرة، ضربت 5 رجال وسيدتين في معركة، أغلقت المنازل والدكاكين في شارع بأكمـله، كانت تجري في الشارع وفي يدها السكين والمبرد، لم يجرؤ أحد على التعرض لها، عندما حضر البوليس استسلمت بلا مقاومة، إن سبب كل المعارك التي دخلتها توحة هو زوجها، إنها لا تطيق أن تراه في خطر، إنها تسرع إلى نجدته، وتبدأ المعركة، وتنتصر توحة دائمًا. لقد ضربت توحة قبل ذلك 20 رجلا، ولها معارك كثيرة في حي المطرية".


وتابع: "في سنة 1951 دق التليفون في مكتب ضابط بوليس المطرية وقال المتحدث: الحقونا، المعلمة توحة دبحت خمسة وقفلت الدكاكين في شارع الشهانية! وقبض البوليس على المعلمة التي وقفت بجانب ضحاياها والدم يقطر من سكين في يدها، ولا أحد أمامها!".


"وبدأت القصة عندما توجه سيد العجلاتي وهو قزم طوله متر واحد، وعمره 30 سنة يطالب زوجها بدين قدره 60 قرشًا، وهددها القزم بإبلاغ البوليس إن لم يدفع زوجها المبلغ ولم تعجبها هذه اللهجة فشتمته وكانت نعناعة والدة سيد القزم تستمع لهذه المناقشة وفجأة أفرغت صفيحة ماء على رأس المعلمة".


"وما كادت المعلمة توحة تتنبه حتى تناولت سكينًا بيدها اليمنى ومبردًا باليد الأخرى، وهجمت على القزم سيد وطعنته في رأسه بالسكين ثم عاجلته "بروسية" في وجهه، فسقطت أسنانه وشاهده شقيقه إبراهيم فجرى هربًا وأراد أن يدخل منزله، ولكن توحة لحقت به عند عتبة الباب وطعنته بالمبرد في ذراعه، و"روسية"، سقط على إثرها فاقدًا الوعي! وأخذت تعمل يدها ورأسها وقدميها في أجساد ضحاياها، واستقبلت الأب بطعنة سقط على أثرها ثم قذفت نفسها مرة أخرى على نعناعة، وتصادف مرور رجلين حاولا إنهاء الخناقة فضربتهما توحة "بالروسية" فسقطا على الأرض وعندما أفاقا أسرعا بالفرار ولم يبلغا البوليس".


"وأمام هذه المذبحة والصرخات التي تعالت وسمعها سكان المطرية والسكين والمبرد يقطران دمًا، والمعلمة "الهائجة" تضرب كل من يقترب منها، أمام كل هذا لم يستطع أحد من الأهالي أن يتقدم لإنقاذ أسرة أبو اليسر، وأغلقت المنازل والدكاكين أبوابها. 


أصيب السكان بالرعب، وتصوروا أن توحة ستقتحم البيوت لتذبح من بداخلها، إلى أن رأت الأم نعناعة ما حدث لولديها فنزلت وتلقتها المعلمة الهائجة بعدة طعنات في يدها ووجهها، وجذبتها من شعرها وسقطت بجوار ولديها".


وحضرت أم نعناعة العجوز وهي تلطم خديها ولكن المعلمة استقبلتها "بروسية"، سقطت على أثرها العجوز والدماء تنزف من أسنانها، وعلم الأب بما جرى لأفراد أسرته فذهب مسرعًا إلى مكان الحادث، وتمكن أحد الأهالي من الاتصال تليفونيا بالبوليس وقبض على توحة ونقلت الإسعاف الضحايا الخمس وتولت النيابة التحقيق معها، ثم أفرجت عنها بكفالة خمسة جنيهات مع أخذ تعهدٍ عليها باعتزال "الفتونة".


واتهامها بالتعدي بالضرب على 3 رجال وإصابتهم بكسور وجروح.. إضافة إلى تحطيمها زجاج وديكور مقهى بالبساتين أثناء مشادة بينها وبين الرجال الثلاثة الذين أصروا على عدم جلوسها وسط رواد المقهى.. اعترض 3 من رواد أحد مقاهي البساتين على اقتحام المتهمة المقهى حيث إنها "فتوة" المنطقة ومسجلة خطر بلطجة ونشل ومشهورة "بالمتهورة"، إلا أنها أصرت على اقتحام المقهى وجلوسها على طاولة خاصة وسط الزبائن.. قدرت الخسائر بـ 30 ألف جنيه".


لا أحد يدري ما هو مصير أو نهاية سكسكة الحفيدة أو توحة أو سيدة، لكن الشيء المؤكد أن أحفاد سكسكة من النساء الفتوات ينتشرن الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، وأنهن فتوات تحت الطلب.