رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«كاميليا».. قصة الوفاة المأساوية لـ«فراشة السينما» وعشيقة «فاروق»

كاميليا وفاروق -
كاميليا وفاروق - أرشيفية


ولدت ليليان فيكتور كوهين في الإسكندرية  13 ديسمبر 1919 من أبوين مسيحيين؛ الأم إيطالية وتدعى «أولجا  لويس أبنور»، والأب فرنسي، وبعد وفاة أبيها تزوجت الأم من رجل يهودي تبنى «ليليان» وحملت اسمه فأصبحت يهودية النشأة والتربية، تلقت تعليمها في إحدى المدارس الإنجليزية  لتصبح فتاة من فتيات المجتمع الراقي في الإسكندرية.


وكانت  ليليان كثيرة التردد على حفلات الإسكندرية التي كان يقيمها الأعيان والكبار في المجتمع الأربعيني آنذاك حتى  أصبحت شخصية اجتماعية شهيرة ووجهًا معروفًا لدى الجميع في هذا الوسط.


ومن حفلة إلى حفلة، ومن سهرة إلى سهرة، حتى كان اللقاء بينها وبين من قلب حياتها رأسا على عقب، وهو المخرج أحمد سالم.


تقابلت ليليان مع أحمد سالم في فندق ويندسور في صيف عام 1946 حيث طلبت منه أن تحضر العرض الخاص لفيلمه الجديد آنذاك "الماضي المجهول" وبالفعل حضرت معه ولكن أحمد سالم المعروف بعشقه للجمال لم يفته تلك الفاتنة؛ ففي أثناء العرض الخاص بالفيلم لم يكن يتابع الفيلم بقدر ما كان يتابع المرأة الساحرة الجمال التي تجلس إلى يمينه وبانتهاء العرض كانت قد اكتملت الفكرة تماما في رأسة ولماذا لا؟ فهي جميلة خفيفة مرحة وهذا هو كل المطلوب فى وجه جديد يٌقدم للسينما وقتها.


وفورا وعند خروجهم عقب انتهاء الفيلم طرح عليها السؤال مباشرة: هل تحبين أن تعملي في السينما وتصبحين نجمة شهيرة؟ ولقد أجابت ليليان بسرعة وبدون تفكير ولم لا وهي الجميلة المحبة للحفلات والثراء والمجوهرات الثمينة والأزياء الغالية الثمن شأنها في ذلك شأن كل فتيات الطبقة الراقية في أربعينات القرن الماضي وعملها في السينما سيوفر لها كل هذا بالطبع، وبمجرد الموافقة بدأ أحمد سالم تجهيزها لتقديمها فنيا وإعلاميا للجمهور، ولقد عهد أحمد سالم إلى الفنان محمد توفيق أن يتولاها ويعطيها دروسًا في الإلقاء والأداء والحركة واللغة العربية ولكن محمد توفيق بعد أول درس فر هاربًا من الوقوع في حب ليليان التى عرفت فيما بعد باسم كاميليا، وتولى أحمد سالم  تعليمها كما قام بشراء أفخر الثياب والمجوهرات من أجلها وإظهارها إعلاميًا في الصحف والمجلات والحفلات الخاصة والعامة.


إلا أن سالم ظل  يقيم لها الحفلات العامة والخاصة علي شرفها ليقدمها للوسط الفني بدون أن يحقق لها وعده بأن تصبح نجمة سينمائية حتى جاء اليوم الذي دعا فيه سالم إلى إحدى تلك الحفلات يوسف بك وهبي والذي اشتهر عنه هو الآخر حبه للجمال ومعرفته بالنساء وبدأ يداعب يوسف وهبي أحلام الفاتنة كاميليا.


وبالفعل قبلت كاميليا دعوته إلى سهرة  في الفيلا الخاصة به سهرة منفردة بعيدا عن صخب الأضواء حولهم وبعيدا عن عيون أحمد سالم بالطبع.


ولقد أقنع يوسف وهبي وقتها  كاميليا أن تظهر معه في فيلمه (القناع الأحمر) بدور صغير بدلا من انتظارها لأحمد سالم حتى يقدمها بطلة ووافقت كاميليا ولكن كان أمامها مشكلة: ماذا تفعل مع أحمد سالم؟


وبدأ يوسف وهبي التفاوض مع أحمد سالم حول كاميليا والتي أحس سالم وقتها أنها تفلت  من يديه على الرغم من أنه كان قد ارتبط بها عاطفيا، وقتها إلا أنه أحس منها بالخيانة لعلمه باتفاقها مع يوسف وهبي فقرر أن يساوم وهبي عليها ماليا فإذا كان يريدها عليه أن يدفع له المبلغ الذي أنفقه على تجهيزها وإظهارها للوسط الفني وبدأت تلك المساومات بألف جنيه حتي وصلت إلى 3 آلاف  ووافق الطرفان وتم الاتفاق، وكانت تلك هي البداية الفنية الحقيقية لـ«كاميليا».


وبدأت أخبار كاميليا الفنية تتصدر المجلات والجرائد حتى لفتت انتباه فتي الشاشة الأول المنتج والمخرج المخضرم صائد النجوم أنور وجدى، والذي أراد أن ينتزعها من يد يوسف وهبي ليثير بها غيرة زوجته اليهودية الأصل هي الأخرى ليلي مراد وحتى يستفيد بها فنيا، كما كان يفعل مع كل من تقع عليه يده من مواهب ونجوم.


وبدأت المنافسة على كاميليا تحتدم بين ثلاث، المكتشف الأول والحبيب السابق أحمد سالم والمكتشف الفني الذي تبناها وقدمها فنيا يوسف بك وهبي، والمخرج المنتج والممثل أنور وجدي وقد كان لهذا التنافس أثره السلبي على كاميليا؛ لأن الجميع وقتها أدركوا أنه من الأفضل الابتعاد عنها حتى لا يقحموا أنفسهم في هذه المنافسة الضارية بين الثلاث فتوقفت كاميليا عن العمل وهجرها المنتجون والمخرجون.


حتى جاء اليوم الذي دقت فيه سيدة بابها فتحت لها كاميليا وبمجرد رؤيتها تهلل وجهها بالفرحة فقد كانت تلك السيدة بمثابة المنقذ الذي أعاد الحياة إلى كاميليا مرة أخرى، تلك السيدة هي عزيزة أمير، المنتجة السينمائية الشهيرة والتي عرضت عليها  المشاركة في فيلمها (فتنة) مع يحيى شاهين ومحمود إسماعيل وفاخر وفاخر وكارم محمود وهدى شمس الدين وعبد العزيز محمود وبالفعل تم تصوير الفيلم وعرض في 24 مايو 1948.


وجاء عام 1949 ليحمل لكاميليا وهجا فنيا غير مسبوق فلقد قدمت في هذا العام 7 أفلام أول تلك الأفلام كان فيلم (أرواح هائمة )وهو من الأفلام النادرة التي تناولت حرب فلسطين وعاصرتها بطولة كمال حسين ولولا صدقي  من إخراج كمال بركات ولقد قدمت كاميليا أخر أعمالها لعام 1949 مع كمال الشناوي حيث كان العمل الرابع والآخير الذي جمع بينهم فيلم(شارع البهلوان) وشاركهم في البطولة إسماعيل يس وحسن فايق ولولا صدقي وزينات صدقي من إخراج صلاح أبو سيف وعرض الفيلم في أخر عام 1949.


صعدت النجمة الناشئة بسرعة الصاروخ حتى تحولت في سنوات قليلة من مجرد ممثلة مبتدئة إلى أعلى النجمات أجرا وأكثرهن شهرة وجمالا وجاذبية على الشاشة الفضية وخارجها، ازدحمت المجلات الفنية بأخبارها وضج الوسط الفني بحضورها وتوالت عليها العروض الفنية لتزيد انتشارا وتزيد توهجا وبالفعل كانت لها وقفات فنية عديدة في العام التالي نقصد بذلك عام 1950 والذي كان عام التوهج والانطفاء لفراشة السينما المحترقة كاميليا.


قدمت كاميليا للسينما في عام 1950 «7» أفلام أول تلك الأفلام فيلم (إمرأة من نار) والذي قاسمها البطولة فيه رشدي أباظة لتبدأ بينهما خيوط قصة بدأت داخل ستوديو مصر وانتهت داخل القصر الملكي شاركهم البطولة في هذا الفيلم عبد العزيز محمود ولولا صدقي ومختار عثمان أخرج الفيلم للسينما المخرج الإيطالي فريونتشو، وعمل معه مساعد مخرج آنذاك المخرج الصاعد يوسف شاهين.


هوليوود كانت الحلم الكبير لكاميليا وكانت تلك هي الخطوة الأولى لكاميليا على طريق السينما العالمية ولكنها أيضا كانت الأخيرة، ولقد قيل الكثير والكثير عن تلك التجربة فكونها يهودية الأصل جعلها محورا لكثير من الشائعات التي اعتبرت أن  هذا الفيلم وراءه بالشكل الأكبر جهاز الاستخبارات الصهيوني والذي كان يمهد لها لكي تصبح جاسوسة عالمية وفقا لما تردد عنها أنها كانت تعمل لصالح الموساد في مصر وتستغل جمالها وشهرتها في التعرف علي كبار الشخصيات السياسية وأصحاب النفوذ حتى وصلت علاقتها إلى الملك شخصيا.


ففاروق كان مولعا بالنساء كما عرف عنه ولقد ربطت الشائعات كثيرا بينه وبين كاميليا بل لقد وصل ماتردد عنهم أن الموساد بعد أن جندها قام بوضعها عمدا في طريق فاروق لتتوطد علاقتها به عن طريق أنطوان بوللي سكرتير فاروق الخاص.


وقيل إنها ظلت عشيقة لفاروق لمدة 3 سنوات استطاعت من خلالها أن تمد الموساد بمعلومات غاية في الأهمية والخطورة عن مصر وجيشها خصوصا إبان حرب 48.


بدأت علاقة كاميليا بملك مصر كما سبق وذكرنا عن طريق بوللي سكرتير الملك والذي ما إن رأها حتى انبهر بجمالها وقرر تقديمها للملك في حفلة من الحفلات فى كازينو «حليمة بالاس» ولقد أعجب بها فاروق أشد الإعجاب هو الأخر واتخذها عشيقة.


ولكن طموح كاميليا لم يقف عند حد فهي لم تكن تريد فقط أن تصبح نجمة مصر الأولى بل بدأت تخطط لتصبح سيدة  القصر وملكة مصر لكن هذا الطموح اصطدم وقتها بالحرس الحديدي وعلى رأسهم يوسف رشاد طبيب الملك وزوجته صديقة الملك هى الأخرى، واللذان حاولا إبعادها عن فاروق بقدر المستطاع.


وبالفعل جاء اليوم الذي سافر فيه فاروق على متن اليخت (فخر البحار) ليبتعد عن كاميليا وعلاقته بها إلا أنها بمجرد علمها بذلك أرسلت إليه برقيه كان نصها: «عد إلي وإلا سأنتحر» ولقد وقعت تلك البرقية في يد  الوكالة اليهودية وقتها وأدرك رجال الوكالة مدى خطورة وضع كاميليا وأهميتها لدى الملك وبدأوا ينسجوا شباكهم حولها للاستفادة منها ومن علاقتها تلك بفاروق، وضعوا الخطة وكلفوا مدير الاستخبارات شخصيا بتنفيذها "جيمس زارب" والذي  تواصل مع كلا من إيذاك ديكسون مدرب الرقص الخاص بها ولوسيون كازيس مدير أعمال أنور وجدي وصديق كاميليا ليقوموا بتجنيد كاميليا للعمل لحساب الموساد وبالفعل تمت الخطة كما رتب لها وعند عودة فاروق لمصر كانت كاميليا في استقباله ولكنها فوجئت بخبر كاد أن يقلب كل شيء رأسا علي عقب فالملك قرر أن يتزوج.


وبعد اتفاقهما على الزواج العرفى، وفى تلك الفترة أمدت كاميليا الموساد بكثير من التفاصيل الفائقة الأهمية عن تجهيزات العرب للحرب.


توفيت كاميليا في حادث الطائرة الشهير TWA الذي وقع يوم 31 أغسطس 1950 فور إقلاعها من مطار القاهرة متجهة إلى سويسرا فقد سقطت الطائرة بالقرب من منطقة الدلنجات في البحيرة واحترقت الطائرة تماما وعثر علي جثتها متفحمة ولم يتبق منها سوى فردة حذاء ساتان أخضر بلون الفستان الذي كانت ترتدية وقتها.


اختلفت وتعددت الأقاويل والنتيجة واحدة، احترقت كاميليا الفراشة الجميلة التي  قبل أن يقتلها حادث الطائرة قتلها طمعها وطموحها اللامحدود ورحلت كاميليا وتركت ورائها حياة قصيرة الأمد كثيرة التفاصيل، مليئة بالغموض وذات نهاية مأساوية حزينة.


الطائرة التي احترقت بداخلها كاميليا كانت مكتملة العدد وفي اللحظة الأخيرة اعتذر راكب كان متجها إلى سويسرا عن السفر وأعاد تذكرته فاتصلت الشركة بكاميليا لكي تبلغها أنه أصبح يوجد مكان شاغرا بالطائرة وعلى الفور حجزت كاميليا مكانه ليس فقط  لتأخذ مكانه علي الطائرة بل لتأخذ مكانه في طريقها إلى الموت.


هذا الراكب الذي اعتذر وسافرت كاميليا مكانه هو من عرف فيما بعد بالكاتب الكبير والفيلسوف أنيس منصور.