رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تحركات «ذبح» سعد الدين الهلالى بعد فتوى «المساواة فى الميراث»

سعد الدين الهلالى
سعد الدين الهلالى وعلى جمعة


استمرارًا لـ«مسلسل» فتاواه الشاذة والمثيرة للجدل، أيّد الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بـ«جامعة الأزهر»، قرار تونس بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، معتبرًا أنه صحيح فقهًيا ولا يتعارض مع كلام الله.


وصدق مجلس الوزراء في تونس، خلال اجتماعه، برئاسة الرئيس الباجي قايد السبسي، على مسودة قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمن أحكامًا بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.


وقال «الهلالي»، إن «قرار تونس، بالمساواة في الميراث هو أحد وجوه الفقه الصحيحة»، مشيرًا إلى أن «الفقيه عليه أن يعدل فتاواه مع تطور الزمن، وربما نصل إلى ما وصلت إليه تونس بعد عشرين أو ثلاثين سنة إن شاء الله».


وأضاف «الهلالى» في تصريحات تليفزيونية، أن «الميراث مسألة حقوق، وليست واجبات مثل الصلاة والصوم»، مؤكدًا أن مسألة الحقوق يكون للناس الحق في التعامل بها.


وحول وجود فقهاء في التاريخ أجازوا مسألة المساواة في الميراث، تساءل الهلالي: «هل اقترح أحد الفقهاء السابقين مساواة المرأة للرجل في الشهادة؟ في مصر المرأة تساوي الرجل في الشهادة هذا تطور فقهي فهل هو يعارض كلام الله؟».


وكان قانون مساواة المرأة بالرجل في الميراث قد أثار جدلًا واسعًا عند حديث الرئيس التونسي عنه في أغسطس الماضي، وامتد الجدل إلى مصر وسط مطالبات بالمساواة بين الرجل والميراث في مصر، حيث يؤيد عدد من النواب بالبرلمان فتوى «الهلالي» وعلى رأسهم النائب محمد أبو حامد.


هجوم لاذع

فتوى الدكتور سعد الدين الهلالى قوبلت بحالة من الاعتراض والغضب الشديد داخل مشيخة الأزهر الشريف وبين أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث قال الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، تعليقًا على فتوى الدكتور سعد الدين الهلالي بإجازة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث: «إن الحكاية تحتاج إلى كلام مفصل في هذا المجال، على 3 مستويات، أولها أن تونس بلد لا تنص في دستورها على أنها دولة إسلامية، ومن أيام الحبيب بورقيبة حرموا تعدد الزوجات وأباحوا الرفأ والخدانة وما حرمه الله؛ لأنهم يعتبرون الزنا ليس جريمة، وهذا الفكر لا علاقة له بالإسلام، وهذا شأنهم، والرئيس التونسي أقر المساواة بين الرجل والمرأة ولكن لم يعرض على البرلمان حتى الآن، ومن المتوقع أن يتم رفضه في البرلمان التونسي».


وأضاف المفتي السابق، أن أستاذ الفقه المقارن الدكتور سعد الهلالي، الذي تحدث عن تقليد تونس في المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، لديه مشكلة منهجية في طريقته في عرضه للآراء، وهي أنه يتكلم بشيء يناقض أوله آخره، وآخره أوله، فكلامه مركب يتحدث عن المساواة في الميراث من باب التراحم، فهذا حق يُراد به باطل، فهو يقول إن مصر لن تفعل ذلك وتقلد تونس إلا بعد 30 سنة، معقبًا: «أنا بقوله بعد الشر إن مصر تعمل مثل تونس»، وعلق مخاطبًا الدكتور سعد الهلالي: «ليس هكذا يا سعد تورد الإبل، ده دين هنُسأل عنه يوم القيامة».


وشدد على أن هذه الدعوات تكررت كثيرًا، لكن مصر قائدة العالم الإسلامي، ولن تكون مثل تونس، فالثقل العربي والإسلامي لمصر يأبى لها أن تقلد دولة صغيرة مثل تونس.


تهكم وسخرية من الأزهر

على الجانب الآخر، أصدر مركز الأزهر للفتوى ردًا قاسيًا على سعد الدين الهلالى، وقال إن كلام الدكتور يظهر عليه التخبط والتناقض، كما نعيب عليه أنه يُدخل في العلم ماليس منه وإنما يتكلم كلاما غريبا يظهر –لغير المتخصص- بأنه يقعد القواعد لكلامه وكأن الكلام هذا من أبجديات العلم!.


وذكر مركز الأزهر، أن الأحكام التي تتغير بتغير الأحوال والأشخاص والزمان والمكان هي الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، والأحكام الاجتهادية التي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية،


أما الأحكام التي لا تبنى على الأعراف والعوائد، والأحكام الأساسية النصية بالأمر أو النهي، فإنها لا تتغير بتغير الأزمان، ولا بتغير الأماكن، ولا بتغير الناس، كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والأمانة والصدق.


ثم هناك أمر آخر لابد من معرفته وهو أن هناك فرقا بين الحكم الشرعي والفتوى؛ فالحكم الشرعى كما هو عند علماء الأصول "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع" فالحكم الشرعي خطاب الله، أما الفتوى فخطاب المفتى الذي يستند إلى دليل (الإخبار بالحكم الشرعي مع المعرفة بدليله)، فقد يخطئ المفتى في إصداره للحكم نظرا لعدم فهم الدليل أو لغيابه عنه، فضلًا عن أن الحكم الشرعي ثابت، والفتوى متغيرة.


وأكد «الأزهر» أن أحكام الميراث ليست من قبيل الفتوى وإنما من باب الأحكام الشرعية فلا يدخلها التغيير والتبديل لا باختلاف الأحوال ولا الأشخاص ولا الزمان ولا المكان.


وسخر «الأزهر» من كلام «الهلالي» فقال: عندما سأله المذيع: هل هناك أحد من العلماء قال بالمساواة بين الرجل والمرأة، فرد الرجل: نعم، علماء تونس ثم أوضح المذيع السؤال أكثر: أقصد الفقهاء، العلماء السابقين؟ فأرغى الرجل وأزبد ثم تقيأ علينا تقيُأ المريض، قال إن العلماء قالوا قديما بأن شهادة المرأة على نصف الرجل والآن شهادة المرأة تساوى شهادة الرجل، ولبس الكرافتة (رابطة العنق) كان حراما والآن أصبح حلالا!!.


ثم انظر –هدانا الله وإياه- كيف خرج الرجل بالحوار بعيدا عن محل النزاع، فخرج إلى موضوع الشهادة الذي ساوى القرآن بين المرأة والرجل فيه في بعض المواطن، ومن ذلك ما ورد فى شأن (اللعان)، ثم هناك فرق بين (الشهادة) و(الإشهاد) - وهذا موضوع يطول بيانه ليس هنا موضوعه.


انظر لما وقع الرجل في حيص بيص كيف تخبط، ولمّا لم يجد من العلماء من قال بمثل هذا الشذوذ اخترع علماء وقال على ألسنتهم مالم يقولوه، ثم من من علماء تونس – المعتبرين- من قال بأن هذا صحيح أو جائز؟!


ولو أردنا أن ننظر إلى كلامه نظرة علمية بعيدة عن العاطفة (مع أن كلامه لا يوجد ميزان علمي نحتكم إليه لأنه كلام متناقض خارج عن العلم أصلا) لوجدنا أنه يحتوى على نقاط يجب تفصيلها بيانًا للصواب من الخطأ..


كما أنه عندما ضرب مثالا لهذا بـ«رابطة العنق» فإن هذا خلط وتعمية وتدليس، إذ كيف استحل الرجل لنفسه أن يساوي بين الميراث الوارد في القرآن بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، وبين ارتداء رابطة العنق التي لم يأت فيها نصوص ولا تخرج عن دائرة المباحات.


وذكر مركز الأزهر للفتوى، أن ما تم عرضه من أفكار من قِبل الدكتور سعد الدين الهلالى، لا ترقى إلى درجة العلم من قريب أو بعيد ولا حتى الاجتهاد الذي يُثاب عليه صاحبه، وإنما هي وجهة نظره الشخصية، أو تلاعب وتدليس وكذب على الدين والعلم.


كذلك استنكر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الفتاوى والآراء التي تبيح ما حرمه القرآن والشريعة الإسلامية.


وقال «الطيب»: «مما يُؤكِّد عليه الأزهر انطلاقًا من هذه المسئولية، أنَّ النصوصَ الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد الصادر من أهل الاختصاص الدقيق في علوم الشريعة، ومنها ما لا يقبل، والنصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معًا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم».


تحرك أزهري

على الجانب الآخر شهدت مشيخة الأزهر حالة من السخط والغضب الشديد طوال الأيام الماضية، تجاه الدكتور سعد الدين الهلالي، حيث طالب البعض شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بضرورة التحرك ومنعه من الظهور عبر الفضائيات، ومنعه من التدريس بجامعة الأزهر، فيما أكدت مصادر داخل المجلس الأعلي بالأزهر، أنه من المقرر تشكيل لجنة قانونية بتعليمات من مشيخة الأزهر تبحث حاليا كيفية معاقبة الدكتور الهلالي بناء على آرائه الصادرة على مدار السنوات الماضية والتي كان آخرها فتوى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.


وأفادت المصادر أن «الهلالي» سيحول للتحقيق على على طريقة إحالة جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح بعد فتوى مضاجعة البهائم، كذلك إحالة الدكتور صبرى عبد الرؤوف للتحقيق، بعد فتواه التى أجاز فيها معاشرة الرجل لزوجته الميت، حيث يواجه الهلالي تهمة مخالفة المنهج الأزهري. ووفقًا لتأكيدات المصادر، فإن «الهلالي» قد يواجه الوقف عن العمل لفترة، فيما فجرت مصادر قانونية بالأزهر، مفاجأة، كاشفة عن أن قانون الجامعات وتحديدًا جامعة الأزهر، يحول دون توجيه العقاب للدكتور الهلالي بحكم أنه أستاذ متفرغ بالجامعة، كما أن ما صدر منه خارج نطاق الجامعة وقاعة المحاضرات، وبالتالي لا يمكن توجيه اللوم له بحكم أن آراءه صادرة في الفضائيات، وأن هناك محاولات عدة داخل الأزهر بحثت وقف الهلالي عن العمل داخل الجامعة، وإحالته للتحقيق، إلا أن التوصيات طالبت بعدم القيام بذلك لمخالفة قانون الجامعات باعتبار «الهلالى» أستاذًا متفرغًا بـ«الجامعة».


وبناء على ذلك، اكتفى الأزهر في اجتماع هيئة كبار العلماء بتوجيه اللوم الشديد للهلالي والمطالبة بعدم الانصياع لآرائه، ووفقًا للمعلومات فإن هناك اتجاهًا داخل الأزهر بالتحرك نحو الضغط على المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين لمنع الهلالي من الظهور في الفضائيات، خاصة أن آراءه تتسبب فى فتنة وانقسامات في الشارع، وهناك شكاوى ينتظر تقدمها خلال الأيام المقبلة ضد الهلالي للمجلس الأعلى للإعلام؛ لوقفه الفترة المقبلة.


فيما تبرأت جامعة الأزهر من تصريحات الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بشأن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث الهلالي: قرار تونس بمساواة الإرث "صحيح فقها".. ولا يعارض كلام الله.


وقال الدكتور أحمد زارع، المتحدث باسم جامعة الأزهر، إن الدكتور الهلالي لا يمثل جامعة الأزهر في قريب أو كثير بل يمثل شخصه، وما قاله يخالف نص القرآن ومنهج الأزهر.


وحول الموقف الجامعي من «الهلالي»، قال «زارع»: «مجلس جامعة الأزهر يبحث الموقف مما قاله الدكتور الهلالي، الذي لا يمثلنا في شيء»، وهو ما يؤكد كلام النبأ بخصوص عدم وجود صياغة قانونية لمحاسبة الهلالي.


على الجانب الآخر، أعلنت اللجنة الدينية بـ«مجلس النواب»، وقوفها ضد «الهلالى»، ومساندة بعض النواب له، حيث أكد نواب اللجنة مساندة الأزهر وقراره بخصوص عدم الاعتراف بفتوى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث؛ لكونها تخالف صحيح الدين، وأن اللجنة تؤيد بشدة محاسبة الهلالي على تلك الآراء الشاذة التي تزيد من انقسامات الشارع في ظل طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني.