رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«لغز» أحاديث «البرادعي».. لماذا صمت كل هذه السنوات.. ولماذا يتكلم الآن؟

الدكتور محمد البرادعي
الدكتور محمد البرادعي - أرشيفية

في فترة زمنية تبلغ 14 يومًا، نشر الدكتور محمد البرادعي، نائب الرئيس السابق لـ«الشئون الخارجية»، بيانين أثارا جدلًا واسعًا في الشارع السياسي؛ لاسيما أنهما كشفا عن تفاصيل جديدة فيما يتعلق بيوم عزل الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي، وفض اعتصامي «رابعة» و«النهضة»، ثم استقالته من منصبه.



في البيان الأول أكد «البرادعي» أنه لم يكن موافقًا على قرار فض اعتصامي «رابعة العدوية» و«النهضة»، المؤيدين للرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي، باستخدام القوة، مشيرًا إلى أنه لم يكن يعلم باحتجاز «مرسي» يوم 3 يوليو، لافتًا إلى أنه كانت هناك حلول سياسية لفض الاعتصام، وأن هذه الحلول كان متفقًا عليها، وأنها ستنقذ البلاد من الانجراف فى دائرة مفرغة من العنف والانقسام وما يترتب على ذلك من الانحراف بالثورة، وخلق العقبات أمام تحقيق أهدافها.



وأكد «البرادعي» أنه استقال من منصبه كنائب للرئيس السابق للشئون الخارجية؛ لأنه تأكد من مسألة الانحراف عن مثار الثورة، وأنه كان من المستحيل الاستمرار في المشاركة في عمل عام يخالف قناعاته مثل قدسية الحياة وإعلاء قيمة الحرية والكرامة الإنسانية، حتى وإن كان ذلك عكس التيار العام، و الهيستيريا السائدة فى ذلك الوقت.



في البيان الثاني، قال الدكتور محمد البرادعي، إنه اتُهِم في 6 أغسطس 2013، من كاتب معروف فى مقال مطول بجريدة حكومية بأنه «رجل خطر على الشعب والدولة»، لافتًا إلى أنه تعرض فى مساء نفس اليوم، لهجوم شرس فى التليفزيون، ثم أعقب ذلك رسالة من «أجهزة سيادية» فى اليوم التالي تُخبرُه أن ذلك كان مجرد «تحذير»، وأنها «ستدمره» إذا استمر فى محاولات العمل للتوصل إلى فض سلمي للاعتصامات فى رابعة وغيرها أو صيغة للمصالحة الوطنية.



وتابع «البرادعي»: في ١٤ أغسطس بعد بدء استخدام القوة فى الفض كانت هناك هوجة هستيرية من قبل القوى الوطنية، وحتى ما تطلق على نفسها النخبة وبعض شباب الثورة، ترحب بشدة باستخدام العنف وتهاجمني بقسوة لاستقالتي الفورية بمجرد علمي باستخدام القوة رفضا لتحمل أية مسئولية عن قرار لم أشارك فيه وعارضته لقناعتي أنه كان هناك فى هذا الوقت تصور محدد يتبلور حول بدائل سلمية لرأب الصدع.



وختم: في تلك اللحظة تيقنت بحزن أنه في هذا المناخ لا توجد مساحة لي للمشاركة فى العمل العام وأنني لن أستطيع أن أسبح بمفردي عكس التيار وبالتالي كانت أفضل البدائل بالنسبة لي هي الابتعاد عن مشهد يخالف رؤيتي وقناعتي وضميري.


تسبب البيانان في حالة من الجدل؛ خاصة أنهما صدرا عن شخصية مرموقة مثل الدكتور محمد البرادعي الذي يحظى بمصداقية وشهرة عالمية، فضلا على أن البيانين ضما معلومات مهمة عن الفترة الحرجة التي سبقت عزل مرسي، ثم «مذبحة رابعة».



بعد البيان الأول تعرض «البرادعي» لحالة من الهجوم الشديد عليه، خاصة أن هذا البيان سبق تظاهرات «11-11» التي كانت تحمل شعار «ثورة الغلابة»، وروجت بعض الأصوات التي تعارض الاتجاهات السياسية لـ«البوب» أنه يريد الحشد لهذه التظاهرات، أو استغلالها في حالة تحقيقها الأهداف السياسية التي ستخرج من أجلها، خاصة أن توقيت البيان كان متناسبًا مع حالة الجدل الدائرة حول التظاهرات، وما ستسفر عنه، لكن هذه الدعوة فشلت فشلا ذريعًا.



البيان الثاني ربما يؤكد أن توقيت صدور بيانه الأول كان مصادفة مع دعوات «11-11»، ولم يكن مخططًا له، لكن وعلى الرغم من ذلك يتعرض «البرادعي» لحملة هجوم تتهمه بأنه يريد مغازلة جماعة الإخوان المسلمين التي استغلت الاعترافات التي شملها البيان الأول، وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين، بيانا، طلبت فيه من الدكتور محمد البرادعي، الإدلاء بشهادته أمام المحاكم الأوروبية والدولية ضد الرئيس السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي، وعدد من المسئولين وقت فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس 2013.



محمد عبدالعزيز عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعضو حركة «تمرد» سابقًا، قال في تصريحات عقب البيان الأول، إنه كان من باب أولى للدكتور محمد البرادعي منذ استقالته في 2013 أن يكشف هذه المعلومات وقتها لو كانت صحيحة، مؤكدًا أن الإعلان عنها الآن أمر يثير الاستغراب، واتهم «البرادعي» صراحة بالكذب.



وتابع قائلًا:«الدكتور البرادعي كان يعلم أن محمد مرسي قيد الاحتجاز أثناء ثورة 30 يونيو، وقت الاجتماع الذي عقد بمشاركة القوى السياسية و حضور البرادعي، وكان وقتها اللواء محمد العصار، يجلس على يمين الدكتور محمد البرادعي بينما كنت أجلس على يساره، كما تم الاتصال بالدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة، لكنه رفض الحضور في الاجتماع بسبب احتجاز محمد مرسي».



كما تعرض البرادعي لعدد من «التهم المعلبة» مثل أنه كشف عن اعترافاته السابقة بعد تلقيه أوامر من الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف تسخين الأوضاع الداخلية في مصر، ومن أجل جذب جماعة الإخوان إليه، فضلا على إثارة الفوضى والفتن بين أبناء الشعب المصري.



يبدو أن الدكتور محمد البرادعي، يشعر أن ثمة تغيير سياسي سيحدث في مصر خلال الشهور القليلة القادمة، فهذا السياسي المرموق لن يصدر هذه البيانات لمجرد التواجد في المشهد، أو لمجرد إثارة الجدل حول تلك الاعترافات التي من المؤكد أنها لم تكن مجاملة لجماعة الإخوان المسلمين.



وربما كان الهجوم الإعلامي عليه خلال الفترة الماضية، و«فبركة» تغريدات له لتوريطه في أحداث سياسية لا تروق لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، سببًا مهمًا في خروجه بهذه الاعترافات التي يبدو أنها لن تكون الأخيرة حول الفترة الحرجة التي عاشتها مصر قبل وبعد عزل «مرسي».


وقال الدكتور عارف الدسوقي، نائب رئيس حزب «الغد»، إن الدكتور محمد البرادعي يسعى لمساندة بعض التوجهات التي تعمل ضد مصر، مضيفًا أن بياناته الأخيرة ليس لها قيمة سياسية.


وأشار «الدسوقي»، إلى أن البرادعي يحاول مغازلة النظام المصري لكي يستعين به مرة أخري، موضحًا أن بعض الأنظمة تسعى للتخلص من مثل هؤلاء المعارضين «بوضعهم في الجيب».


وأكد أن البرادعي يعمل هو وغيره مع بعض الجهات الخارجية ولا ينتظر تكليفًا منها، مشيرًا إلى أن «مبارك» كان يحتوي المعارضين بأشكال وأنماط متعددة.


ودعا «الدسوقى» السيسي لاحتواء المعارضين بعد مبادرته الأخيرة لإطلاق سراح الشباب غير المدانين، معتبرًا أنهم لا يمثلون أي خطورة أو تهديد لمصر.


ومن جانبه أوضح الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، أن ظهور البرادعي محاولة للعودة للأضواء مرة أخرى، والبحث عن دور سياسي جديد.

وأضاف «الإسلامبولي» أنه لا يستبعد أن يكون «البرادعي» تلقي توجيهات من جهات خارجية لنشر البيانين السابقين، مشيرًا إلى أنه دائم التعاون مع تلك الجهات وينفذ تعليماتها.


وأضاف:«البرادعي يغازل جماعة الإخوان منذ فترة كبيرة»، لافتًا إلى أن ذلك لن يؤثر على النظام المصري الحالي.


وقال «أسامة الهتيمي»، المحلل السياسي، إن البرادعي تعرض لـ «موجة شديدة» من النقد في وسائل الإعلام التي اتهمته صراحة بالهروب من المواجهة، ومن تحمل مسئولياته في الوقت الصعب، لافتًا إلى أنه اختفى لفترة طويلة، ومن يومها والجميع يترقب أي موقف يصدر عنه فيما يتعلق بالشأن المصري، وأن هذه المواقف يتم ربطها بظروف سياسية تمر بها البلاد.


وتابع «الهتيمي»: لا يمكن الجزم بتقييم موقف البرادعي، خاصة أن هذا الظهور ليس هو الأول له، فقد تكرر هذا الظهور عدة مرات طيلة الثلاث سنوات الماضية، الأمر الذي لا يمكن معه تحديد المعايير التي على أساسها يقرر البرادعي الظهور وإن كنا نعتقد أن ثمة محدد رئيس لهذا الظهور المتكرر يتعلق ببراجماتية الرجل ذلك أن ما يجمع بين كل مناسبات ظهوره، هو مرور البلاد بظرف سياسي يبدو معه أن النظام يعاني مأزقا شديدا، ومن ثم فلا مانع من أن يبعث برسالة مفادها «أنا هنا» حتى ينتبه له الجميع في حال وقع ما يمكن أن يحدث تغييرا في البلاد.


وقال أيضًا: من الطبيعي أن تختلف مواقف القوى المناوئة للنظام السياسي الحالي تجاه بيان البرادعي، ومغزى رسالته، ما بين مرحب بها، ومشكك في نواياها، وإن غلب على ظني أن المرحبين ببيان البرادعي، انتصروا أيضًا لبرجماتيتهم من منطلق الرغبة في توحيد كل صفوف الرافضين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى وإن كانوا في يوم من الأيام من المشاركين في وجوده.