رئيس التحرير
خالد مهران

تزوير المحررات الرسمية بيزنس مظلم يعبث بهوية الدولة المصرية

تزوير المحررات الرسمية
تزوير المحررات الرسمية بزنس مظلم يعبث بهوية الدولة المصرية

تحولت جرائم تزوير المحررات الرسمية إلى صناعة كاملة تُدار باحتراف، في ظل التطور التكنولوجي الهائل.

خلف المكاتب الشعبية ومحال الطباعة الصغيرة، تعمل شبكات منظمة تمتد خيوطها إلى داخل بعض المؤسسات الحكومية، تُنتج مستندات تبدو أصلية تمامًا، من بطاقات الرقم القومي وجوازات السفر إلى عقود البيع والتوكيلات القضائية.

تتراوح الأسعار في السوق السوداء بين ألفي جنيه لتقرير طبي بسيط، وحتى عشرين ألفًا لعقود البيع أو التوكيلات العقارية، بينما تصل أرباح الشبكات المنظمة إلى ملايين الجنيهات سنويًا.

خريطة التزوير

تتصدر رخص السيارات والتوكيلات العقارية قائمة أكثر المستندات تزويرًا، يليها بطاقات الرقم القومي والشهادات الجامعية، ثم التقارير الطبية وإيصالات الأمانة التي تُستخدم لتغيير مسار القضايا الجنائية أو الحصول على تعويضات زائفة.

أما أكثر المناطق سخونة فهي القاهرة الكبرى والجيزة، تليها محافظات الدلتا، وبعض مراكز الصعيد حيث تنتشر جرائم تزوير الميراث والعقارات.

أرقام تكشف اتساع الخطر

وفق بيانات وزارة العدل، بلغ عدد قضايا التزوير في المحررات الرسمية خلال عام 2022 نحو 8.246 قضية، أُحيل منها قرابة 6.900 إلى المحاكم بنسبة إدانة تجاوزت 72%، مقارنة بـ6.100 قضية عام 2018.

وفي عام 2023، ضبطت أجهزة الأمن أكثر من 3.700 قضية تزوير شملت بطاقات، جوازات سفر، شهادات، وتوكيلات عقارية، لتتصدر القاهرة والجيزة قائمة المحافظات الأعلى في معدلات الضبط.

مناطق انتشار التزوير

القاهرة الكبرى والجيزة، الأعلى في معدلات الضبط، خصوصًا قرب مكاتب التوثيق ووحدات المرور وأحياء السوق العقاري، ومحافظات الدلتا تنتشر فيها قضايا التوكيلات وعقود الأراضي الصغيرة، وبعض مراكز الصعيد يكثر فيها تزوير عقود الأراضي والميراث، والمناطق المحيطة بالمدن الإدارية الثانوية حيث الازدحام وضعف الرقابة.

تزوير أراضي الدولة

في واحدة من أكبر قضايا الفساد العقاري بالقاهرة، كشفت التحقيقات عن شبكة واسعة لتزوير مستندات أراضي الدولة بمنطقة شق الثعبان، أسفرت عن خسائر مالية كبيرة، استخدم المتهمون كشوفًا مزورة لإثبات تعاملات وهمية مع الدولة لخفض سعر الأراضي، واستبدلوا قرارات لجان تقنين الأراضي بمستندات مزورة، فيما تواطأ بعض الموظفين مع رجال أعمال لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة.

وبلغت المكاسب المالية غير المشروعة ملايين الجنيهات، مع تجاوز بعض الموظفين الإجراءات القانونية، مما أتاح للمتهمين استكمال عقود البيع بالمخالفة للقانون، ويكشف عمق الفساد الإداري المرتبط بالمستندات الرسمية المزورة.

استيلاء على أموال المواطنين بتوكيلات مزورة

حالة أخرى تعرض لها المواطن إبراهيم علي مرسي، عند شراء شقة سكنية، دفع خلالها أكثر من مليون جنيه، لكنه اكتشف لاحقًا أن جميع المستندات مزورة.

وكشفت التحقيقات قيام زوج وزوجة بتزوير شهادة وتوكيلات منسوبة لمكتب توثيق الإسماعيلية باستخدام ختم شعار الجمهورية مقلد، وتم استخدام التوكيلين المزورين لإتمام عملية البيع على غير الحقيقة.

وأحالت النيابة العامة المتهمين للمحاكمة، فيما أكد المحامي وصاحب العقار أن التوكيلات المزورة كانت السبب في فقدان الأموال، لتكشف هذه القضية خطر التلاعب بالتوكيلات في سوق العقارات واستغلال ضعف الرقابة والثقة المفرطة في الأختام الرسمية لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

توكيل مزور

في واحدة من أخطر القضايا، اتهم رجل ستيني بالاشتراك مع مجهول في اصطناع توكيل عام مزور منسوب زورًا إلى مكتب توثيق الشهر العقاري بالإسماعيلية، ممهور بتوقيعات مزورة وبختم مقلد لشعار الجمهورية، بهدف الاستيلاء على أرض المجني عليه بمدينة العبور.

ولم يتوقف الأمر عند حد التوكيل الأول، بل استغل المتهم موظفًا حسن النية في مكتب توثيق الأهرام، الذي حرر توكيلًا ثانيًا بناءً على المحرر المزور، ما فتح الباب أمام محاولة الاستيلاء على أراضٍ بطريقة تبدو قانونية لكنها باطلة في الجوهر.

وكشفت التحريات أن المتهمين استخدموا قالبًا مقلدًا لختم مكتب التوثيق، وطبعوا بصمات شعار الجمهورية على المحررات.

مافيا المحامين

لكن الشبكات لم تقتصر على التوكيلات المزورة، فإلى جانبها ظهرت مافيا المحامين وإيصالات الأمانة المزورة في الزيتون، حيث كشف التحقيق عن 4 محامين وعامل تعاونوا لاستهداف المجني عليه أمير محمد حسن إبراهيم عبر مستندات مزورة، ما أدى إلى صدور أحكام قضائية ضده بناءً على أوراق غير صحيحة.

نشأت الأزمة بعد أن كان المتهم الثاني وكيلًا قانونيًا عن المجني عليه بموجب توكيل رسمي، ونتيجة خلافات نشبت بينهما، قرر الانتقام والتنكيل به، ما يعكس استغلال القانون نفسه لتحقيق مكاسب شخصية.

اتفق متهمون مع محامية على اصطناع إيصال أمانة بقيمة 4 ملايين و500 ألف جنيه، وزعوا البيانات المزورة على أساسها، وزود المتهم الثاني المحامية بكافة بيانات المجني عليه، فقامت الأخيرة بإثباتها زورًا، وألصقت توقيعًا وبصمة مزورة، ثم قدمت المحرر إلى رئيس التحقيقات بقسم شرطة الزيتون الذي حرره بحسن نية، فصار الإيصال المزور أساسًا لإصدار حكم قضائي ضد المجني عليه.

لم يقف الأمر عند حدود الإيصال، بل توسع المتهمون بتزوير محررين رسميين هما تقرير المعارضة وتقرير الاستئناف، ومثّل المتهم الرابع – محام – أمام موظف قلم التنفيذ وقرر اتخاذ إجراءات المعارضة والاستئناف، دون علم المجني عليه، فقامت النيابة بتحرير المحررات الرسمية بحسن نية، ما أضاف حلقة جديدة في المخطط الإجرامي.

توكيل مزور يهز قاعة المحكمة

في أروقة العدالة، حيث يُفترض أن تسود الحقيقة وتُصان الحقوق، تسللت مؤامرة محكمة نسج خيوطها محامٍ واثنان من شركائه، لتتحول أوراق رسمية إلى أداة للتلاعب بمصير قضية جنائية.

لم يكن الأمر مجرد ورقة عابرة أو توقيع مزيف، بل كان توكيلًا مصطنعًا بخاتم مقلد، استُخدم أمام محكمة العجوزة لإسقاط حكم قضائي صادر ضد متهمين في قضية نصب قيمتها 150 ألف جنيه.

بدأت الواقعة حين نشبت خلافات تجارية بين أيمن فؤاد سيد شحاتة، 39 عامًا، مهندس مدني وبين اثنين من شركائه في المعاملات التجارية.

وتبيّن أن الخلافات حول مبلغ 150 ألف جنيه اتهم المجني عليه شريكيه بالاستيلاء عليها بطريق النصب، ولم يتردد في تحرير محضر ضدهما بقسم شرطة العجوزة، فأُحيلت الأوراق إلى المحكمة التي قضت غيابيًا بحبس المتهمين الثاني والثالث شهرًا مع الشغل، وكفالة 200 جنيه لوقف التنفيذ.

مافيا التوكيلات المزورة

في وقت تتزايد فيه التحذيرات من انتشار شبكات التزوير التي تعبث بالمحررات الرسمية وتضرب الثقة في مؤسسات الدولة، تكشف قضية جديدة تفاصيل صادمة عن عصابة مكوّنة من 6 أشخاص بينهم سيدة، تورطوا في تقليد أختام حكومية وتزوير توكيلات وعقود بيع سيارات رسمية، في محاولة لإضفاء صبغة المشروعية على عمليات بيع ونقل ملكية وهمية.

القضية التي بدأت خيوطها من وحدة مرور السلام لم تكن مجرد واقعة تزوير عابرة، بل اتضح أنها شبكة منظمة اعتمدت على استغلال ثغرات إجرائية وتلاعب في البيانات، بمساعدة موظف عمومي "حسن النية"، لتصبح جريمة مركبة تهدد مصالح المواطنين وتكشف عن ثغرات حقيقية في منظومة التوثيق.

ومع توالي التحريات والتقارير الفنية من مصلحة الطب الشرعي ومكاتب التوثيق، تبيّن أن التوكيلات والعقود محل التحقيقات مزورة بالكامل، وأن البصمات المنسوبة إلى الموظفين ليست سوى قوالب صناعية صُنعت لخداع المتعاملين.


تقرير طبي مزور يحوّل مواطنًا إلى متهم

في المعصرة جنوب القاهرة، تحولت شكوى مالية عادية ضد مقاول إلى قضية جنائية بسبب تقرير طبي مزور منسوب لمستشفى حلوان العام، يزعم تعرض السيدة لإصابة، ليصبح المقاول في مواجهة حبس احتياطي ومحاكمة محتملة، وتدخل محامٍ للدفاع عن المقاول، تبين له أن التقرير يحتوي على أخطاء في رقم القيد والطريقة المعتادة لصياغة التشخيص الطبي، وأنه لم يمر عبر القنوات الرسمية للمستشفى، بل تم تصنيعه في الخفاء، والتحقيقات كشفت وجود شبكات منظمة تتاجر في التقارير الطبية المزورة، تشمل موظفين متغاضين، سماسرة، ومحامين، ما يسمح بتغيير مسار القضايا لصالح المتهمين.


نسخة طبق الأصل

وفي هذا الصدد، يرى العميد محمد شندى، الخبير الأمني، أن التزوير اليوم لم يعد مجرد كتابة توقيع أو طباعة ختم، وأن المجرمون أصبحوا يستخدمون طابعات ليزر عالية الدقة تطبع بنفس توزيع الحبر الأصلي، مع برامج تعديل ملفات «PDF» تجعل النسخة المزيفة شبه مطابقة للأصل.

وأضاف أن الوثائق الطبية تُزوَّر غالبًا رقميًا حيث يتم مسح تقرير حقيقي وتعديل بيانات الاسم أو التشخيص، أما في العقارات، فيُستخدم التزوير الورقي بالتوازي مع تلاعبات في التوكيلات أو عقود البيع بتوقيعات مزيفة.

وتابع: «وفي كل نوع من المحررات هناك أسلوب خاص، وبعض المزورين يتخصصون في التوكيلات العامة، وآخرون في الشهادات الجامعية أو المحاضر القضائية».

ورش متخصصة

وفي سياق متصل، قال اللواء وائل مرسال، أن أكثر وسيلة شائعة حاليًا هي استخدام ماكينة حفر ليزر صغيرة يمكن شراؤها من الإنترنت، تُصنع بها أختام أكريليك أو معدنية مطابقة للشكل الرسمي.

وأضاف: «وهناك ورش صغيرة متخصصة في صنع الأختام للمؤسسات، يستغلها بعض المزورين بإحضار نماذج جاهزة ويطلبون تغييرات طفيفة فقط، مثل تغيير اسم الجهة أو الكود وتم ضبط شبكات استخدمت طباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة أختام حكومية بتفاصيل دقيقة جدًا، يصعب تمييزها إلا بفحص فني متخصص».

بينما يرى اللواء بدوى هاشم، أن الموظف الملوث يكون الحلقة الأضعف وقد يمرر معاملة، يصدق توقيعًا، أو يعتمد توكيلًا دون فحص التوقيع جيدًا، مقابل رشوة بسيطة.

وأكد «هاشم» أننا لسنا أمام شبكات داخل المؤسسات، لكنها حالات فردية تستغل ضعف الرقابة الإدارية، معقبا: «ومع ذلك، خطورة الموظف المتواطئ أنه يمنح المستند المزيف شرعية قانونية، وتم تسجيل وقائع اشتراك موظفين في الشهر العقاري ومكاتب المرور في إدخال بيانات وهمية أو تفعيل توكيلات مزورة مقابل مبالغ مالية».

بينما يرى اللواء أشرف عبد العزيز، الخبير الأمني، أن أخطر ثغرة هي عدم وجود ربط إلكتروني شامل بين مكاتب التوثيق وبعض الجهات الأخرى مثل المحاكم والمرور.

وأضاف «عبد العزيز»: «أي مكتب توثيق يستطيع اعتماد توكيل دون الرجوع في الوقت الحقيقي لقاعدة البيانات المركزية، وهذه نقطة ضعف كبيرة، وكذلك غياب التحقق الثنائي بمعنى أنه لا يُطلب من المواطن أو الجهة المستفيدة تأكيد صحة المستند عبر رمز تحقق أو استعلام إلكتروني، وكثير من المزورين ينجحون لأن النظام لا يسمح للموظف بمقارنة الوثيقة القديمة بالحديثة، فيحدث تضارب دون كشف التزوير».

3398
3407
3404
3400