بعد انتقادات السيسي.. إعادة رسم خريطة دراما رمضان 2026 بتعليمات رئاسية

شهد موسم دراما رمضان 2025 موجة واسعة من الانتقادات الجماهيرية والنقدية بسبب زيادة مشاهد العنف والإسفاف وبعض الرسائل التي اعتبرها الجمهور بعيدة عن قيم المجتمع المصري.
لم يقتصر الجدل على مواقع التواصل أو الصحافة بل وصل إلى أعلى مستويات الدولة ما دفع المسؤولين للتدخل ومطالبة صناع الدراما بمراجعة أعمالهم.
تساءل الجمهور عن قدرة الدراما المصرية على التغيير في موسم رمضان 2026 وما إذا كانت التوصيات الرسمية ستنعكس على المحتوى بشكل ملموس لتقديم أعمال تجمع بين الرسالة الفنية والجاذبية الجماهيرية دون المساس بالذوق العام.
اعتراض الرئيس
شدّد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال احتفالية «المرأة المصرية والأم المثالية» في 22 مارس 2025 على أن الدراما تمثل أداة ثقافية واجتماعية مهمة مشيرًا إلى أن التحول من صناعة هادفة إلى تجارة أسهم في ظهور محتوى يبتعد عن قيم المجتمع.
وأكد الرئيس أن الهدف ليس المنع بل تنظيم الصناعة بما يوازن بين حرية الإبداع والمسؤولية الاجتماعية للحفاظ على الذوق العام والهوية الوطنية.
سبق ذلك إعلان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، دعم الحكومة الكامل لتطوير صناعة الدراما المصرية من خلال تشكيل مجموعة عمل وطنية تضم وزارة الثقافة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام إلى جانب شركات الإنتاج وخبراء وفنانين بهدف وضع خطة متكاملة لضمان جودة المحتوى الدرامي وتقديم أعمال تحترم القيم الثقافية مع التركيز على التخطيط طويل المدى وتجنب الإنتاج العشوائي.
اعتزال مؤقت
نتيجة الهجوم الكبير على مسلسل «سيد الناس»، أعلن المخرج محمد سامي اعتزاله مؤقتًا لإعادة تقييم توجهاته الفنية واختيار أعمال تتوافق مع الذوق العام والقيم المجتمعية، مؤكدًا أنه سيستمر في الإبداع بعد مراجعة معايير إنتاج أعماله المستقبلية لضمان التوازن بين الفن والجمهور.
احتكار وبطالة
انتقد الكاتب والإعلامي محمد الغيطي، المشهد الإنتاجي للأعمال الفنية في مصر، مؤكدًا أن الصناعة تعاني من اختلال كبير في النظام الحالي، مع احتكار واضح من قبل عدد قليل من شركات الإنتاج والمخرجين والمؤلفين.
وأوضح «الغيطي» -في تصريحات خاصة لـ«النبا»-: «المفروض يكون هناك خطة شاملة لجميع أنواع الدراما كما كان في الماضي في قطاع الإنتاج وصوت القاهرة حين كانت تنتج أعمال تاريخية ودينية وأعمال للأطفال، هذا النظام لم يكن ليقتصر على رمضان فقط لكنه يجب أن يكون طوال السنة أما الوضع الحالي فهو مختل جدا».
وأضاف: «التواصل مع جهات الإنتاج أصبح صعبا جدًا فمثلا لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الإيميل أو من خلال شركات محددة و80% من العاملين في صناعة الدراما، مؤلفين، مخرجين، ممثلين يعانون البطالة بسبب عدم فتح المجال أمام جميع شركات الإنتاج والمواهب الجديدة هذة الصناعة كان يعمل بها حوالي من 3 لـ5 مليون مواطن مصري، وأي شخص موهوب يمكنه تقديم نصوصه وتدخل لجان للعرض أما الآن فالوصول للشركة المتحدة محدود جدًا».
وأشار «الغيطي» إلى أنه كان يتوقع أن يقوم طارق نور، رئيس شركة المتحدة بفتح المجال أمام جميع الموهوبين من المؤلفين والمخرجين والممثلين.
تغييرات مفاجئة
وفي سياق متصل، توقع الناقد الفني مجدي الشحري، مدير عام مركز الثقافة السينمائية بوزارة الثقافة الأسبق، أن يشهد موسم رمضان 2026 تغييرات واضحة في الدراما.
وقال «الشحري» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- إن موسم دراما رمضان 2026 سيظهر به أعمال تحمل مفاجأت غير متوقعة خاصة بعد الانتقادات الحادة التي وُجهت لمسلسلات رمضان 2025 نتيجة تراجع فني ملحوظ.
وأوضح أن ما حدث دفع رئيس الوزراء للتدخل وتشكيل لجان لوضع تصور شامل للدراما المصرية عبر الهيئة الوطنية للإعلام ووزارة الثقافة.
وأضاف أن شركة المتحدة من المرجح أن تكون لها اليد العليا في دراما رمضان القادم خصوصًا بعد التغيرات التي شهدتها الشركة برئاسة طارق نور.
وتابع: «ستعيد الشركة خريطة متنوعة للأعمال بين التراجيدي والكوميدي والتاريخي والأعمال الشعبية بعد الخسائر التي تكبدتها العام الماضي نتيجة بعض الأعمال التي لم ترقَ إلى المستوى المتوقع رغم الدعاية الكبيرة لها»، مشيرا إلى وجود اتفاقيات قائمة مع كبار النجوم للموسم الجديد.
لن شهد قفزات سريعة
على الجانب الآخر، يرى الناقد الفني أمين خيرالله، أن موسم رمضان 2026 لن يختلف كثيرًا عن رمضان 2025، متوقعًا أن يرتفع المستوى قليلًا، لكنه شدد على أن الصناعة لا تستطيع تحقيق قفزات سريعة أو تغيرات كبيرة.
وأوضح «خيرالله» -في تصريحات خاصة لـ«النبا»- أن مستوى رمضان 2025 كان أفضل من 2024 وكذلك رمضان 2023، مشيرًا إلى أن صناعة الدراما المصرية شهدت تغييرات كبيرة منذ موسم 2014 حتى 2016 حيث اختفى بعض المنتجين الكبار وظهر آخرون جدد مما أثر على الخبرة المكتسبة في تنفيذ الأعمال بشكل متكامل.
وأشار إلى أن الأعمال الجيدة التي قدمت السنة الماضية مثل «ظلم المسطبة» و«لام شمسية» حملت قوة درامية لم نشهدها في السنوات السابقة، لكنه شدد على أن مسلسلات رمضان ما زالت تفتقد للتوازن المطلوب بين التراجيدي والكوميدي.
وقال «خير الله»: «أصبحنا نرى إما مسلسلات تراجيدية جدا أو كوميدية جدًا بينما الأعمال القديمة مثل «الحاج متولي» و«لن أعيش في جلباب أبي» و«ليالي الحلمية» كانت تمتلك مزيجا متوازنا من الدراما والكوميديا والرومانسية لأنها تصور حياة البشر بكل مشاعرها».
وأضاف أن سبب توقعه لثبات مستوى رمضان 2026 يعود إلى استمرار نفس الأبطال والمؤلفين والمخرجين مع غياب أسماء جديدة على الساحة ما يعني أن النتيجة ستكون مشابهة للأعوام السابقة.
وأشار «خيرالله» إلى أن بعض الأعمال الناجحة في الموسم الماضي لم يكن حولها صخب إعلامي من بداية تصويرها وأن البطولات الجماعية الموسم الماضي كانت كثيرة وحققت نجاحا برغم أن أبطالها ليسوا من نجوم الشباك.
نقاط ضعف
من جهته، أكد الناقد الفني رامي المتولي، أن الدراما الرمضانية المصرية ناجحة جدا وأن معظم الأعمال المقدمة مصنوعة بشكل جيد فنيا، مشيرا إلى أن أي عناصر ضعف غالبا ما تعوّض بعناصر قوة.
وأضاف «المتولي» أن صناعة الدراما التلفزيونية شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الـ12–13 الماضية.
وأكد أن تصريحات رئيس الجمهورية حول موسم رمضان لم تكن موجهة للدراما المصرية بشكل عام بل لنوع محدد من الأعمال التي لا تعكس مشاكل الشارع أو تناقش قضاياه.
وأوضح أن مسلسل «سيد الناس» لعمرو سعد يحتوي على عوار فني في أداء بعض النجوم في حين توجد عناصر جيدة مثل أداء أحمد رزق، بينما ظهرت شخصية إلهام شاهين ضعيفة بسبب توجيهات المخرج.
وأضاف أن اعتزال المخرج محمد سامي وقتها لا يقلل من قيمته الفنية، مؤكدًا أن أي مخرج طبيعي أن يكون له أعمال جيدة وأخرى متوسطة وأن الدراما المصرية تمتلك أساسًا صلبًا لأنها مادة تدخل البيوت وتخضع للرقابة من المؤسسات مع مراعاة مشاهدة الأطفال وتجمع الأسرة حولها.
وأشار إلى أن بعض اللجان التي شكلت لتطوير الدراما فشلت لأنها بعيدة عن فهم الإنتاج، مؤكدًا أن الموسم الحالي كان منافسا جيدا لبقية المنصات وشبكات التلفزيون.
وأكد «المتولي» أن أعمال محمد رمضان هادفة ولا تمجد البلطجة وأن ما يقدمه في المسلسلات لا يختلف عن أعمال فريد شوقي سابقًا، مؤكدًا أن هذه الأعمال تعكس الواقع الاجتماعي، مشيرًا إلى أن صفحات الحوادث تحتوي على أمور أكثر تعقيدا مما يُعرض دراميا.



