رئيس التحرير
خالد مهران

السيد خيرالله يكتب: بلطجي تل أبيب.. والدولة المارقة

خيرالله
خيرالله

يسعى بنيامين نتنياهو إلى ترك إرث ملطخ بالدماء، قائم على قتل المدنيين وتجويعهم، وتدمير مقومات الحياة الأساسية للشعب الفلسطيني، بشكل يفوق كل ما ارتكب قبله، ويصعب على من يأتي بعده أن يجاريه. قد يكون الهدف المعلن هو منع إقامة دولة فلسطينية، لكن حقيقة الأمر أن بنيامين نتنياهو يسعى إلى التخلص من الشعب الفلسطيني ودفعه إلى مغادرة أراضيه المحتلة لتصبح الأراضي الفلسطينية لقمة سائغة وساحة فارغة لتحقيق مطامع الصهيونية الدينية في التوسع الاستيطاني. في هذا الصدد، تشير تقارير المنظمات الدولية إلى ارتكاب إسرائيل عددًا لا يحصى من الجرائم الممنهجة، حيث شرد أكثر من مليوني فلسطيني قسرًا نتيجة تعرض أحيائهم ومنازلهم للقصف المتعمد.

بالإضافة إلى استهداف المرافق الحيوية مثل المستشفيات، والمدارس، ومحطات معالجة المياه ومحطات الصرف الصحي، وقطع المساعدات الإنسانية والأدوية والمستلزمات الطبية عن قطاع غزة. ناهيك عن استهداف وقتل الصحفيين والعاملين في الحقل الطبي.

في المقابل، الخسائر الإسرائيلية من الحرب على قطاع غزة على كافة المستويات الداخلية والخارجية لا تعد ولا تحصى. فعلى المستوى الاقتصادي، تراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل حسب وكالة Moody’s للتصنيفات الائتمانية إلى A- مع نظرة مستقبلية سلبية نتيجة للمخاطر الأمنية والسياسة الخارجية وارتفاع وتيرة الانفاق العسكري والعجز المالي. بالإضافة إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجية بنسبة 30٪ وتأثر تدفق أموال المستثمرين نتيجة لاضطراب البيئة الأمنية، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة العجز المالي تأثرًا بارتفاع النفقات العسكرية. أما على مستوى مؤسسات الدولة، دخلت الحكومة في صراعات مع الجهاز القضائي وهاجم وزرائها القضاة في قاعات المحاكم، ومنعت المستشارة القضائية من أداء عملها، وتوترت العلاقة بين المؤسسة العسكرية والحكومة بشكل غير مسبوق.
تعتبر هجرة اليهود إلى فلسطين أحد وسائل إحداث التوازن الديمغرافي التي اعتمدت عليها دولة الاحتلال على مر العقود. تخسر إسرائيل على هذه الجبهة مع كل يوم تستمر فيه الحرب على غزة بعد أن أفرغ بنيامين نتنياهو جملة الهجرة إلى بلاد الحليب والعسل من مضمونها. حيث ترجح كفة الهجرة من إسرائيل على حساب كفة الهجرة إليها. تشير الاحصائيات إلى هجرة ما يزيد عن 81 ألف إسرائيلي إلى الخارج، بينما نجحت إسرائيل في استقطاب ما يقل عن 20 ألف مهاجر فقط.

أما على المستوى العسكري ووفقًا للتقارير الصادرة عن المؤسسة العسكرية، تآكلت القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي نتيجة حالة الإنه اك التي تعرض لها جنود الخدمة النظامية والاحتياط على مدار عامين متواصلين، مع رفض قطاع واسع من المتدينين الالتحاق بالخدمة بدعم من الأحزاب الدينية، ومعاناة أكثر من عشرين ألف ممن أدوا الخدمة العسكرية من تشوهات نفسية. صرخ والد أحد الجنود في الكنيست "أنتم تعلمون كيف تستدعون أبنائنا للخدمة العسكرية، لكنكم تفشلون في علاجهم من آثار الحرب بعد ذلك".

على المستوى الدولي، اكتشف العالم زيف الادعاء بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأصبحت إسرائيل في نظر كثيرين دولة مارقة لا تحترم القانون الدولي ولا المؤسسات الأممية والدولية، خصوصًا بعد عدوانها على أكثر من دولة، وانتهاكها المتكرر لسيادة دول الإقليم. أصبح واضحًا للمجتمع الدولي منذ أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه بجهود الوسطاء أن الحكومة الإسرائيلية تمعن في الاجهاز على حل الدولتين، فتدافعت دول العالم لإعلان نواياها بالاعتراف بدولة فلسطينية، وتضررت صورة إسرائيل في العالم وفقدت تأييد أقرب حلفائها مثل بريطانيا وفرنسا. كما فقدت إسرائيل عناصر التأثير الناعم في الوعي الجماعي العام نتيجة استجابة عدد من المهرجانات الدولية للضغوط الشعبية فمنعت مشاركة الفرق الغنائية الإسرائيلية من المشاركة في فعالياتها، وتنامي إحساس الإسرائيليين بالخوف من السفر خارجًا إما هربًا من الملاحقة الجنائية نتيجة مشاركتهم في الحرب على غزة، أو خوفًا من الاحتجاجات الشعبية على استمرار الحرب.

نحّت الحكومة الإسرائيلية العمل الدبلوماسي جانبًا واختارت البلطجة والتصريحات العدوانية تجاه كل ما ينتقد استمرار هذه الحرب. وكأن نتنياهو اختار بعناية مجموعة من الشعبويين الحمقى وسليطي اللسان ليكونوا أعضاء في حكومته. فمنذ بداية الحرب، ينبري نتنياهو ومجموعة وزراؤه لإطلاق تصريحات معادية لكل من نادى بوقف الحرب. هاجم نتنياهو ووزرائه الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس التركي أردوغان، رؤساء وزراء بريطانيا، وأستراليا، وبلجيكا، وإسبانيا، وكندا بشكل يبتعد كل البعد عن الدبلوماسية وأضر بعلاقة إسرائيل بهذه الدول، ما دفع الرئيس الإسرائيلي إلى الدعوة إلى عدم حرق الجسور مع الخارج.

العدوان الإسرائيلي على قطر، وتجاهلها السابق للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، عزز لدى الإسرائيليين أنفسهم قبل غيرهم القناعة بأن استمرار الحرب على قطاع غزة تحركه دوافع سياسية داخلية، في مقدمتها سعي نتنياهو للهروب من المساءلة القضائية، وضمان بقاء ائتلافه الحاكم، على أمل تحسين موقعه في استطلاعات الرأي التي تشهد تراجعًا له ولحزبه.

ورغم ذلك، فإن إصرار الحكومة الإسرائيلية على تبني دبلوماسية صدامية، وتعاملها مع نفسها ككيان فوق القانون الدولي والمحاسبة، قدم ـ من حيث لا تدري ـ خدمة للقضية الفلسطينية، إذ أسقطت هذه السياسات ادعاءات غياب الشريك الفلسطيني للسلام، وكشفت زيف الرواية التي روجت لها لسنوات.

لو وضع الفلسطينيون خطة للإضرار بإسرائيل على كافة هذه المستويات لما نجحوا في تحقيق كل هذه الأهداف. لذا، إن استمرار حكومة نتنياهو أصبح الشر الذي لا بد من تحمله